للنقاش

بقلم
محمد القسنطيني
المرأة في الإسلام
 ‏(1) المكانة المتميّزة للمرأة في الإسلام، تجعل الاختلاف بين المرأة والرجل 
اختلافا وظيفيّا لا علاقة له ‏بالمساواة ‏
المرأة في الإسلام إنسان واع، مسؤولة عن نفسها وعن اختياراتها وتعهّداتها، متساوية مع الرّجل في الحقوق وتختلف معه في ‏الوظيفة المجتمعيّة وتكليف الرّجل والمرأة تكليف واحد فلا فرق بينهما. فالأصل في شرائع الإِسلام أن تعمّ الرّجال ‏والنّساء إلاّ ما نُصّ على تخصيصه بأحد الصّنفين، والأصل فيها التّسوية، فأَغنى عن التّنبيه عليه في معظم نصوص القرآن والسّنة. ‏والمرأة شريكة الرّجل ومسؤولة معه عن وضعيّة المجتمع حاضره ومستقبله. ‏
وللمرأة حرّية الحركة خارج البيت وعليها أن تُؤمِّن على نفسها بنفسها، ولها الحقّ في العمل والأغلب للضّرورة، وحقّ ممارسة نفس ‏عمل الرّجل وفي نفس المكان وبدون حاجز ولكن بدون تماس بينهما. ولها كذلك حقّ التّواصل والخروج والتّخاطب مع الرّجل ‏والتّعامل معه ولو كان غريبا في الأماكن المكشوفة والأماكن العامّة، والمطلوب هو الحياء والاستحياء. وقد جُعل الحجاب لكي ‏تتواصل المرأة مع الرّجل الغريب داخل البيت وخارجه. وللمرأة حقّ ترؤس قومها إذا توفّرت فيها شروط الولاية، ولها نفس قدرات ‏الرّجل في الوفاء بالعهد وفي أداء الأمانة، وهي المسؤولة الوحيدة عن سلوكها وتصرّفاتها وعمّا يؤول إليه وضعها في الدّنيا والآخرة وأن لا ‏علاقة لموقع التّحتية الذي هو موقع وظيفي بحت بشخصيّتها ولا بقدرتها على التّحكم في سلوكها وتحمّل تبعات اختياراتها، ‏وجديرة بأن تكون مثلا للمجتمع رجالا ونساء، في الفساد أو في الصّلاح فهي مرآة المجتمع. كما أنّ مكانة الإنسان ورفعته ‏وأفضليته، سواء كان ذكرا أو أنثى، معيارها عند الله عزّ وجل هو التّقوى وهي قدرته على تجنّب المنكرات وإن صغُرت والإكثار ‏من المعروف والحرص عليه قدر الاستطاعة. كما تتميّز المرأة عن الرّجل بإيمانها الأمتن والأقلّ اهتزازا، رغم ‏أنّها كثيرة التّشنّج وسريعة ردّة الفعل والأعطف من الرّجل والأشدّ حساسيّة منه، وهي قادرة على التّحكم وتطويع الرّجل ذلك القوّام ولو كان ‏حازما قويّ العزيمة والمتمكّن والمتحكّم في نفسه بثقة.‏
كما أنّ على المرأة عبء علمي ومعرفي متعدّد الاختصاصات والمجالات، تقني وتكنولوجي وتربوي ونفسي وصحّي أكثر عمقا من ‏الرّجل وخاصّ بها، لابدّ لها من أن تتزوّد به وتتمكّن منه حتّى تقدر على القيام بدورها كما أراده سبحانه وتعالى، في انتاج النوع الإنساني ‏الأرقى والمساهمة في أمن وطمأنينة المجتمع وسعة رزقه. وقد أمر سبحانه القائمين على شأن النّاس تعليمها على الأقلّ حتى سنّ ‏النّكاح وحتى التّحقّق من امتلاكها الحدّ الأدنى من إجادة المعاملات الماليّة؛ فلا يمكن لها نيل وتحقيق هذا كلّه وهي جاهلة، ‏متقوقعة في البيت ومنعزلة عن المجتمع. لذلك فتواصلها مع محيطها لا هو منّة من أحد، ولا باختيارها بل هو بأمر من الله العلي ‏القدير.‏
مالها ملكها الخاص بما في ذلك الصّداق، فلا يحقّ لأحد أن يأخذ منه شيئا إلا برضاها أو على أساس التبادل التجاري أما ما عداه فهو ‏اكل مال بالباطل، ومثله قتل النفس، وكله يعاقب عليه سبحانه ومن ثَمَّ القانون.‏
والمرأة تتساوى مع الرّجل في الحقّ في الميراث إلا أنّ قيمة أو عدد أسهم كلّ واحد منهما تتحدّد بحسب موقعه من المُورّث وما ‏اكتسبه وحاجته في الزّمن من خلال تطوّر موقعه الوظيفي المجتمعي لأنّ الميراث هو ثمرة المنظومة المجتمعيّة يُوظّف ويُصرف ‏لمزيد تمتين وتثبيت تلك المنظومة المجتمعيّة. فلا فائدة من التأويل الخاطئ بل إنّ أسس توزيع الميراث فيها تثمين لما تتميّز به ‏المرأة عن الرّجل والحالات التي فيها نصيب المرأة مثل أو أكثر من نصيب الرّجل شاهد على ذلك.
