الأولى

بقلم
فيصل العش
الكيان الصهيوني... واغتيال الطفولة
 (أ)
منذ أن وطأت أقدام العصابات الصهيونيّة أراضي فلسطين وبدأت عمليّة زرع الكيان الصّهيوني في جسم الأمّة بدعم فاضح من الغرب وبتواطؤ من أغلب حكّام العرب، بدأ مسلسل معاناة  الفلسطينيّين وتتالت حلقاته بدون توقّف جرّاء الجرائم البشعة التي نفّذت ضدّهم أفرادا وجماعات ونتيجة  للممارسات التعسّفية للكيان الغاصب المخالفة للقانون الدّولي والتي استهدفت مقدّرات الشّعب الفلسطيني ومكوّناته في ظلّ صمت عالمي ومباركة غربيّة صريحة، أهمّها القتل عبر غارات استعملت فيها الأسلحة بمختلف أنواعها بما فيها الأسلحة الممنوعة دوليّا والقصف المكثف للتّجمعات السّكنية بواسطة الطائرات والدّبابات والصواريخ، إضافة إلى القنص وتدمير البيوت على رؤوس أصحابها والاعتقال والإبعاد ومصادرة الأراضي وتشريد سكّانها والمحاصرة المستمرّة عبر بناء الجدران وتحويل القرى الفلسطينيّة إلى كنتونات مغلقة لا تتوفّر فيها أبسط متطلّبات العيش وذلك في محاولة يائسة لفرض واقع الاستيطان وإرغام الفلسطينيين على الاختيار بين الهجرة والموت البطيء. 
لم يكن الطفل الفلسطيني بمعزل عن هذه الهمجيّة التي يمارسها الصّهاينة؛ بل كان في مقدمة ضحاياها؛ رغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تنصّ على حقوق الأطفال؛ وفي مقدمتها «اتفاقية حقوق الطفل» [1]. يولد الطّفل الفلسطيني محاصرا من كلّ جانب بأدوات القهر والظّلم والقتل والتّجويع والتّدمير، فقد يلج الحياة وهو وراء ‏القضبان من أمّ سجينة وأب شهيد أو على حاجز صهيونيّ منع أمّه من الوصول إلى المستشفى، أو تحت قصف وحشي لا يتوقّف أو في ركن بيت مدمّر فعلت فيه ‏جرّارات العدو الصهيوني ما فعلت، وقد يستيقظ الفتى الفلسطيني وهو يحلم بقطعة خبر أوحلوى أو لعبة يتسلّى بها فإذا ‏به يفاجأ بجحافل من العسكر يدخلون بيته بدون استئذان فيعتقلوا أباه أو يقتلوه أمام عينيه ويهينوا أمّه وإخوته. وقد يستيقظ على خبر استشهاد أخيه الأكبر أو وفاة جميع أفراد عائلة جاره ‏وصديق طفولته بعد أن هدّمت صواريخ العدو بيتهم على رؤوسهم. لا يعيش الطّفل الفلسطيني طفولته كبقيّة ‏أطفال العالم، فالصّهاينة يغتالون براءته وأحلامه ويعملون على تدمير ما يمكن تدميره في شخصيته وكيانه ‏في وقت يتحدّث فيه العالم أجمع عن حقوق الطفل وصيانة كرامته وحريته وحقه في العيش بسلام في ‏أرضه وبيته، ولكنه يصمّ الآذان عمّا يحدث للإنسان الفلسطيني عامّة والطّفل الفلسطيني خاصّة.‏ 
انتهج الكيان الصهيوني سياسة استهداف الطّفل الفلسطيني من خلال القمع والقتل والجرح والاعتقال حيث دأبت سلطة الكيان منذ عقود على قتل وتعذيب الأطفال الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكم العسكرية والزجّ بهم في المعتقلات والسجون لسنين طويلة بحجة حماية أمنها وتفصيل استراتيجيات الردع لديها لكبح التطلعات الفلسطينية في العودة والتحرير وهذا مخالف للمادّة (37 أ ) من اتفاقية حقوق الطفل والتي جاء فيها:- «تكفل الدول الأطراف ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشر سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم». لكنّ سلطات الكيان الغاصب لا تعرف القانون ولا تحترمه بل صعّدت في ممارساتها القمعيّة تجاه الأطفال بالاستخدام المفرط للقوّة وبشكل ممنهج ومنظّم خاصّة بعد انطلاق الشّرارة الأولى للانتفاضة الفلسطينيّة في 28/9/2000 تاريخ اقتحام شارون المسجد الأقصى إلى يومنا الحاضر، وما فعلته في الفترة الأخيرة بأطفال غزّة خير دليل.
