إثراء للنقاش

بقلم
محمد منديل
من يحق له الحديث باسم الإسلام هم علماؤه

 عندما كنت تلميذا في الثّانوي أدمنت القراءة عن العلمانيّة، وأسباب ظهورها في أوروبا، وكانت معظم الكتابات التي ‏اطلعت عليها في الموضوع  تجمع على أنّ من أسباب ظهورها هناك وجود طبقة من رجال الدّين احتكرت ‏الحديث باسم المسيحيّة ومارست الكثير من الفظائع التي عجّلت بالدّعوة إلى فصل الدّين عن الدّولة.‏ ويذهب كثير من المفكّرين الإسلاميّين الذين اطلعت على كتاباتهم ـ تبعا للسّبب السابق ـ إلى أنّ الدّعوة إلى العلمانيّة ‏في المجتمعات الإسلاميّة ليست أمرا مشروعا كما هو في السّياق الحضاري الغربي على اعتبار أنّ ثمّة فروقا بين الإسلام ‏والمسيحيّة منها أنّ الدّين الإسلامي ليس فيه مثل تلك الطّبقة الكهنوتيّة التي عرفها الدّين المسيحي والتي تستأثر بفهم ‏الدّين دون باقي النّاس.‏

وفي الحقيقة فإنّ هذه الفكرة التي طالما لهجت بها ألسنة الكثير من الكتّاب والمفكّرين الإسلاميّين من أجل إظهار ‏محاسن الدّين الإسلامي مقارنة بالدّين المسيحي تحتاج في نظري إلى بعض المراجعة على الأقل في السّياق المغربي ‏المعاصر، ذلك أنّ ثمة مجموعة من الأحداث والوقائع الاجتماعيّة التي عرفها المجتمع المغربي مؤخّرا والتي حُمِّل فيها ‏الإسلام مسؤوليّة وقوعها ـ وإن بطريقة غير مباشرة ـ ومردّ ذلك في نظري الالتباس الذي يكتنف من يتحدّث ‏باسم الإسلام أو من يحقّ له ذلك.‏
ولكي يتّضح الأمر يمكن أن نسوق ـ كنموذج ـ في هذا الصّدد ما حدث في مدينة «إنزكان» المغربية واصطلح الرّأي ‏العام المغربي على تسميته بواقعة «فتاتي إنزكان»(*)، فقد زعم البعض بأنّ ما وقع ليس حدثا جزئيّا محدودا في الزّمان ‏والمكان وإنّما هو حدث مردّه «فكر ديني تكفيري متطرّف» بدأ يتغلغل في المجتمع المغربي المعاصر ‏ويقوم بغسيل دماغ جماعي للإنسان المغربي. وهذا الكلام عند التّأمل فيه إنّما يراد به في الأول والأخير تحميل الدّين ‏الإسلامي مسؤوليّة ما وقع ويقع في المجتمع من أحداث جزئيّة هنا وهناك على اعتبار أنّه المصدر الذي يستقي منه ‏هؤلاء (المتطرّفون) أفكارهم.‏
يستدعي هذا الكلام  ـ في نظري ـ تحديد من يحقّ له تمثيل الإسلام والتّصرف باسمه وبيان ذلك أنّه إذا فرضنا ـ مثلا ـ ‏حدوث واقعة اجتماعيّة ممّا يسمّى في الشّرع الإسلامي باسم «منكر» وأقدم بعض النّاس على تغييره بطريقة يزعم أنّها ‏شرعيّة، فمتى يصحّ القول بأنّ تصرّفات هؤلاء النّاس محسوبة على الإسلام وبالتّالي يحقّ للمخالفين أن يتّهموا ‏الإسلام بأنّه قد حرّض على ممارسة العنف في الفضاء العام لتغيير هذا المنكر أو ذاك.‏
وأنا أسوق هذا الكلام استحضر في ذهني ذلك الخلط الذي يحفل به السّياق المغربي بين فريقين من النّاس أحدهما ‏يقدم على تغيير ما يعتبره منكرا من باب الغيرة على الدّين وبين فريق آخر يقدم على تغيير ما ‏يعتبره أيضا منكرا لكن من باب الاستجابة لنوازع التّربية المحافظة التي تلقّوها والمفعمة بمفاهيم «الحشمة» ‏و«العيب» و«العار»...والتي قد لا تكون لها بالضّرورة علاقة بالدّين.‏ وكثيرا ما صادفت أشخاصا قد لا تربطهم بالدّين أدنى صلة، لكنّهم قد يشاركون المتديّن في ‏الانتفاضة ضدّ بعض الألبسة النّسائيّة التي يعتبرونها قد تجاوزت الحدود في الإخلال بالحياء العام والذّوق الفطري ‏السّليم.‏
الآن بعد توضيح هذا اللّبس الذي سبق، تبقى الإشارة إلى أنّه ممّا يجب في هذا الصدد تحديد من يحقّ له ‏الكلام أو التّصرف باسم الإسلام. حتى لا يبقى هذا الدين الحنيف «حائطا قصيرا» يتمّ الزجّ به في كلّ وقت وحين في ‏صراعات هي في الأصل سياسيّة ولا ناقة للإسلام فيها ولا جمل.‏
ولو ذهبت إلى القول أنّ المخول له الحديث حقيقة باسم الإسلام هم علماؤه المتضلّعون فيه لما جئت بجديد في هذا ‏الصّدد غير أنّ الجديد الذي دفعني إلى تدبيج هذه الأسطر هو تنبيه بعض من أبناء هذا الوطن العزير ممّن يتحلّون ‏بأسماء «العلمانيّين» و«الحداثيين» إلى ضرورة الابتعاد عن الزجّ بهذا الدّين الحنيف في صراعاتهم السياسيّة والفكريّة مع بعض التّيارات ‏الإسلاميّة بسبب الاختلاف في المرجعيّات والمقاصد.‏
وختاما، بالرّغم من عدم وجود متحدّث رسمي باسم الإسلام إلاّ أنّه إذا أراد البعض محاكمة الإسلام ‏وتحميله مسؤوليّة بعض الوقائع الاجتماعيّة، فإنّ ذلك يتمّ من خلال كلام وتصرّفات علمائه الرّبانيين المتضلّعين فيه ‏وليس من خلال تصرّفات بعض العوام الذين يعوزهم الفهم والتمثّل الصّحيح لهذا الدّين الحنيف.‏
الهوامش ‏
(*) ملخص واقعة فتاتي انزكان هي أن فتاتين في عقدهن الثّاني خرجن للسّوق بمدينة انزكان الواقعة في الجنوب المغربي بلباس قيل بأنّه مخلّ بالحياء العام ممّا جعلهن عرضة للتّحرّش من طرف البعض والتّهجم من طرف البعض الآخر الذي رأى في لباسهن اخلالا بالحياء والاداب العامة.