في الصميم

بقلم
محمد الطرابلسي
أزمة التنمية في المنطقة العربية: الأخطاء و الحلول

 

 
تقديم:‏
جميع الدّول العربيّة تعاني من أزمة في التّنمية بمختلف أبعادها الإقتصاديّة والإجتماعيّة ‏والسّياسيّة، وهذا الأمر لا يختلف فيه إثنان بإعتباره قاسم مشترك بينها جميعا. والملاحظ أنّ الدّول ‏التي تحقّق نسب نمو إقتصاديّ مرتفعة هي أيضا تعيش أزمة تنميّة بإعتبار أنّ النّمو الإقتصادي لا ‏يعني التّنمية بمفهومها الشّامل، والخلط بين مفهوميّ التّنمية والنّمو لدى السّياسيين يعتبر خطأ ‏منهجّيا.‏
لا تتوفّر في جميع الدّول العربيّة شروط التّنمية التي من أبرز أعمدتها وسائل ونظم إنتاج ‏متطوّرة، قطاع صناعي وخدماتي متطوّر وقطاع زراعي بإمكانه تحقيق الأمن الغذائي. بعض من ‏هذه الدّول حقّقت نموّا كمّيا بفضل عائدات قطاعيّ النّفط والمناجم، بينما ظلّت أوضاع البطالة مؤشّرا ‏على الفشل الكبير لسياساتها التّنموية. كما ظلّت أوضاعها الصّحية والتّعليميّة في ‏مستويات متدنية، إضافة إلى معاناة شرائح كبيرة من السّكان من الفقر وإنعدام العدالة الإجتماعيّة. فأين ‏الخطأ في سياسات التّنمية ؟ ماهي أسباب ذلك ؟ وماهي الحلول الممكنة؟
1) أسباب الأزمة :‏
لا يمكن إستقراء أسباب أزمة التّنمية في الدّول العربيّة دون التّطرق للخارطة الجيوإقتصاديّة ‏المتغيّرة في العالم من أجل فهم طبيعة العلاقات بين الدّول والتّكتلات الإقتصاديّة، هل هي علاقات شراكة وندّية أم علاقات هيمنة وتبعيّة؟ إضافة إلى إنعكاسات الأوضاع الإجتماعيّة والثّقافيّة والسّياسيّة في ‏تعقيدات هذه الأزمة. 
من أبرز أسباب الأزمة أنّ مستوى التّنمية في البلدان العربيّة ظلّ لعقود طويلة وإلى ‏الآن رهين إرث إستعماريّ له إنعكاسات مباشرة على السّياسات الإقتصاديّة والإجتماعية والثقافية ‏لهذه الدّول: فلا تزال الدّول العربيّة إقتصاديّا في موضع المصدّر للثروات الطّبيعية والمستورد للغذاء ولم ‏تدخل عصر التّصنيع بإستثناء بعض الدّول التي حاولت التّوجه نحو الصّناعات الغذائيّة والتّحويليّة ‏مثل تونس، وهي صناعات ذات قدرة تنافسيّة ضعيفة في العالم وموجّهة بالأساس للأسواق المحلّية. ‏
كما يمثل غياب التّكامل الإقتصادي بين الدّول العربيّة وضعف مساهمتها في الإقتصاد العالمي ‏أحد الأسباب التي أدّت إلى هذه الأزمة. فبالرّغم من إمتلاك بعض الدّول الخليجيّة لإحطياطي هام من ‏النّفط، فإنّها لا تزال تحت وطأة التّبعيّة وفاقدة للسّيادة بما أنّ قرارها السّياسي بيد الدّول الغربيّة. لكنّ كثير ‏من الباحثين من يعتبر هذه الأسباب خارجة عن إرادة هذه الدّول، فهناك أسباب أخرى عميقة من صنع ‏الدّول العربية الفقيرة، أبرزها الفساد وخطط التّنمية الفاشلة الناتجة إمّا عن هذا الفساد أو ‏نتيجة شروط الدّول المانحة بشكل مباشر أو عن طريق قرارات صندوق النّقد الدّولي والبنك الدّولي. إذ ‏لم تكن التّسهيلات للحصول على القروض من باب الإحسان بل كانت لمزيد الهيمنة والإستغلال، كما ‏كانت هذه القروض تثير طمع ذوي النّفوس الضّعيفة في منظومات الحكم فيقومون بنهب الأموال مثل ما ‏وقع في تونس قبل الثّورة وفي دول عربية أخرى. ففي تقريرها الصادر سنة 2003 أشارت مؤسّسة ‏‏« مورانتر الماليّة » الأمريكيّة إلى إختفاء مبلغ 189 مليار دولار من 18 دولة نامية في سنة واحدة مع ‏العثور على 31 مليار دولار في حسابات سرّية في البنوك السّويسريّة والأمريكيّة . وبالرّغم من أنّ ‏الدّول المانحة تطلب ضمانات من الدّول المدينة، فإنّ هذه الدّيون تحرمها من حرّية إعتماد سياسات ‏تنمويّة سليمة. ومن هنا كان الإدراك متناميا في إستجلاء أبعاد هذه المشكلة ومدى خطورتها، وما ‏ينجرّ عنها من آثار وخيمة تكاد تعصف بحياة هذه المنطقة من تخلف بكافة أشكاله، وتجزئة أدّت إلى ‏فقدان التماسك الإجتماعي.‏