هذه حقوق بديهية مَنّ الله عليها بها ولم تكن يوما منّة من أحد، وهي إنسان كامل يجب احترامها والالتزام بشروط الارتباط بها، لا ‏بالفاحشة ولا بالإرث أو بالتّملك ولا بالقوّة أو بالقهر، بل حسب ضوابط بيّنة وجليّة مع ضرورة توفير الظّرف الآمن حتّى لا تقع ‏حاملة الرّحم وحاضنة المجتمع ومرآته في مسالك الفاحشة. فإنّ وقعت فيها، فيجب تقدير الظّرف وتقاسم المسؤوليّة.‏
لذلك كلّه فالمرأة في الإسلام مرآة المجتمع ومرجعيّة تركيبته ونقاوة نسيجه معزّزة مكرّمة حقوقها مصانة، تتساوى مع الرّجل في ‏الحقوق وتختلف معه في الوظيفة المجتمعيّة، كلّ حسب قدراته التي تميّزه عن الآخر، ليتكفّلا ويتقاسما معا كل المهام الحياتية ‏والأساسيّة لبناء مجتمع سليم آمن ومتعارف.
هذه الاستنتاجات وهذه المكانة المتميّزة للمرأة في الإسلام، تنقل الموضوع من حقوق المرأة وحرية حركتها ومسألة مساواتها مع ‏الرّجل إلى ضرورة التعمّق في دورها الوظيفي في المجتمع بما يتناسب وخصوصيّات عصرنا، وتكامله مع وظيفة الرّجل من أجل ‏بناء نسيج مجتمعي سليم، نام، معافى من الأمراض، متعارف يشدّ بعضه بعضا كالبنيان المرصوص، والرّقي به إلى أعلى الدّرجات ‏ بين الأمم.‏
وللتذكير، فإنّ للمجتمع المسلم منظومتين، منظومة حياة ومنظومة إدارة، موجّهتين نحو نمائه والرّقي به إلى أعلى الدّرجات  بين الأمم ترتكزان على نموذج تنظيمي محدّد المعالم واستراتيجيّة بيّنة لبناء النسيج المجتمعي المطلوب.
