تمتمات
بقلم |
رفيق الشاهد |
تناغم - اتزان |
لماذا للإنسان رجلان؟ على الأولى يرتكز وبالثّانية يتفادى الوقوع عند التأرجح، فيناوب الارتكاز عليها ثمّ على الأخرى، فإذا به يتقدّم ويمشي فيجري. إنّه شكل من أشكال الاتزان يعتمد على التّأرجح.
لماذا للإنسان يدان؟ للتّوصّل إلى شكل معين من التّناغم مع الحياة على رأي «كافكا»(1). قد يحتاج إلى إحدى يديه ليبعد عن نفسه في حدود الممكن الشّقاء الذي يسبّبه له قـــدره –وقد لا يحقّق شيئا من ذلك- لكنّه باليد الأخرى سيدوّن في دفتره مـــا قد أملاه عليه القدر من مصائـــب. هكذا قد يكون ميّتا على قيد الحياة على لسان «بكارلو بيجليـــا»(2). وقد يكون الناجي الحقيقي إذا ما أحرق كل ما كتبه على رأي «تشيزاري بافيزي»(3).
بين هذا وذاك، أنا ما وقفت عند روتين مهنتي في الحياة، لقد فعلت كلّ شيء في مسيرتي مستعملا كلتا يديّ لأنّني وجدتني بأدوات وأشياء أخرى استخدمتها فعشت حياتي بملء رئتي، ولكن بتؤدة ودون ضجيج، أدافع عن الاستمتاع بالأشياء كما هي.
هل تستحق الحياة كلّ هذا العناء؟ أنا هكذا، لأنّني لم أكن يوما ثوريّا ولا أدّعيه، ولا أصلح أن أكون كذلك رغم اعتقادي دائما أنّ الإنسان في عيشه اليومي لا يصنع إلاّ ثورات.
نحن قوم، نؤمن بالله، ولكــــنّ أغلبنـــا لا يدعوه إلاّ بمـــدى الإحساسبالضّعف وعدم القـــدرة. وهو شـــعور متوارث، يجعلنا نهاب المجهــول، فنستجير الله ليحمينــا منه وندعوه خيفة وطمعــا. هكذا، كلّ ما هو خارج نطاق المعرفــة والإدراك يركـــن في مجال الماورائيـــات. فهل تَوسُّعُ نطاق المعلوم ضيّـــقَ حدودَ المجهـــول؟
لا أظن، لأننا مازلنا لمّا يسافر أحدنا ندعو له بحفظ الله ونقف عند ذلك لا حول ولا قـــوة. هل سُمِعَ أحدٌ يدعو بحفظ الله للقادم من ذويـــه؟ طبعـــا لا، لأنه يعتقد أنّ هذا القادمَ أصبح في حمايته، فيقال له «حمدا على السّلامة».
هكـــذا أجبـت ابن أخـــي ذا الثّمانــي والثّلاثين سنة لمّا اشتكى لي من أبويه، فرط انشغالهما عليه ممّا حدّ من حرّيته داخل المنزل وخارجه، وتساءل كيف لا يكون الحــــال مثله لمّا يكون بالخارج على بعد آلاف الأميــال.
أنا اليوم حيران بين الميتين على قيد الحياة وبين ناجين حقيقيين أتلفوا كلّ أوراقهم. وأنا منشغل كلّ يوم بمصير بلدي الذي تعصف به التّيارات من كلّ الاتجاهات، فلا يعود عليّ رجع الصّدى إلاّ بالدّعاء أن يحفظ الله الوطن. أين الوطن؟ هل هجَرَنا وتركنا لا حول ولا قوّة؟ هل أصبحنا بعيدين عنه نحن التّوانسة أو التّونسيون وعلى درجة من الوهن تجعلنا عاجزين عن حمايته فلا يعول علينا إلاّ بالدعاء؟
الهوامش
(1) فرانس كافكا (3 جوان 1883 - 3 جويلية 1924) (بالألمانية: Franz Kafka) كاتب تشيكي يهودي كتب بالألمانية، رائد الكتابة الكابوسية. يُعدّ أحد أفضل أدباء الألمان في فن الرواية والقصة القصيرة تُصنّف أعماله بكونها واقعيّة عجائبية
(2) بكارلو بيجليا : روائي وقاصّ وناقد وأكاديمي أرجنتيني (1941 – 2017)
(3) تشيزاري بافيزي : شاعر وروائي وناقد فنّى ومترجم إيطالي (1908 – 1950)
|