إن المنطقة العربية بأسرها واقعة تحت سيطرة الإستعمار غير المباشر، وهي تحت ظلّ الهيمنة ‏الرأسماليّة الجديدة بالرّغم من وجود عدّة شعارات من النّاحية النّظرية رفعت للتّخلص من هذا الوضع. ‏فالواقع هو واقع تبعيّة إقتصاديّة وسياسيّة تهدف إلى مزيد من التّوسع، ولا شكّ أنّ للأوضاع ‏الإقتصاديّة والإجتماعيّة والثّقافيّة أثرها في إستدامة هذا الوضع. 
إنّ عدم وجود مشروع وطني للتّحرر ‏يعتبر العامل الرّئيسي في أزمة التّنمية، وما أعنيه بالمشروع الوطني هو أن يكون لكلّ بلد برنامج يهدف ‏لتنمية القدرات الذّاتية المادّية وغير المادّية والبشريّة لتحقيق الإستقلال الإقتصادي والثّقافي. وتعتبر ‏المراهنة على إصلاح التّعليم البوابة الرّئيسيّة للتّحرر من هذه الهيمنة.‏
وبالرّغم من تراكم الأدلّة على تدنّي مستوى التّنمية بمختلف أشكالها ( البطالة، الفقر، عدم ‏المساواة، عجز الميزان التّجاري، التّضخّم...)، فإنّ النّخب الحاكمة لم تبذل أيّ مجهود لمعالجة العوامل ‏الكامنة التي تعرقل تقدم الشّعوب العربيّة. فقد فشلت القيادات والمؤسّسات السّياسيّة في فهم الحاجة إلى ‏وضع أسس لتخطيط تنمويّ قويّ، كما فشلت في تركيز نظام صارم للمساءلة والمحاسبة يمكّن من ‏التّصدي بفاعليّة للفقر والظّلم الإجتماعي. كما أنّه لم يقع إستثمار حجم القروض المتزايد في مشاريع ‏كبرى تعليميّة أو صناعيّة أوغيرها، بل كانت تنفق لخلاص النّفقات العموميّة ولتغطية البعض من عجز ‏الميزانيّة الذي تسبّبت فيه الإمتيازات التي تتمتّع بها منظومات الحكم.‏
ولا تزال الأوضاع الميدانيّة في عدد من الدّول تعرقل عمليّة التّنمية، إذ لا يزال إستمرار ‏الصّراع في سوريا والعراق واليمن وليبيا أحد الأسباب الرّئيسيّة لإنتشار مظاهر الفقر في المنطقة، ‏فبعد أكثر من 5 سنوات على إندلاع الحرب في سوريا تشير الإحصائيّات إلى ما يقارب 80 % من ‏سكّانها يعيشون في فقر مدقع، هذا الأمر يقابله إنخفاض في معدّل أمل الحياة عند الولادة بشكل ملحوظ. ‏كما أنّ موجات الهجرة الجماعيّة التي اصطحبت الحروب في عدد من الدّول وإنخفاض أسعار النّفط ‏العالميّة والإرتفاع في معدلات البطالة، كلّها تعني فشل الحكومات في معالجة الوضع الإجتماعي رغم ‏توفّر الإمكانيّات المادّية في بعض الأقطار العربيّة. وقد ارتفع معدل الفقر في اليمن مثلا من 42 % سنة ‏‏2009 ليصل إلى حدود 55 % سنة 2015 ، أمّا في تونس فرغم الإنتقال السّياسي النّاجح الذي حدث، ‏فإنّ مؤشّرات التّنمية لا تزال دون المأمول إذ يعيش واحد من كلّ ستّة تونسيين تحت خطّ الفقر.‏
2) الخطط الوهميّة للتنمية:‏