فما هي أشكال استهداف الطّفل الفلسطيني وما هي طبيعة المارسات القمعيّة تجاهه؟ ولماذا يخالف الكيان الصّهيوني كلّ القوانين الدوليّة ويقوم بارتكاب تلك الجرائم في حقّ الأطفال الفلسطينيّين؟ ولماذا يستهدف الأطفال بصفة خاصّة؟  
(ب)
يمثّل الأطفال داخل فلسطين نصف الشّعب الفلسطيني بما أن نسبتهم تبلغ 45 % من مجموع السّكان، بواقع 43 % في الضفة الغربية و48 % في قطاع غزة، إذ بلغ عدد الفلسطينيين الذين لم يتجاوز عمرهم 18 سنة ‏‎2,226,077‎‏ طفلا في منتصف العام 2019 منهم ‏‎1,139,311‎‏ ذكرا ‏و‎1,086,766‎‏ أنثى [2]. ولأنّ الصهاينة يعلمون أن هؤلاء الأطفال هم عماد المجتمع الفلسطيني ويمثّلون مخزونا هامّا من الطاقات البشريّة التي من خلالها يواصل الشّعب الفلسطيني مقاومته ودفاعه عن أرضه، بما أنّ كلّ واحد منهم مشروع مقاوم سيكون في يوم من الأيام عنصرا ضمن إحدى فصائل المقاومة الفلسطينيّة، فإنهم يعتبرون هذه الفئة العمريّة من الفلسطينيين عدوّا وهدفا للإبادة،  لهذا عمل الكيان الصهيوني دوما على «تكريس معاناة الطفل الفلسطيني ومن ثمّ تحطيم واقعه النفسي والوجداني من ‏خلال جملة من الاجراءات والممارسات التعسّفية التي تهدف إلى إيجاد واقع طفولي ونوعيّة حياة متدنّية بسبب العنف ‏والقيود المفروضة على تحرّكات الأطفال يوميّا بما في ذلك ما يتعرّض له أفراد الأسرة والأصدقاء من قتل أو إصابة ‏جسديّة أو دمار لممتلكاتهم، كما أنّ  الطفل الفلسطيني يعاني من القهر والفقر بسبب عمليات الإغلاق الخانقة وبسبب ‏حظر التّجوال والاحتجاز في المنازل» [3].‏ 
يسعى الصهاينة إلى تدمير «الطفولة الفلسطينيّة» باعتماد كل الوسائل - وإن كانت ممنوعة دوليّا- فتنوّعت أشكال استهداف الطّفل الفلسطيني مادّيا ومعنويّا فهو إمّا مقتولا أو جريحا أو معتقلا أوسجينا أو لاجئا أو محروما من حقّه في التّعليم، كلّ ذلك بغرض تدميره وخلق جيل فلسطيني معتلّ جسديّا ونفسيّا، مشوّه، وخاضع لسياسات الاحتلال.
(ج)
لقد شكّلت عمليّات استهداف الأطفال الفلسطينيين وقتلهم سياسة ثابتة للصّهاينة، واعتُمدت على أعلى المستويات؛ وهو ما يفسّر ارتفاع عدد الشّهداء الأطفال؛ الذي بلغ 2111 شهيدا منذ سنة 2000؛ أي مع بدء انتفاضة الأقصى وحتّى بداية شهر نوفمبر 2019؛ منهم 546 خلال سنة 2014؛ استشهد معظمهم خلال العدوان على قطاع غزّة [4].