(2) الميراث ثمرة حركيّة وجهد المنظومة المجتمعيّة 
يُوظّف لمزيد تمتينها وترسيخها. ‏
لقد بيّن الله تعالى من خلال الآيات الخمس والثّلاثين الأولى من سورة النّساء، فيما بيّن سبحانه، أنّ المجتمع هو نسيج من ‏العلاقات مركزها الرّحم أصل البثّ البشري من أوّل ما خلق الله النّفس الأولى وخلق منها زوجها؛ وقد جعل الله لهذه العلاقات ‏ولهذا النّسيج أسسا يجب احترامها والإتيان بها لجلب أقصى المنافع واجتناب أدنى الشّرور؛ منها أسس دنيا (حدود ‏بالمصطلح القرآني)، وجب على القائمين على شأن النّاس إلزام  كلّ أفراد المجتمع باحترامها بقطع النّظر عن معتقداتهم او انتماءاتهم، ‏لأنّ المجتمع ونسيجه شأن عام وليس متروكا للفرد وشهواته ونزاوته وأهوائه. وكلّ ما بيّنه سبحانه في هذه الآيات الأولى من ‏السّورة غايته تصحيح ما طرأ على هذه الأسس من الانحرافات مقارنة بما أراده.‏
‏ هذه الأسس الدّنيا بيّنها بديع السّموات والأرض في اختصار بديع لدورة حياة صلة الرّحم بعد أن أكّد سبحانه على أهمّية صلة ‏الرّحم وعلى التّسوية بين كلّ النّاس ذكورا وإناثا. وهي كلّها مداخل لضبط التّرابط بالرّحم وتأمينه وتأمين ما ينتجه من منتوج ومن ‏صلات وعلاقات، ومن ثمّ تأمين المجتمع، من السّلبيات أو حتّى الأزمات التي قد ينتجها هذا الترابط.‏
وقد تبيّن بعد التعمّق في هذه الآيات البيّنات أنّ أسس تكوين البيت وحاله والطّريقة التي يتمّ بها جلب المال وإنفاقه وإثبات ‏وتوثيق ملكيته، وشروط الزّواج والعدد الأقصى للأزواج وعدد الأولاد وتربيتهم والعلاقة بين الرّجل والمرأة وعلاقة الفرد بقربى ‏الأرحام وقربى المكان هو شأن عام يجب الإشراف عليه وتقنينه وتأطيره من طرف القائمين على شأن النّاس، وفرضها على الجميع.‏ لهذا أوجب عليهم التثبّت من سلامة أسس تكوين الصّلة الأولى لاستمرارية البث البشري بانتظام ألا وهي الزواج بالتثبّت من قدرة الزّوج الانفاق على البيت، المؤسسّة المسؤولة على البثّ البشري التي ينوى بعثها من مال اكتسبه من الحلال، ‏فهو المسؤول عن هذه المهمّة من المهام الثلاث للبيت، وأنّه قد اختار زوجته من الطيّبات لمشاركته في بناء ونماء مشروعه، ‏وليس للتّمتع بمحاسنها أو بمالها أو للتسلّط عليها أو لتكون له عون تنفيذ، والذي يُترجم بعقد وصداق. كما يجب التحكّم في عناصر ‏هذا الزّواج، هذا العقد، وذلك بالتّحكم في عدد الأزواج وعدد الأولاد ومرجعيّة هذا التّحكم هو القدرة على الإنصاف والعدل ‏وضمان تنمية كلّ بيت في يُسر، والتحكّم في الإنفاق بلا تقتير ولا إسراف اعتبارا  لمبدأ أحقّية القائمين على شأن النّاس بتحجير ‏المال على من أصابه السّفه، وضرورة ضمان تعليم الأولاد، ذكورا وإناثا، وتدريبهم على المعاملات المالية السّليمة حتى سنّ النكاح ‏مع التحقّق الفعلي بلوغ ذلك الهدف، فالمال ملك خاص أمّا مآله فهو شأن عام،.مع العلم والتّقدير أنّ التحكّم في الانفاق ليس مسؤولية الزّوج وحده، بل هي مسؤولية كلّ من له ‏صلة مباشرة بالزّوج، رجالا ونساء. بهذا يُغلق سبحانه دورة حياة صلة الرّحم ويذكّرنا بأصل مال اليتيم منطلق الآيات المبيّنات ‏لدورة حياة صلة الرّحم.‏