إن فشل المؤتمرات الدّولية في معالجة أزمة التّنمية دليل واضح على أنّ الدّول الغربيّة تسوّق ‏لخطط وهميّة للتّنمية الهدف منها فرض مزيد من الوصاية على الدّول العربيّة. كانت أهداف هذه ‏المؤتمرات تبدو في ظاهرها نبيلة تقوم على تقليص عدد الفقراء في العالم إلى النّصف سنة 2015 ، ‏لكن تجاوزنا سنة 2015 وتضاعف عدد الفقراء في العالم والمنطقة العربيّة، واتّضح أنّه لا يمكن ‏تحقيق ذلك في ظلّ الممارسات السّياسيّة والإقتصاديّة التي تسود العالم حاليّا، في ظلّ عدم إلتزام ‏الدّول الصّناعيّة بتخفيف أعباء الفقر والتّهميش عن الدّول النّامية وخاصّة العربيّة. ‏
عند التّعمق في هذا الموضوع، نجد وأنّ كواليس التّخطيط في الدّول الغربيّة ترفض تنمية ‏الإقتصادات العربيّة وتطرح بدائل لمزيد إستغلال ونهب ثرواتها. ومن هذا المنطلق نتساءل: لماذا ترفض ‏الولايات المتحدة الأمريكيّة واليابان وكندا تحديد موعد لإلغاء الحواجز الجمركيّة والتّجارية في ‏وجه منتوجات الدّول العربيّة وسائر الدّول النّامية؟ لماذا لا تعلن الدّول الصّناعيّة عن إستعدادها لإلغاء ‏الدّيون وتحويلها لإستثمارات؟ مادامت تلك الدّيون تعيق كلّ مجهود تنموي، وهي في تزايد مستمر دون ‏ترجمتها لمشاريع.‏
إنّ وعي السّياسيين في دول الشّمال المحتكر للرّفاهيّة بحقيقة المشكلة ليس ضعيفا، ‏فمأساة الفقر تتحدّث بالأرقام التي يفهمونها، ولو توفّرت لديهم الرغبة السّياسية لحلّها فسوف يبدأ حديثهم ‏عن ذلك بالأرقام أيضا وليس بالتّعبير عن نوايا طيّبة.‏
إنّ هذه البرامج الوهميّة لا تقع مسؤوليتها على عاتق الدّول الغربيّة الصّناعية وحدها، وإنّما ‏يتحمّل مسؤوليتها غالبيّة الحكومات التي تعاقبت على البلدان النّامية وخاصّة العربيّة منها، فالهوّة بين ‏الفقراء والأغنياء أصبحت علامة مميّزة لكلّ بلدان العالم على حدّ السّواء، في ظلّ تطبيق ما تبقّى من ‏النّظريات الشّيوعيّة وفي ظلّ تطبيق الرّأسماليّة الجشعة. 
انهارت الشّيوعية بعد فشلها في الإيفاء ‏بوعودها وتحوّلت كلّ الأنظمة إلى رأسماليّة جشعة ومتوحّشة، فارتفعت الدّيون الخارجيّة وضعفت ‏تدفّقات الإستثمار الأجنبي وانهار القطاع الزّراعي وارتفعت معدّلات نقص الغذاء.‏
إنّ البدائل التي تقدّمها الأمم المتحدة والمنظّمات الدّولية (صندوق النّقد والبنك الدّوليّان) المتعلّقة بإصلاح التّعليم وتمويل المؤسّسات والمراهنة على حرّية المبادلات التّجارية هي بدائل وهميّة لا ‏تتماشى مع الخصوصيّات المحلّية للدّول العربيّة، وقد أدّت إلى نتائج عكسيّة مثل عدم تكافؤ الفرص في ‏التّعليم وفي الشّغل وتعميق الفجوات بين الجنسين.‏
كما أن سياسات الإصلاح الهيكلي التي اتّبعها صندوق النّقد الدّولي منذ أواخر القرن الماضي ‏أدّت إلى كشف عورة الدّول العربيّة. فأصبحت مفتوحة على السّوق العالميّة بالرّغم من أنّها لم تكن لديها ‏إمكانيّات منافسة عمالقة هذه السّوق. وتحولت برامج الإصلاح الهيكلي إلى وسيلة لدمج الإقتصادات ‏العربيّة في الأسواق العالميّة، وبذلك تمكنت الشّركات العابرة للقارّات من حصد مكاسب كبيرة، بإزاحة ‏المنافسة من أمامها والظّفر بكل الأسواق الإستهلاكيّة وحوّلت هذه الشّركات المنطقة العربيّة إلى سوق ‏إستهلاكيّة عظمى بدل من أن تكون قوّة إنتاج وتصدير، وأصبح إقتصادها يقتصر على المنتوجات التي ‏تقدّمها الدّول الصّناعيّة. ‏
كما أدّى الإصلاح الهيكلي أيضا إلى تحرير الإقتصاد، الأمر الذي دمّر الصّناعة المحلّية والأنشطة ‏الزّراعيّة وحوّل الدّول العربيّة إلى مستهلكين لبضائع يعجزون عن شرائها. 