وتعود معظم حالات استشهاد الأطفال بشكل أساسي، إلى الأعمال العسكريّة الصهيونيّة، ومخلفات الحروب والألغام، وخصوصًا في غزّة؛ وإلى عنف الجنود الصّهاينة والمستوطنين في الضّفة الغربيّة (إحراق الطّفل المقدسي الشّهيد محمد أبو خضير، بعد اختطافه من بعض المستوطنين)، بالإضافة إلى عمليّات القنص المتعمّدة وأشهرها على الإطلاق عمليّة استشهاد محمّد الدرّة وهو يحاول أن يحتمي بأبيه في شارع صلاح الدّين بالقطاع سنة 2000.
وممّا يدعّم أنّ جنود الكيان الصّهيوني يتعمّدون قتل الأطفال أنّ نسبة الشّهداء الذين أصيبوا إصابة قاتلة في الرّأس أو ‏الرّقبة أوالصّدر أوالبطن تتجاوز 59.2 ‏‎% ‎‏ من مجموع الشّهداء [5]. وهناك من الشّهداء الأطفال من فارق الحياة على ا‏لحواجز العسكريّة الصّهيونيّة نتيجة منع قوات الكيان الصهيوني مرور سيارات الإسعاف التي تحملهم جرحى إلى المستشفيات لتلقّي العلاج .‏
هذه الأرقام لا تمثّل حقيقة عدد الشّهداء من الأطفال، فعددهم أكثر بكثير إذا ما أضفنا إلى الذين ‏يموتون برصاص الصّهاينة أو تحت التّعذيب عدد الوفيّات غير الطّبيعيّة التي لا تُصنّف ضمن عمليات القتل المنظّم ‏والمقصود الذي يقوم به الكيان، ومن بين هذه الوفيّات تلك التي تحصل للأطفال المولودين على الحواجز والتي تبلغ ‏نسبتها 60 ‏‎%‎‏ [6]  وتلك التي تحصل في المستشفيات نتيجة فقدان الأدوية والعقاقير، فقد بيّنت الإحصائيّات أنّ طفلا من بين ثلاثة يفارق الحياة في مستشفيات غزّة لهذا السّبب [7]  أمّا أطفال الضفّة، فإنّ الجدار العازل والحواجــز العسكريّـــة المنتشرة في كلّ مكان كانت سببــا في وفاة نسبة من المرضى منهم (20 ‏‎%‎ من الأطفال المتوفّين)[8].‏ بالإضافة إلى الوفيات بسبب سوء التّغذية والمولودين خارج المستشفيات من دون قابلات وعمليات الإجهاض نتيجة الغارات ‏الوهميّة الدّائمة، علما وأنّ معدل وفيات الأطفال دون سنّ الخمس سنوات في فلسطين خلال سنة 2018 قد بلغ 13.4 وفاة لكلّ 1000 مولود حي [9]
(د)
أمّا عن الجرحى، فقد خلّف الإستهداف المتعمّد للأطفال الفلسطينيين قائمة طويلة منهم. وتشير الأرقام إلى أنّ عدد جرحى الانتفاضة الأولى خلال الفترة (1987 - 1993) يزيد عن 70 ألف جريح، معظمهم من الأطفال؛ يعاني نحو 40 % منهم من إعاقات دائمة، 65 % يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع أطراف مهمّة [10]؛ فيما بلغ عدد جرحى انتفاضة الأقصى (من 29 سبتمبر 2000م وحتى نهاية ديسمبر2007م) 31,873 جريحاً [11]؛ وخلال الخماسيّة (2010-2014) شهد عدد الأطفال الجرحى جرّاء الإعتداءات الصّهيونيّة ارتفاعا ملحوظا من 360 جريحا في سنة 2010 إلى 4247 جريحا في سنة 2014 [12] يعاني أكثر من ألف منهم من إصابات سبّبت لهم عجزا دائما وبترا في الأطراف وذلك نتيجة 51 يوما من الحرب التي شنّها الجيش الصّهيونيّ على غزّة. 
