حوارات

بقلم
التحرير الإصلاح
حوار مع موسى المودن
 (1)
ناقشت صباح يوم الأربعاء 24 جويليّة 2019 برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، ‏أطروحة لنيل الدكتوراه في الآداب في موضوع «كناشة الشيخ محمد بوخبزة‎ ‎دراسة وتحقيق» بإشراف الدكتورة ‏جميلة رزقي، فحبذا لو تحدثت لنا عن الأطروحة:‏
لقد من الله عليّ بفضله، إذ هداني بتوفيق منه لاكتشاف مخطوطٍ نفيس يقع تحت عنوان «كنّاشة الشّيخ ‏محمد بوخبزة‎ ‎تقديم وتحقيق»، وذلك بتوجيه من الشّيخ الجليل سيدي عبد الله المرابط التّرغي-رحمه الله تعالى-، ‏حيث ألحّ علينا الفقيد بالإتيان به من المكتبة العامّة بالرّباط قصد الاشتغال عليه، إلاّ أنّه لم يكتب له أن يرى هذا ‏العمل ماثلا أمامه كما أراد، وخاصّة أنّ الفقيد كان عاشقا للتّراث المغربي وتحقيقه ومشجّعا عليه.‏
وقد اعتمدت في تحقيق مخطوط «كنّاشة الشّيخ محمد بوخبزة‎ ‎دراسة وتحقيق»، على النّسخة التي أخذناها ‏من المكتبة الوطنيّة، وهي النّسخة الأصل بقلم الشّيخ، وخطّها واضح مقروء، ولا يشوبها أيّ بتر، بل هي في ‏أحسن حال. وقد اقتضى منّي تحقيق هذا المخطوط القيّم اعتماد منهج متكامل جاء على الشّكل التّالي: ‏
‏1: نسخ الكناش.‏
‏2: التوثيق والتخريج.‏
‏3: توثيق الأبيات الشّعرية.‏
4: توثيق الأعلام.‏
5: توثيق البلدان والأعلام.‏
6: توثيق الكتب الواردة.‏
7: صناعة الفهارس.‏
(2)
ما هي أهم النتائج التي خلصت إليها بعد تحقيقك لهذا المخطوط؟
لابدّ لكلّ عمل بحثي من نتائج يخلص إليها الباحث في نهاية مشواره البحثي، وهذه أهمّ النّتائج التي خلصنا ‏إليها بعد إنهاء هذا العمل:‏
- أنّ هذا المخطوط لم يسبق تحقيقه، وبالتّالي فإنّ تقديمه للمكتبة المغربيّة خاصّة، والعربيّة عامّة، ‏سيعتبر عملا ذا أهمّية، وذلك لقلّة من يهتم بهذه الأجناس الإبداعيّة (جنس الكناشة).‏
- أن المخطوط غني بالكثير من المواد الأدبية والعلمية والفقهية، وهذا ما يجعلني أؤكد على أن هذا ‏المخطوط يمثل كنزا معرفيا يحتاج إلى بسط دقيق لمحتوياته ومواضيعه المختلفة؛
- في المخطوط عدة مفاهيم فقهية وتراثية وتاريخية، قمنا بوضع تعريفات مقتضبة لها، قصد تقريب ‏معناها، وخصوصا المفاهيم ذات البعد الفقهي.‏
- يزخر المخطوط بالكثير من التعليقات القيمة للشيخ محمد بوخبزة، سواء على النصوص النثرية ‏المقتبسة، أو الكتابات الشعرية المنقولة، وحتى بعض الأراء النقدية فيما يخص الحكم على بعض الأعمال الأدبية، أو ‏التوجهات الفكرية والسياسية.‏
- يحتوي المخطوط أيضا على بعض الإبداعات الشعرية للشيخ الجليل، والتي توزعت بين المدح ‏والتوسل والتبتل إلى الله، وكذا الاحتفال بالأعياد الوطنية.‏
- اعتمد الشيخ على الكثير من المصادر في نقل معلوماته التي غذت مضامين الكناشة وأثرتها، حيث ‏وجدنا أنه تارة ينقل من مصادر أندلسية وتارة من مصادر مغاربية وتارة أخرى عن مصادر مشرقية، منها ماهو ‏معاصر، ومنها ما هو حديث، ومنها ما هو قديم عتيق.‏
- لم يقم الشيخ الجليل بإدراج نسبة بعض المقاطع الشعرية أو النثرية لأصحابها، واكتفى بذكرها فقط، ‏ولم نقف على نسبة بعض منها إلى أصحابها.‏