وبشكل عام تعمل خطط ‏صندوق النّقد الدولي غير المعلنة على: ‏
‏-‏ تشجيع الدّول العربيّة التي تعاني إقتصاديّا إلى مزيد التّداين كحلّ لإدارة المشاكل النّقدية .‏
‏-‏ دفع السّياسيّين إلى إقناع الرّأي العام بضرورة الإقتراض لمبالغ كبيرة جدّا تفوق حاجة دولهم ‏للتّرويج لمؤشّرات نجاح وهميّة.‏
‏-‏ الضّغط على الحكومات لبيع ما لديها من مؤسّسات ومرافق رئيسيّة إلى مستثمرين من القطاع ‏الخاص غالبا ما يكونون من الأجانب.‏
3) الحلول الممكنة:‏
تبقى مؤشّرات الفقر والبطالة وسوء التّغذية من الهواجس الرّئيسية لكلّ السّياسات التّنمويّة، و‏من أجل مواجهة هذه الهواجس لا بدّ من إحداث تغيير جوهري في السّياسات الإقتصاديّة والتّجاريّة في ‏المنطقة العربية. ‏
يجب إعطاء الأولوية للمناطق الرّيفية وتوفير الموارد المالية الضّرورية لتنميتها وذلك بإحداث ‏بنوك للتّنمية الرّيفيّة وإحداث فضاءات لتدريب سكّان الرّيف وتعليمهم حول كيفيّة مساعدة أنفسهم و‏رفع قدراتهم وكفاءتهم بشكل مستدام وتقديم المساعدات المادّية والمعنوية للقيام بالمشاريع ذات القيمة ‏المضافة العالية بشرط أن لا تكون هذه المساعدات ذات طبيعة خيريّة تنتهي بإنتهاء الأموال المخصّصة ‏بدون تحقيق تطوّر في نظم العمل والمعيشة.  ‏
وعلى الدول المانحة مسؤوليّة كبيرة في زيادة الدّعم المقدّم لمكافحة الفقر والبطالة، ومن أهم ‏السّياسات التي يجب إتباعها لتقليص الفقر في الدّول العربية، فتح الأسواق في الدّول الصّناعية أمام ‏منتوجات وصادرات الدّول العربيّة. ففي الوقت الذي تطالب فيه الدّول العربيّة بمزيد من المساعدات ‏وبفتح الأبواب أمام منتوجاتها، تتحسّب الدّول الغنيّة للآثار التي قد تخلفها خطوات كهذه على ‏إقتصادياتها وتطالب بما تسمّيه إصلاحات في بعض الدّول قبل تقديم أيّ دعم.‏
كما أصبحت الحاجة ملحّة إلى إصلاح ما يسمّيه الباحثون في الإقتصاد السّياسي « برامج شبكات ‏الأمان الإجتماعي » وسياسات الحماية الإجتماعيّة بشكل عام، وقد أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ‏سابقا إلى ندرة « شبكات الأمان الإجتماعي » في المنطقة العربيّة، حيث يعتمد العديد من البلدان على ‏دعم الغذاء والمحروقات غير الموجّه في أغلب الأحيان إلى الفئات الفقيرة خاصّة في بلدان مثل مصر ‏والأردن وسورية والمغرب وتونس.‏
وإلى جانب ذلك أصبحت الحاجة ملحّة إلى إعداد سياسة مائيّة مشتركة بين مختلف الدّول ‏العربيّة، وإحداث هيكل مشترك بينها لإعداد إستراتيجيات التّهيئة المائيّة وتنفيذها على المدى القريب ‏والمتوسّط والبعيد، نظرا لأهميّة الموائد المائيّة الجوفيّة بالمنطقة. ولنجاح ذلك لا بدّ من تحرير ‏الإستثمار بين مختلف الدّول العربيّة بإلغاء جميع الشّروط والقوانين المكبّلة له.‏
وعند تشخيص الوضع الرّاهن نجد أنفسنا إزاء فوضى من التّدخلات تقوم على الإملاءات ‏الخارجيّة دون دراسة مسبقة لنتائجها، فيجب أن تتغيّر فلسفة التّنمية لتقوم على فكرة « أنّ النّمو ‏الإقتصادي يقود إلى المساواة في الدّخل»، وعليه فإنّ مكاسب التّطور الإقتصادي يجب أن تنعكس ‏إيجابيّا على المواطنين عبر تحسين نوعيّة حياتهم بما يشمل توفير الضّروريّات من الغذاء والصّحة و‏التّعليم والأمن، وأن يكون الفقراء والعاطلون عن ‏العمل والمرضى وسكّان الأقاليم الأقلّ نموّا أول المستفيدين من هذا النّمو الإقتصادي.‏