شأن إدارة المؤسّسة النّاشئة عن عقد الشّراكة بين الرجل والمسؤولة على البثّ البشري(البيت)، ومصيرها شأن جماعي تشترك ‏فيه الزوجة وقربى الأرحام وقربى المكان، فوجب دمجه في محيطه لما لهذا الاندماج من مردوديّة على البيت ومن فيه. فقربى ‏الأرحام، أولئك الذين كتب الله لهم أن يرثوه، هم شركاء الفرد في حاله بالقوّة أو بالإرادة، والاهتمام بشأنهم عن دراية وتبصّر يزيد ‏من مردوديّة أدائه سواء فيما يملك أو فيما قد يرثه ممّن كتب الله له أن يرثهم. أمّا الاندماج في قربى المكان، الدّائرة الأولى ‏المحيطة بالبيت، والمساهمة العينية وغير العينية طواعيّة في شؤونهم هو ضمانة الأمن لمن يتركهم من خلفه، وهو بعيد عنهم، ‏لعمل أو لسفر أو لموت، فيؤمّنهم من التسلّط والاعتداء والسّطو على ممتلكاتهم، سلوك إن تفشى في الجماعة فلن يجلب لها إلاّ ‏التّشرذم والتمزّق وتآكل النّسيج المجتمعـــي. وكذلك حتّى يضمن لورثته نصيبهم كاملا ممّا قد يتركه، كما قدّره سبحانه في آيات ‏الميراث، ويُؤمّن لنفسه نصيبه ممّن كتب الله له أن يرثهم، بعد اقتطاع جزء من قيمة الميراث، دون أن يتجاوز لمجموع العطايا ثلث ‏التّركة، لصالح المجموعة إذا كان فيها محتاجون، يتامى ومساكين.‏
وتحديد وتوضيح الميراث قبل توضيح دور المرأة والرّجل داخل البيت كما جاء في باقي الآيات الخمس والثّلاثين الأولى من سورة ‏النّساء، سورة المجتمع بامتياز، حتّى نفهم أنّ البيت مؤسّسة انتاج يُساهم أفرادها في نماء بعضهم لبعض، لأنّ الفرد هو ‏مؤسّسة بذاته فلا يمكن تنشئته وتكوينه إلاّ في مؤسّسة أكبر وأوسع. هذا البيت بمكوناته مترابط ومتداخل، يؤثّر ويتأثّر أساسا مع ‏روابط القرابة المباشرة، أي الآباء والأبناء، والزّوج، أو الزّوجة، والأخوة، وبالتّالي فالميراث هو ثمرة هذا النّشاط للنّسيج المجتمعي ‏ولحركيته؛ وانّ اقتطاع التزامات الميّت قبل القسمة هو تبيان من الله تعالى أنّ الميراث ليس بقصعة يتهاوى عليها النّاس بمجرد ‏إعلان موت المورث، بل يجب اعتباره ثمرة نشاط المؤسّسة الحاضنة للنسيج المجتمعي، لابدّ من تطهيرها والبحث عن دائنيها ‏والإيفاء بالتزاماتها وتعّهداتها المالية المتخلّدة بذمتها ثمّ يقع تقييم قيمتها لكي يتقاسمها المساهمون في هذا الفائض المالي، وهم معلومون ومحدّدون، كلّ حسب مساهمته وما سعى إلى كسبه وحاجته للمال، دائما حسب وظيفته الطّبيعية الحالية ‏والمنتظرة، داخل مؤسّسة البيت. 
وما على هؤلاء إلاّ العمل على نماء وتنمية وتطوير وصيانة هذه المؤسّسة والمساهمة الفعّالة ‏في التصرف الأمثل في مواردها حتى ينعم الكلّ بحياة طيّبة ويجني كلّ من كتب الله له البقاء بعد موت مؤسّسها بأوفر الخير ويكون ‏قيمة نصيبه الأعلى. هذا هو الدّور المميّز للبيت ولعلاقات القرابة، أن يكون الأنموذج المصغّر للمجتمع ومنطلق صيرورته: إن ‏صَلُح البيت كمؤسّسة انتاج للنّوع البشري بمردوديّة وفعّالية وانتاجيّة الأعلى لمجموع عوامل الانتاج فقد تمّت تهيئة الأرضيّة لنماء ‏سليم للمجتمع وإن كان غير ذلك فلا مستقبل آمن للمجتمع.‏
ليتبيّن بعد هذا التعمّق في آيات الميراث، أنّ توزيع الميراث أساسه ما سعى الفرد إلى كسبه وهو يدير صلات الرّحم، وحاجته للمال ‏في الزّمن بحسب وظيفته في المجتمع انطلاقا من حالته المدنيّة كأعزب، أو والد، أو جدّ. وأنّ ما يتركه الفرد من مال أو ما يعادله ‏كان ثمرة جهده وجهد القريبين منه وكذلك جهد القوانين المنظمّة للمعاملات الماليّة التي تحمي المال من إسرافه أو إفساده أو ‏السّطو عليه وأكله. فكلّ عناصر المنظومة ساهمت في توفير تلك القيمة المتبقّية من المال أو ما يعادله.‏
فالميراث هو إذا ثمرة المنظومة المجتمعية المنظمّة للحياة العامّة، يُوظّف لمزيد تقوية هذه المنظومة وتثبيتها.‏