- وجوب إعادة الاعتبار إلى جنس الكناشة، والتي قل الاهتمام بها وبالتأليف ضمنها، خصوصا بعد ‏فترة الاستقلال، إذ غلبت الأجناس الأدبية الأخرى (قصة، رواية، شعر...) على الساحة الأدبية والعلمية، وقل من ‏يهتم بهذا النمط الذي يعتبر من أقدم الأجناس التي اختص بها المغاربة وألفوا ضمنها أغلب كتاباتهم منذ الفترة ‏الوطاسية وإلى اليوم.‏
(3)
ما هي القيمة الثّقافيّة والأدبيّة والتوثيقيّة والتّاريخيّة لهذا المخطوط الذي قمت بتحقيقه؟‏
لابدّ لأيّ مخطوط من مزايا يتفرّد بها عن باقي المخطوطات الأخرى، والتي سيضيف من خلالها بعضا من ‏الفائدة إلى المعرفة الإنسانيّة. وهذه أهمّ المميّزات التي تفرد بها هذا المخطوط:‏
القيمة الثقافية: تبرز هذه القيمة في رصد خصوصيّات حركة التّأليف والتّدوين خلال فترة حياة الأستاذ محمد ‏بوخبزة داخل مدينة تطوان بالخصوص والمغرب بالعموم، وما تميّزت به من طفرة في التّأليف والتّدوين والتّقييد.‏
القيمة الأدبية: تكمن القيمة الأدبيّة للمخطوط في توزيع المادّة المكتوبة، حيث توزّعت بين المنظوم والمنثور، ‏فبخصوص المنظوم تنوّعت أغراضه بين: مدح الشّيوخ، والرّسول، والأصدقاء؛ الوعظ والإرشاد، التّرغيب في خدمة ‏العلم والاشتغال به. أمّا المنثور، فذكّر في شكل أحاديث معظمها لغاية توجيهيّة صرفة: نصوص فقهيّة متنوّعة ‏‏(خطب، مواعظ)، الرّسائل التّوجيهيّة، الطّرائف التّعليميّة، والتّراجم، والفتاوى الشّرعيّة، الخطب المنبريّة، الرّسائل ‏السّياسيّة، الفوائد الطّبيّة.‏
القيمة التوثيقية والتاريخية: تكمن في المعلومات الفريدة التي احتواها المخطوط، والتي أخذت من مشارب ‏متنوعة ومختلفة، عكست سعة اضطلاع الشيخ، ومدى تبحره في عدة مجالات معرفية.‏
القيمة الدينة للمخطوط: وتتجلى هذه القيمة فيما تناولته كناشة الشيخ محمد بوخبزة من فتاوى وأراء فقهية ‏لعلماء مختلفين، ومنهم: أحمد بن الصديق، ابن تيمية، أبو إسحاق الشاطبي، أحمد السلاوي، عبد القادر ابن ‏عجيبة، ابن العربي المعافري. وقد اتصفت هذه الفتاوى التي أوردها الكاتب بالكثير من التميز، لأنها مثلت اهتمام ‏الكاتب الفقهي، والتي خصص لها الجانب الأكبر من الكناشة، أي أن المؤلف كان ذا توجه ديني في تأليفه، أكثر ‏من توجهه الأدبي.‏
(4)
كيف تقيم تفاعل المؤسسات الجامعية والطلبة المغاربة مع علم تحقيق المخطوط المغربي؟
الحقيقة أنّ اهتمام الباحثين المغاربة بتحقيق المخطوط المغربي ازداد في الآونة الأخيرة، ويرجع ذلك في نظري إلى ‏فتح الكثير من المكتبات الخاصّة والعامّة أبوابها أمام الباحثين والطّلبة المغاربة من عشّاق التّراث المخطوط، وحاليا نرى ‏الكثير من البنيات البحثيّة التي تخصّص أيّاما علميّة لهذا المجال، بل وتقوم بدورات تكوينيّة للطلبة والمهتمين به، كما ‏تلمّسنا مؤخّرا اهتمام بعض المؤسّسات بنشر أعمال بحثيّة مشتركة تختصّ بكيفيّة دراسة التّراث المغربي وتحقيقه ‏ودراسته.‏