ولتحقيق ذلك لا بد من تعديل مسار العولمة لتكون أكثر ملائمة للأوضاع الإقتصاديّة والعدالة ‏الإجتماعيّة، فالعولمة كما طبقت في السّنوات الماضية ساهمت في إحداث غنى فاحش لدى أقليّة وفقر ‏كبير وتباين في توزيع الثّروات في العديد من الدّول بسبب السّياسات التّجاريّة العالميّة السّائدة. فقد ‏ساهمت العولمة بشكلها التّقليدي في تخصيص كثير من المرافق والخدمات العامّة مثل الصّحة والتّعليم ‏وجعلها متاحة للشّركات الكبرى و للأغنياء فقط. وهذا التّعديل في مسار العولمة لا يمكن أن يتحقّق دون ‏الضّغط على منظمة التّجارة العالميّة وصندوق النّقد الدولي والبنك الدّولي لتصبح السّياسات أكثر ‏إهتماما بمصالح أغلبيّة السّكان من الفقراء والمهمّشين.‏
الخاتمة ‏
يجب أن تعترف جميع الحكومات المتعاقبة في الدّول العربيّة بفشلها في إدارة شؤون النّاس، وعجزها عن تحقيق ‏التّنمية الإقتصاديّة والإجتماعيّة، ويجب عليها أن تراجع توجّهاتها، فقد أظهرت الثّورات أنّ الشّباب ‏يحتجّ ضدّ التّهميش والحرمان من الحقوق الإقتصاديّة والإجتماعيّة والسّياسيّة، فأيّ محاولة جديدة ‏لخلق فرص إقتصاديّة وإجتماعيّة يجب أن تقدّم للشّباب العربي فرصة رسم مستقبلهم. كما أظهرت ‏الثّورات أيضا أنّ الشّعوب قادرة على تقرير مصيرها وقادرة على تحدّي جميع أشكال الظّلم، فإن لم تتم ‏معالجة قضايا الفقر والأمن الغذائي والبطالة ستكون موجة الإحتجاجات القادمة أعنف بكثير من موجة ‏إحتجاجات 2010  2011- . ‏
المراجع:‏
(1) باتر محمد علي 2003 : العولمة ومستقبل الأرض، الأردن، 437 ص.‏
(2) جين هاريغان 2018 : الإقتصاد السّياسي للسّيادة الغذائيّة في الدّول العربيّة، سلسلة عالم المعرفة، ‏ترجمة المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب، الكويت، 351 ص .‏
(3) برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2011 : تقرير تحدّيات التّنمية في المنطقة العربيّة ، مصر، 164 ص. ‏
(4) التّقرير العربي حول الفقر المتعدّد الأبعاد 2017: الأمم المتحدة، بيروت، 73 ص.‏
(5) يوسف عبدالله 1999 : التّبعية الإقتصاديّة وآثارها في الدّول الإسلاميّة ( رسالة ماجستير﴾ ، جامعة ‏اليرموك ، 300 ص.‏
(6) محمد حجازي ( عزّة ) 2014 : أثر التّطوير والهيكل المالي في نمو الصّناعات التّحويليّة في الدّول ‏النّامية (حالة مصر) ، مجلة بحوث إقتصاديّة عربيّة، ص ص 81-124 . ‏
(7) بيري نورة وزرقين عبود 2014 : محدّدات تدفّق الإستثمارات الأجنبيّة المباشرة في كلّ من الجزائر    ‏وتونس والمغرب، مجلّة بحوث إقتصاديّة عربيّة، ص ص 152- 173 .‏
(8) منتاق (سعيد) 2013 : جغرافيّات العولمة، قراءة في تحدّيات العولمة الإقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثّقافة والفنون والآداب، الكويت ، 445 ص.‏