وأصابت قوّات الكيان الصهيوني وجرحت خلال سنة 2016 نحو 3230 فلسطينيًا من بينهم 1040 طفلاً؛ وفي سنة 2017 أُصيب 8300 فلسطينيًا، 5400 منهم خلال شهر واحد (ديسمبر) على خلفية الاحتجاجات على القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للكيان الغاصب؛ ونحو1400 فلسطينيّا نتيجة الاحتجاجات على قيام سلطات الكيان بوضع بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الأقصى. [13]
وصعّدت القوّات الصّهيونيّة من استهدافها الأطفال الفلسطينيّين خلال «مسيرات العودة» في قطاع غزّة؛ التي انطلقت مع الذكرى 42 ليوم الأرض (30 مارس 2018)، وحسب بيانات وزارة الصّحة الفلسطينيّة فقد بلغ عدد الجرحى إلى حدود الفاتح من نوفمبر 24516 فلسطينيًا، من بينهم  4072 طفلاً. [14]
(ه)
شكل آخر لا يقلّ وحشية عن أشكال القمع التي يمارسها الكيان الصّهيوني تجاه الأطفال الفلسطينيين هو الاعتقال والسّجن، في انتهاك صارخ لنصوص اتفاقيّة حقوق الطّفل واتفاقيّة جنيف الرّابعة، فقد اعتقلت السّلطات الصّهيونيّة منذ سنة 1967 عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين؛ ومنذ انتفاضة الأقصى اعتقل أكثر من 10 آلاف طفل؛ بمعدل 700 طفل سنوياً. وقد بلغت حالات الاعتقال خلال سنة 2018 حوالي 6,500 حالة، من بينها 1,063 طفلاً، كما قام الاحتلال الاسرائيلي ‏بفرض الإقامة المنزليّة على 300 طفل في القدس منذ أكتوبر 2015 ولا زال حتّى الآن ما يقارب 36 طفلا تحت الإقامة المنزليّة التي تراوحت بين 6 شهور وعام  ‏ومعظم الأطفال يجرى اعتقالهم بعد إنهاء فترة الإقامة الجبريّة في منازلهم. 
أمّا عدد الأطفال الأسرى الذين يقضّون أحكاما بالسّجن وراء قضبان سجون الكيان خلال العشرية الأخيرة فهو يتراوح بين 163 سنة 2015 و406 في سنة 2016 [15] وبلغ عدد الأسرى في سجون الكيان حوالي 5,700 أسيراً في نهاية مارس 2019 (منهم 250 أسيراً من الأطفال و47 امرأة) [16]، ‏
وغالبا ما يتعرّض الأطفال الفلسطينيون للاعتقال العشوائي ليلاً وتكبيل اليدين وتعصيب العينين والمعاملة غير الإنسانية التي تنتهك حقوقهم الأساسيّة،حيث يتمّ احتجازهم في حبس انفرادي على مدى أيام أو حتّى أسابيع، وأحيانًا يوقعون اعترافات ويذكرون في وقت لاحق أنّهم وقّعوها بالإكراه. 
تشير الإحصائيّات إلى أن 95 % من الأطفال المعتقلين تعرّضوا للتعذيب خلال حملات الاعتقال والتحقيق وانتزاع الاعترافات بالإكراه [17]. ولا يراعي الصّهاينة حداثة سنّ الأطفال أثناء تقديمهم للمحاكمة؛ بل يتعاملون معهم «كمشروع مخرّبين»؛ فيحتجزونهم في غرف مكتضّة لا تتوفّر فيها التّهوية والإنارة المناسبتين ويذيقونهم أصناف العذاب ويعاملونهم معاملات قاسية ومهينة ولا إنسانيّة، تتضمن الضّرب والعزل، والحرمان من النّوم ومن الطّعام، والتّهديد والشّتائم، والتّحرش الجنسي، والحرمان من زيارة الأهالي؛ والإهمال الطّبي وانعدام الرّعاية الصّحية، ونقص الملابس ويستخدمون معهم أبشع الوسائل النّفسيّة والبدنيّة لانتزاع الاعترافات، والضّغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الصّهيونيّة.