وقد شاركت في السّنة الفارطة في مؤتمر لتحقيق المخطوطات بجامعة سيدي سليمان بكلية الأدب والعلوم ‏الإنسانيّة ببني ملال، بتنظيم من «ماستر العلوم الشّرعية بالمغرب والأندلس» حيث تلمّست وجود نخبة من ‏الباحثين والخبراء والمختصّين في هذا المجال ومن جميع مدن المغرب (بني ملال، وتطوان، والعيون، والدار البيضاء ‏وسوس وغيرها) وباقي الدّول المغاربيّة والعربيّة، والذين أغنوا هذه النّدوة بالكثير من الأبحاث القيّمة التي بيّنت عن ‏مدى الاهتمام الكبير الذي أصبح المخطوط المغربي يحظى به في وقتنا المعاصر بالرّغم من جميع الإكراهات التي تحيط ‏بالمشهد العلمي والأدبي.‏
(5)
صدرت لك أستاذنا بعض الكتب العلميّة القيّمة، حبّذا لو حدّثتنا عن بعضها‏؟
يسر الله لي ولله الحمد والمنّة تأليف عدّة أعمال بحثيّة ومقالات علميّة نشرت على شكل كتب وروايات ‏ومقالات في مجلاّت وطنيّة ودوليّة، ومن أهم هذه الأعمال:‏
- «‎تاريخ القبائل الشّمالية، إعادة التّركيب» (2017):وهو كتاب يتضمّن عددا ‏من المقالات التي نشرتها في مجلاّت وطنيّة ودوليّة ونشر على شكل كتاب ‏إلكتروني في أفق تنقيحه ومن ثمّ نشره ورقيّا في المستقبل.‏
‎-‎‏ ‏‎»‎سليل إشبيليّة» (2018) : رواية تتألّف من حوالي 186 صفحة، قام المركز ‏الدّيمقراطي العربي ببرلين بنشرها. والعمل عبارة عن رحلة في الزّمن الماضي، يتولّى حفيد الهالك «المفضّل ‏الزياتي» سرد تفاصيلها الملتوية، حيث يتقمّص شخصيّة كلّ فرد منها، ويزحف عبر بناء ذاكرة متراصّة منتظمة لهذه ‏الأحداث، لتحيط بتاريخ المنطقة (العظيم، المأساوي)، ولتبرزه للعيان في قالب درامي يترك للقارئ الرّغبة في مواصلة ‏القراءة والاكتشاف‎.‎ ثم يكسّر الحاجز المقام بين ماضي القبيلة وحاضرها، فتنفتح أكثر على مستقبلها، لتؤثّث بذلك لنوع جديد ‏من التّناول، يبرز في طيّاته الحرص على التّمسك بالهويّة القريبة عبر الشّعارات القبليّة (الهويّة الغمارية، الهويّة الرّيفية)، ‏ويتجاوز ذلك إلى التّمسك بالهويّة البعيدة الخارجة عن حدود الوطن (الهوية الأندلسيّة)، وبالتّالي يخرج لنا مفهوم ‏‏ «أزمة الانتماء» طافيا على الواجهة‏‎.‎
‎-‎‏ ‏‎»‎الذاكرة التّاريخية المشتركة المغربيّة الفلسطينيّة» (2018): وهو عمل علمي مشترك قامت مندوبية ‏المقاومة وجيش التحرير بنشره، ويتضمّن عدة مقالات علميّة تتأطر ضمن فترات زمنية مختلفة، يركز فيها أصحابها ‏على العلاقات المتينة التي جمعت وتجمع بين الشّعبين الفلسطيني والمغربي.‏
‎-‎‏ ‏‎»‎الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية المصريّة» (2018): وهو عمل علمي مشترك قامت مندوبية المقاومة ‏وجيش التحرير بنشره، ويتضمن عدّة مقالات علميّة تتأطّر ضمن فترات زمنية مختلفة، وأغلب مضامين هذا الكتاب ‏تنحو منحى رصد العلاقات التاريخيّة التي جمعت مصر ببلاد المغرب منذ فترة ما قبل التّاريخ وإلى المرحلة المعاصرة، ‏وقد شارك في تأليف هذا الكتاب الكثير من الأعلام المغاربة والمصريّين.‏
(6)
 كيف تقيمون واقع الحركة العلمية والثقافية وأعلامها في بلاد المغرب والبلدان العربية الأخرى؟
تعيش الحركة العلميّة والثقافيّة في بلاد المغرب انتعاشا ملحوظا في فترتنا المعاصرة بالرّغم من الإكراهات العديدة ‏التي يعاني منها المبدع والأديب والشّاعر والرّوائي المغربي، فكما هو معلوم فإنّ الاهتمام بهذه الفئة المثقّفة -وخاصّة من ‏الجهات المسؤولة ضعيف بل ومنعدم في بعض الأحيان، حتّى ليخيل لمتتبع الشّأن الثّقافي في بعض الأحيان أنّ بين ‏هذه الفئة والجهات المسؤولة قطيعة وهوة. ‏
