تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
الميــزان
 أيّ الموازين أختار لثقل همّي وأيّ وزن من الأوزان يناسب لحني ؟
لا أعرف لماذا رسخت في ذهني منذ طفولتي صورة الميزان أو الميوْزان أصلا ‏عند اللّغويين، ولكنّني أدرك جيّدا كيف ارتبط مفهوم الميزان لديّ بشخصيّة بطل ‏حركة التّحرير للقطر اللّيبي الشقيق الشّيخ عمر المختار التي تقمصها الممثل «أنطنيو ‏كوين» في الفيلم الذي حمل عنوانه الإسم الرّمز.‏
فإضافة إلى الشّجاعة والبطولة اللّتين توّجتا بالشّهادة، فقد وظّف الفيلم أحسن ‏توظيف شخصيّة المعلّم للشّيخ الفاضل «عمر المختار» مع تلاميذه الأطفال وهو ‏يشرح لهم الآيتين من سورة الرّحمان «والسماء رفعها ووضع الميزان ، ألّا تطغوا ‏في الميزان».‏
قد تختلف الموازين في الشّكل فتجد منها الكلاسيكي ذي كفّة واحدة وذي ‏اثنتين والمتطوّر المخضرم والحديث الرّقمي، ولكنّ المهمّ والأهمّ هو المثقال ‏الذي سيكوّن وحدة الميزان. وهيهات أن عادل أحد في ليبيا مثقال عمر المختار ‏في موازين المقاومة والتّضحية، وكم هو عال منسوب الكرامة لديه.
عالية كذلك ‏كفّة المشير «حفتر» المدعوم من أطراف دوليّة لها حساباتها، ومثلها أو أعلى ‏منها كفّة «السراج» رئيس الحكومة المعترف به دوليّا. ومتى كان المنتظم الدّولي ‏يريد الخير لليبيا حتّى ننتظر من هؤلاء وأمثالهم خيرا؟
اعترف أنّ التّاريخ وحده يغربل الأحداث. والعاقل وحده يحدّد أيّ غربال وبأيّ عين ‏يفصل الحقّ عن الباطل. هل يعتدل ويستقيم ميزان في كفّة الموزون واجب ‏وفي كفّة المثقال تضحية؟ وهل يستقيم ويعتدل ميزان في كفّة الموزون كذب ‏وفي كفّة المثقال صدق؟ اصعدوا الكفّة -لمن أراد منكم الوزن- لعلّكم توازون ‏مثقال إيمان «عمر المختار» بمدى حاجة بلدكم إليكم وما يمكنكم أن تقدّموا له ‏من تضحية استثمارا للأجيال القادمة.  ‏
اختلف النّاس في وحدانية الميزان أو تعدّد الموازين عند الله. واهتدى عدد من ‏الفقهاء إلى أنّ الله تحدّث في كتابه العزيز عن «الميزان» واحد دون سواه يزن ‏كلّ شيء بوزنته أي بمثقاله. وأنّ الله وحده، بعدله يقدر المثقال ويعدل الميزان. ‏
قد لا تختلف الموازين ولكن يختلف الموزون حسب المادّة، إن كانت له مادّة ‏أصلا. والوزن يختلف باختلاف الموزون. والوزن شكل من أشكال القيس وينطبق ‏على كلّ الأشكال وعلى ما لا شكل له. فيقال مثلا ميزان حرارة وميزان ‏التّرددات وميزان الحشمة والذّكاء والميزان التّجاري باعتبار الصّادرات والواردات ‏وفي الأخير ميزان الأعمال الصّالحة.‏
‏ كلمة «ميزان» في يومنا هذا تقودك مباشرة إلى المعاني الخصوصيّة لبرج الميزان ‏بتاريخ السّؤال ولكن المعنى الآخر للوزن والزّنة موصول بقدر وزن الشّيء أي ‏مثقاله. ويرتبط معنى الكلمة بسياقها. فيقال مثلا وزين الرّأي أي معتدله، وفلان ‏راجح الوزن للدّلالة على شدّة العقل لديه. 
والوزن يوظّف لتقدير قيمة الأشياء أي ‏ميزتها. فيكون التّقييم متاحا عكسيا بدون عناء للخسّة والنّذالة وما شابههما ‏من دناءة.‏
اليوم ننعى رئيس الجمهوريّة التونسيّة الباجي قائد السّبسي وقد نصبت ‏الموازين على مواقع التّواصل الاجتماعي، والكلّ انتصب منكرا أو نكيرا لسؤال ‏الفقيد قبل السّؤال. ووجدتني في حيرة، كيف أودع رئيسي؟ وتذكّرت قول مريم ‏البتول في كتاب الله العزيز « إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا».‏