(و)
أمّا بالنسبة للأطفال غير الجرحى والأسرى والمعتقلين، فهم يتعرّضون باستمرار إلى الانتهاكات الصهيونيّة أهمّها منع التّجوال والتّوقيف بالحواجز العسكريّة والمداهمات اللّيلية (فقد تبين أن 85% من منازل الأطفال قد تعرضت للمداهمات اللّيلية، وأنّ 40 % من الأطفال تعرّضوا شخصيّاً للعنف خلال هذه المداهمات) والتّعرض لاستنشاق الغاز(تبين أن 92,5 % من الأطفال قد تعرضوا لاستنشاق الغاز وهم داخل منازلهم). كما يتعرّض العديد من الأطفال للضّرب الشّخصي وهو من الأساليب المستخدمة ضد الفلسطينيين سواءٌ كانوا أطفالاً أم راشدين، وذلك لقمع أي بادرة للتّمرد والعنف ضدّ جيش الكيان، ولزرع المخاوف في حياة الأطفال، فقد تبين أن حوالي 45 % من الأطفال تعرضوا للضّرب الشّخصي من قبل القوّات الصّهيونيّة والذي أدّى إلى تكسير عظام 4,5 % منهم). غير أنّ مشاهدة العنف المسلّط على الآخرين أشدّ وقعا على نفسيّة الطفل وتدميرا لها من التعرّض الشخصي له، فقد تبين أن 55 % من الأطفال الفلسطينيين قد شاهدوا العنف يمارس على أحد أفراد أسرهم. 
ومن بين أساليب الكيان الصّهيوني الوحشيّة لقهر أطفال فلسطين هدم منازلهم، ذلك أنّ فقدان المنزل هو أكثر المواقف المؤثّرة سلبا على الطّفل بعد فقدانه أحد أفراد أسرته، إذ أنّ المنزل مرتبط في حياة الطفل بالأمن والانتماء الأسري وبفقدانه يفقد الطّفل توازنه النّفسي والاجتماعي.
ومن مخططات الصّهاينة لاستهداف الإنسان الفلسطيني والقضاء على مستقبله جيلا وراء جيل هو نشر الجهل بين الأطفال ‏الفلسطينيين وسلخهم عن انتمائهم وثقافتهم العريقة. ولتحقيق ‏هذه الغاية يعمل الكيان الصّهيوني على إعاقة الخطّة التّعليميّة الفلسطينيّة و شلل البرنامج التّربوي وبالتالي حرمان الأطفال من فرص التّعلم واكتساب المعرفة وذلك بفرض منع التّجوال تارة ‏والتّنكيل بالأطفال وترهيبهم من قبل الجنود أثناء توجّههم أو رجوعهم من مدارسهم تارة أخرى ممّا يتسبّب في ارتفاع نسبة الغيابات لدى ‏التّلاميذ والمعلّمين على حدّ سواء، كما يتسبّب ‏في ترك عدد لابأس به من الأطفال مقاعد الدّراسة والانضمام إلى سوق العمل دون أن تكون لديهم مهارات فيتعرّضون ‏للاضطهاد من جوانب شتى.
إن من أبرز الانتهاكات الإسرائيلية ضدّ الأطفال الفلسطينيين، تلك التي تطال الحقّ في التعليم بما في ذلك استهداف المدارس ‏بشكل مباشر، حيث تعرّضت 77 مدرسة خلال عام 2018 إلى 302 اعتداء، بالإضافة الى استشهاد 6 طلاب، وإصابة 943 ‏طالباً، بينما بلغ عدد الطلبة المعتقلين 245 طالباً وطالبة [18]
(ز)
رغم سعي الكيان الصّهيوني إلى تدمير الطّفولة الفلسطينيّة بشتّى الوسائل ورغم معاناة الطّفل الفلسطيني وشقائه منذ عقود عديدة، فإنّه استطاع أن يصبح رقما صعبا في معادلة الصّراع مع المشروع الصّهيوني بعد أن فجّر بحجارته أعظم انتفاضة في وجه الاحتلال خلال القرن العشرين. وبرغم تذوقّه مرارة فقدان الأحبّة والأهل والخلاّن جرّاء الغارات الصّهيونيّة الوحشيّة وبالرغم من الفقر والحرمان اللّذين يلخّصان واقعه اليومي، فإنّ الطفل الفلسطيني لايزال صامدا في وجه الصّهاينة، متحدّيا حضر التّجوال، يردّد النّشيد المفضّل للشّهيد «فارس عوده» ابن الأربعة عشر عاما «لوكسّروا عظامي... موش خايف...لو هدّوا البيت ...موش خايف» [19]  
الهوامش
[1] «اتفاقية حقوق الطفل» هي اتفاقيّة صادرة عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نوفمبر 1989 تحدّد حقوق الأطفال المدنية، السّياسية، الاقتصادية والثقافية. دخلت حيّز التنفيذ في 2 سبتمبر 1990. وبحسب الاتفاقية يعرّف الطفل بأنّه كل شخص تحت عمر الثامنة عشر لم يكن بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب قانون الدولة. وتعترف الاتفاقية أن لكل طفل حقوق أساسية، تتضمّن الحق في الحياة، الحق في الحصول على اسم وجنسية، الحق في تلقي الرعاية من والديه والحفاظ على صلة معهما حتى لو كانا منفصلين.
