الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 149
 «ألَمٌ» و «أمَلٌ» كلمتان متكوّنتان من نفس الحروف، يلخّصان ماضي الأمّة وحاضرها. «ألَمٌ» تعيش فيه الأمّة منذ قرون قضت، تحاول أن تتجاوزه لكنّها في كلّ مرّة تعود إليه، «ألَمٌ» يعصر قلوبنا لما آل إليه حالنا بين  قاتل ومقتول أو حاكم مستبدّ وشعب مقهور أو بين فقير لا يجد ما يقيم به صلبه وغنيّ تكرّش حتى عاد بلارقبة. «ألَمٌ» على تشتّتنا وتقاتلنا فيما بيننا واستعانتنا بأعدائنا لتصفية حساباتنا مع إخواننا أو جيراننا. «ألَمٌ» يملأ القلب لضياع القدس الشريف  وتدنيسه من طرف الصهاينة، لا لغياب المقاومة وإنّما لخيانات أصحاب المعالي والسّلاطين الذين يحكمون رقابنا. «ألَمٌ» لما آلت إليه أوضاعنا الاقتصاديّة والاجتماعيّة من تفشّ للفقر والجهل والتخلّف بالرّغم من الثروات الطبيعيّة التي وهبها الله لنا وأكرمنا بها. «ألَمٌ» لتفشّي الفساد في كلّ المجالات وهيمنة الفاسدين على مفاصل الدّول وتحكّمهم في مصيرها. «ألَمٌ» لغياب العدالة حيث تضيع الحقوق فيسجن البريء رغم ثبوت براءته ويكرم المجرم رغم وضوح جرمه. «ألَمٌ» للقهر الذي يعيشه الشّباب من جرّاء البطالة والتهميش وغياب العناية به رغم أنّه عماد هذه الأمّة ومستقبلها، فلا يجد سبيلا غير «الحَرْقَة» أو الالتحاق بعصابات التّهريب أو التّطرّف. «ألَمٌ» لتواصل مسلسل معاناة  الفلسطينيّين الذي تتالت حلقاته بدون توقّف جرّاء الجرائم البشعة التي تُنفّذ ضدّهم أفرادا وجماعات من طرف كيان زرع كسرطان في جسد الأمّة ونما بمباركة دوليّة وصمت عربي مشين. «ألَمٌ» يدمّي القلوب ونحن نشاهد قتلة الأطفال الفلسطينيين يُرحّب بهم في عواصم عربيّة تدّعي أنظمتها الدّفاع عن فلسطين. 
لكنّ «الألم» ليس قدرنا مادام هناك «أمَلٌ». 
«أمَلٌ» في انتفاضات الشّعوب العربيّة ومحاولة تمرّدها على الإستبداد وأنظمة العسكر. «أمَلٌ» في أطفال فلسطين الذين بالرّغم من القمع والظّلم المسلّط عليهم يتحدّون دبّابات المحتلّ وجنوده، يصرّون على مواصلة تعليمهم ومحاربتهم للجهل. «أمَلٌ» في فصائل المقاومة في غزّة التي أثبتت قدرتها على الصمود بل وعلى المبادرة وبثّ الهلع والفزع في صفوف الصهاينة. «أمَلٌ» في تحوّل «لحظات الوعي» التي عشناها مع الشباب التونسي وهو ينظّف شوارع مدنه وقراه إلى واقع معيش. «أمَلٌ» في كلّ ساعد أو عقل يرفض التّقاعس ويسعى إلى العمل والإنتاج بالرّغم من المصاعب والعراقيل. «أمَلٌ» في مثقّف أو أديب يزرع «الأمل» في نفوس «المتألّمين». 
في العدد الجديد من مجلّة الإصلاح، مقالات جديدة تتحدّث عن آلام شعوبنا لكنّها لا تخلو من «الأمل». فـ«الأمل» يبدو واضحا في خاتمة مقال المهندس فيصل العش حول أطفال فلسطين بالرّغم ممّا تضمّنه من أرقام ووصف لمعاناة هؤلاء الأطفال. «أمَلٌ» نجده أيضا في مقال الباحث الأستاذ نجم الدين غربال وفي العنوان الذي اختاره له «الفساد‎‏‏‎‏ ‏من قُصور التّصور إلى حتمِيّة التّغلب عليه». هذا الأمل هو الذي دفعه للبحث عن مقاربة جديدة للتّعاطي مع الفساد بالاستناد الى مرجعيّة غير تقليديّة ‏وشديدة الارتباط بجوهر وجود الإنسان ودوره في الحياة.‏ 
إن الغروب لا يحول دون شروق جديد، و«الألم» لا ينزعه إلاّ «الأمل»، فمن يعش على «الأمـل» لا يعرف المسـتحيل، ولا بدّ لشـعلة الأمـل أن تضيء ظلمـات اليـأس ولا بدّ لشـجرة الصّبر أن تطرح ثمار الأمل . ألم يقل ربّ العزّة في كتابه العزيز : «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا...»
رحمك الله يا «طغرائيّ» حين قلت في لاميتك الشهيرة: 
          عَلِّــلُ النَّفْسَ بِالآمالِ أَرْقُبُهَا *** ما أَضْيَقَ العَيْشَ لَولَا فُسْحَةُ الأَمَلِ