تمتمات
بقلم |
رفيق الشاهد |
حنين |
اهتزّ القلب وهفهف. إنّه رجع صدى انتظرته على بابي من زمن بعيد. طُرِق الباب أخيرا، وجاء من رافقني خياله في وحدتي، فلم أشْكُ من صمت ولا من ملل. خاطبته ظلا ّعلى جدار في غرفتي، انبثق من زاوية النّافذة كلّما أطفأت الأنوار وتمدّدت في فراشي. فأسهد معه، ولا أعرف كيف نمت لمّا أستفيق، ولا أجد بالبيت إلاّ قطتي تغتسل وتتمطّى، تنتظر مشاركتي فطور الصّباح.
لما فتحت الباب، لم انتظر ولم احتسب عسى أكون احتضنت غريبا. لهفتي دفعتني نحو هذا الطّارق مغمضة عيناي، أتحسّس رائحة وجدتها كما لم تهجرتني ولم أهجرها. وبقيت إلى عنقه وبين يديه تربتان على ظهري. لم أنطق بكلمة! وكم كبحت منذ أمد بعيد جموح رغبتي في الكلام، فلماذا افتقدها اليوم؟ نعم ضاعت منّي الكلمة ولم أبال. لقد نسيت وهرب منّي كلّ شيء. ولماذا الكلام أصلا، إن لم يدغدغ حسّا ولم يملأ وعاءً؟ ولماذا الكلمة إن لم تكن شعلة المصباح في البيت المظلم؟ لم أنطق. لا يهم، طالما هو كذلك لم تصدر منه كلمة. ولكنّني في حضنه الدّافئ، وجدت كلّ الحكايا والمعاني التي لم تحملها من قبل كلمات. وتذوّقت طَعْما لكلّ شيء لم يكن له طعم. اكتظّ الفضاء، وفاض منه ما لم يحتمل. استشعرتُ منه ألحانا، اعتدتها تهدهدني وشوشة للنّوم في مهدي. جاءتني هذه المرّة ممزوجة بخليط من خلجات شوق وحزن عميقين تنساب في مرارة تذوقتها في حينها نشازا، شوش عذوبة الحنان وصفاء الحب القديمين.
الحقيقة كاملة تبرر الاستبداد
لا تكتمل الحقيقة إلاّ بنصفها الغائب عند خصمك وعدوك. قد يستطيع الفطن توقع النّصف المفقود من الحقيقة الذي لا أحد يريد كشفه، لأنّه يشكلّ روح الحقيقة بل سوأتها التي لا تبقى عارية واستوجب حجبها وراء الكذب والتّزوير والتّزييف.
الحقيقة في كمالها تجعلك أمام خيار واحد، «أن تحبّ لأخيك ما تحبّه لنفسك». ولكن، من أخوك هذا ليتغيّر سلوكك في التّعامل معه أو مع غيره؟ لعلّ للحقيقة وجها آخر مخفيّا خلف أحجية لا يحلّ طلاسمها إلاّ حكيم أدرك الحقيقة في كمالها الكامل، فلم يستغرب أمرا غريبا ولم يستعظم منكرا عظيما.
أيّها الحكيم، هل تفترض الحكمة أن نخضع لقانون الغلبة للأقوى الذي لا مفرّ منه لفرض العدل والمساواة والقيم السّمحة التي يرنو إليها كلّ مستضعف؟ أيها الحكيم، متى وكيف يمكن فرض الطّمأنينة وأن يُحَبّ للنّاس ما يُحَبّ للنّفس دون تسلّط؟
أيّها الحكيم، لم تجرّأت واستقويت على قويّ حتى استضعفته؟، ألم يكن الإكراه أسلوب المستبدّ، نظامك العادل؟
مصيدة
حدّثت السي.آن.آن عن السّيناتور «سام ابن العم سام» الأخير أن ترامب قال:«فقد التوانسة الثقة في السّياسيين القدم والجدد. ولم يعد أمامهم خيار إلاّ القادمين من وراء البحار بأموال طائلة لا يعرف أحد مصدرها. أنا جئتكم اليوم أستحلفكم بالله أن تنتخبوني أنا، لأنني أحسنهم وأكثرهم مالا وعددا. ولا أعد الشّعب إلاّ بما وعدت الأمريكييّن من شغل وكرامة. ستنسون شيئا اسمه تونسي. فما رأيكم؟»
بسرعة وكما كان متوقّعا، نطق نتانياهو من بين ألف فقال: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ ألم تر كيف فعل ربك بليبيا وسوريا واليمن والعراق وتونس والجزائر؟..
أعدكم، أيها التّونسيون أن أحميكم مثلما أحمِي اليهود بالقدس. ثقوا فيّ وفي صدقي، وانتخبوني أجعل من بين أيديكم سدّا من خلفكم سدّا وأنسيكم من أبادوا قومهم جهلا وعدوانا. وأنسيكم القبلة التي تولّون.
لم أفهم أيّهما أختار، فكلاهما يغري ويدفع. فقد أُصبِح أمريكيّا من أصل تونسي أو ربما تونسيّا أقيم في فلسطين. لا، عفوا!! لم يقل نتانياهو هكذا. بل قال: «إسرائيليا في تونس».
|