[2] السيدة علا عوض، رئيس  الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني، بيان صحفي بتاريخ الخميس 04/04/2019،حول أوضاع اطفال فلسطين عشية يوم ‏الطفل الفلسطيني‏، - http://www.pcbs.gov.ps/pcbs_2012/PressAr.aspx
[3] موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) لمحة عن أوضاع الأطفال في الأراضي الفللسطينيّة المحتلّة ‏
http://www.unicef.org/arabic/infobycountry/oPt_25384.html
 [4] تقرير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/ فرع فلسطين - تم جمع الإحصاءات بالاستناد إلى إحصاءات إدارة السجون الصهيونية والزيارات التي يقوم بها محامو الحركة لمراكز الاعتقال. http://arabic.dci-palestine.org
[5] أشارت تقارير منظمة الصّحة الفلسطينيّة إلى أنّ 31.4 % من الأطفال الشهداء أصيبوا في الرأس والرقبة  و 23.5 % أصيبوا في الصدر أي أنّ مجموع من أصيب في الرأس والصدر هو نحو 54.9 % من مجموع إصابات الأطفال - كتاب معاناة الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي - أحمد الحيلة و مريم عيتاني - مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات - بيروت - لبنان  ط.1 - 2008 
[6] تقرير منظمة الصّحة العالميّة  - موقع عرب48 - 23/9/2005 انظر http://www.arabs48.com
[7] ديان برسوناز «Damien Personnaz» المتحدّث باسم اليونيساف، وكالة رويترز للأنباء13/6/2006 ،انظر: http://ara.reuters.com
[8] تقرير مركز الإعلام والمعلومات - 14/03/2006
[9] وزارة الصحة/ التقرير الصحي السنوي 2018/ جويلّة- تموز 2019
[10] تقرير مؤسّسة الجريح الفلسطيني -  وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينيّة «وفاء» - 2019
[11] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني - شبكة راية الإعلامية - https://www.raya.ps/news/1062553.html
[12]  تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني -  وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينيّة «وفاء» - 2019
[13] التقرير السنوي لـ «مركز عبدالله الحوراني للدراسات والتوثيق» ، سنوات 2016 و 2017. وهو مركز تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية يرصد أبرز اعتداءات الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
[14] https://www.media5.raya.ps/news/1062553.html
[15] رصدات الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/ فرع فلسطين - الأرقام بالنسبة لغرّة جانفي من كلّ سنة.
[16] مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة - مجلد 30 - عدد 119 - ص232
[17] تقرير الدّائرة الإعلاميّة بوزارة الأسرى والمحررّين  بمناسبة يوم الاسير الفلسطيني - افريل 2008
[18] موقع وزارة الخارجية والمغتربين لدولة فلسطين - 6/04/2019  -  http://www.mofa.pna.ps/ar-jo
[19] الشهيد «فارس عوده» ابن الأربعة عشر عاما اختار بدل العجز التحدّي، وعلى معبر المنطاد، واجه الدبّابة بحجر،في صورة أذهلت العالم. كان ذلك يوم 29/10/2000. وبقدر ما كانت وقفته صاخبة ومذهلة بقدر ما كان استشهاده بعد عشرة أيام فقط هادئا، حيث أصيب بطلق ناري في رقبته أطلقه عليه أحد الصهاينة بينما كان في طريقه إلى المدرسة.