وواقع الحركة العلمية في بلاد المغرب لا يختلف كثيرا عن باقي بلداننا العربية الأخرى، فالمثقف يعيش حالة ‏الفقر والإقصاء والتهميش والحرمان في بعض الأحيان، فكلما كان المبدع شريفا وبعيدا عن التّطبيل والتّزمير لأوكار ‏الفساد وزمرته، كلّما كان حظّه من الشّهرة والاهتمام ضعيفا وفي بعض الأحيان منعدما، وكلّما كان فنّانا في هذا المجال، ‏كلّما كانت الأضواء موجّهة إليه.‏
(7)
ماهي الحلول التي تقترحونها للنهوض بأوضاع المثقف المغربي والعربي؟
تنعدم الحلول حينما تختفي الأهداف النّبيلة، وتقبر المشاكل والحواجز حينما تفتح بوابة الحرّية الحقّة، ولو ‏كانت هنالك نوايا طيّبة من أجل النّهوض بقطاع الثّقافة لاعتلى منصّة الشّهرة والإبداع والتّألق كلّ شريف عفيف ‏القلب متوهّج الرّوح، إلاّ أنّ واقع الأمّة يوحي بالعكس، فالاهتمام بالمثقّفين جدّ نادر، وإعطاء الفرص لهم صعب ‏للغاية، ولك أن تتأمّل في واقع يطلّ علينا مثقفوه في بعض الأحيان طلبا للمساعدة والرّأفة قصد تلقّي العلاج أو مدّ ‏يد العون‎!‎‏ وهذا ما لا نستسيغه بالمطلق في بلداننا العربيّة التي ينبني دينها على العدل والتّكافل والتآزر والمحبّة.‏
‏ إنّنا لا نحتاج إلى إطعام المثقّف ولا إلى إعطاءه «شيكا على بياض» ليستريح ويتمتّع، بل نحتاج إلى بناء أمّة تقوم على المبادئ والقيم والأخلاق، أمة يكون فيها العدل هو الأساس، والكرامة هي السّبيل، والإنسانيّة هي ‏الهدف الأسمى، فيستحيل أن نتحدّث عن الارتقاء بأوضاع المثقّف دون الارتقاء بأوضاع الشّعب وهمومه، فالمثقّف ‏مرآة للواقع، فمتى أنار الواقع واختفت منه الظّلمة والأسن، اختفى البؤس والحزن من سطور وقصائد الشاعر ‏وأعماله الإبداعيّة، ومتى ترسخت الظّلمة وازدادت جذوتها بقيت المعاناة والحزن، ولن تنتهي أسطورة الصّراع.‏ الحل بسيط جدا، ويكاد هذا الحلّ يتلخص في لآلئ ثلاث وهي: «الحرّية، الكرامة، العدالة ‏الاجتماعيّة». ‏
(8)ماذا تعني هذه الكلمات بالنسبة لكم؟‏
‏- النّهضة: المهدي المنتظر الذي تنتظره الأمّة عند كلّ أزمة تحيط بها.‏
‏- الأمّة: حلّ لأزمة تسمّى القوميّة.‏
‏- فلسطين: مفتاح النّهضة.‏
‏- التاريخ: حصان طروادة الذي سنفتح به قلعة التّحجّر التي أصبحت في زمننا حصينة.‏
‏- الثّورة: مستقبل الضّعيف، والحلم المزعج للمستبد، لهذا سيعمل الثّاني كلّ ما في وسعه حتّى يجهض حلم ‏الأوّل وطموحه، لأنّ لا حقوق تنتزع بدون ثورة على الظّلم والظّالمين.‏
(9)
كلمة أخيرة من الدكتور المغربي الشّاب «موسى المودن» لمجلة الإصلاح‏
أشكر جهود المجلّة في بثّ الوعي والإرشاد والثّقافة. وعلى المجهودات الكبيرة والقيمة للقائمين عليها في سبيل صيانة الموروث الثّقافي الإسلامي والعربي والعمل على نشر العلم وتنوير مسار الأمّة والدّفاع عن قضاياها المصيريّة والعادلة، ‏ ونشر المبادئ السّامية للإسلام الحنيف وأهمّها الحرّية والكرامة والعدالة.‏