وجهة نظر

بقلم
سعيد السلماني
أولويات الشعب المغربي في الوقت الراهن
 سؤال الأولوليّة سؤال مشروع حقّا في ظلّ التّحديات الرّاهنة. فما هي أولوياتنا نحن ‏المغاربة؟ لو تأمّلنا النّقاشات الدّائرة عندنا في المغرب اليوم ومنذ مدّة طويلة، نلحظ صراعا ‏وهميّا طويل الأمد لم نجن من ورائه سوى التّقهقر الى الوراء ومزيدا من التّهميش والهشاشة ‏الاجتماعيّة، وأقصد هنا الصّراع الأيديولوجي والحسابات السّياسية الضّيقة بين أطياف الشّعب ‏المغربي (‏1‏).‏
فمن هو الخصم الحقيقي إذن للشّعب المغربي؟ كلّ المغاربة يعيشون أوضاعا قاسية ‏ويعرفون حقاَ كيف تسلب حقوقهم وحرياتهم، ويعرفون أنّ المشكل يكمن في الفساد ‏الاقتصادي والسّياسي، وينسحب ذلك على كافة قطاعات الدّولة. يعني الفساد لغويا التّلف ‏والعطل والخلل، وفسد الشّيء فهو فاسد، وعرّفه البنك الدولي على أنّه إساءة استخدام المنصب ‏العام من أجل تحقيق الكسب الخاص(2)، وتتعدّد أشكاله بتعدّد مجالاته ومستخدميه.‏
من هنا نقول بأنّ هناك علاقة وطيدة بين الفساد الاقتصادي والفساد السّياسي، فأينما ‏وجد أحدهما وجد الآخر حتماً. وعن هذا الأمر حدّث ولا حرج فالرّشوة والمحسوبيّة وهدر ‏المال العام وشراء الأصوات من أجل النّفوذ السّياسي والتّهرّب الضّريبي والوساطة والنّصب ‏والاحتيال وغسيل الأموال...الخ، كلّ هذه الأشكال متداخلة وهي عبارة عن شبكة فساد في ‏المجتمع.‏
بناء عليه فالمجتمع المغربي في صلب النّقاش. فمن خلال المؤشّرات العالميّة حول ‏الفساد، فإنّ المغرب تعدّ من الدّول المنهكة فساداَ، ممّا أدى إلى خلق فجوات خطيرة في المجتمع ازداد ‏من خلالها الغنيّ غنى والفقير فقرا. ولا شكّ أنّ المستفيدين معروفون والشّعب ‏المغربي بكلّ أطيافه يعرفهم واحدا واحدا، سواء كانوا من اليمين أو من اليسار، لأنّ الفساد ملّة واحدة.‏
فما هي إذن أولويات الشّعب المغربي النّضاليّة؟ وما هي الوجهة الحقيقيّة التي ينبغي أن ‏نولّي وجهنا نحوها؟ هل نتصارع ونتطاحن من أجل فلان لأنّ خطّه الفكري حداثي علماني ليبرالي ‏أو فلتان لأنّه يساري قومي أو علاّن لأنّه إسلامي..الخ؟
نحن المغاربة شعب واحد نتصارع من أجل ماذا؟ مع الأيدولوجيّة مثلا ؟ ربّما ذلك ما ‏يتوهّم أو يوهموننا أنّه كذلك. فلو دقّقنا النّظر في جميع الأحزاب السّياسية لوجدناها أعماما ‏وأخوالا، ولا أستثني أحداَ. فاليمين واليسار يتعايشان في المغرب منذ زمن بعيد وليس هناك ‏مشكلة، ففي الأسرة الواحدة تجد اليميني واليساري وبالفطرة أحياناَ، وتجد الأمازيغي والعربي ‏وبينهما حبّ حقيقي (ظاهرة الزّواج مثلا). وتنظر هنا وهناك في الأسر المغربيّة، فتجد المتديّن ‏وغير المتديّن والحداثي وغير الحداثي..، هي إذن اختيارات فرديّة، المغاربة لا يهتمون بها ‏كثيرا ولا يدخلون في تفاصيلها لأنّهم مدركون أنّها لا تشكّل أولوياتهم ولا ينزعجون من هذه ‏الثنائيات، بل تجد الفرد الواحد يعيش هذه الثنائيات (الازدواجية) دون خجل، وفي أنفسكم ‏فتأمّلوا...‏
الكثير من الصّراعات في المغرب يطبعها طابع المصلحة سواء فرديّة أو جماعيّة. تتصارع ‏الأحزاب في الظاهر، وفي الخفاء تتّفق على ما تبقّى من غنيمة الشّعب المقهور، ‏وتتصارع النقابات أيضا في الظاهر وفي الخفاء تتحالف مع قوى الهيمنة للقضاء على ما تبقى من ‏كرامة العاملين، والمثقفون فوق الكلّ يشرّعون ويؤجّجون الصّراع ويقولون ما لا يفعلون، ‏فمنهم من يقتات بانحيازه الى اليمين ويظهر في قوله وكتابته على أنّه حيزت له الحقيقة، ‏ومنهم من يقتات على اليسار وهذا الأخير منه بريء براءة الذّئب من دم يوسف. والمسألة ‏الأساس أنّ الكلّ «مطحون».‏
ينبغي التّوجه مباشرة نحو الدّاء، نحو الخطر بتعبير الأستاذ منير حجّوجي(3)، فالخطر ‏الحقيقي هو الرّأسمالية وقوى الاستكبار العالمي والمحلّي..ينبغي أن نتوجّه مباشرة نحو قوى التّحكم، التي لا ‏دين لها ولا إيديولوجيّة ما عدا الرّبح السريع على حساب الفقراء والمهمشين والطّبقة ‏الكادحة..‏
قضيتنا الأساسيّة نحن المغاربة هي التّنمية الحقيقيّة التي ينبغي أن نطالب بها وندافع عنها بكلّ ما ‏أوتينا من قوة..، هي العدالة الاجتماعية في كلّ شيء في الثّروة والسّياسة، في الحرّية، في ‏الهواء الذي بات ملوثا نتيجة كوارث الفساد الاقتصادي والسّياسي..،قضيّتنا التي يجب أن نتّحد من أجلها ونناضل تكمن في مقاومة الغلاء، والفقر والهشاشة ‏الاجتماعيّة، والمطالبة بقضاء نزيه ومستقل...، هذه قضيتنا جميعا يميناً ويساراً.‏
لا بدّ أن نحدّد خصمنا بدقّة، فالصّراع الايدولوجي وهْمٌ وإن ‏كان هناك أيديولوجيّة معينة يحملها الأفراد، فهي خيارات فرديّة ترتقي يوما الى الاجتماع في ‏شكل هيئات لكنّها ليست هي الخصم الحقيقي. ‏
من هنا أخلص وأقول: لا بدّ من المصالحة مع الذّات أوّلا والتّوجه نحو الهدف مباشرة: ‏قوى التّحكم والاستكبار المحلّي، وفرض سلطة الأرضي سلطة القاع / الهامش / ‏الأطراف على سلطة الفوق /الأعلى، من أجل خلخلته وإجباره على التّراجع. ‏
لا بدّ من توجيه الجهود والطّاقات نحو الملفّات الحقيقيّة: الهشاشة الاجتماعيّة، والجهل ‏والبطالة، والتّعليم والصّحة...الخ. هذه هي الملفّات الحقيقية التي تهمّ الشّعب المغربي. المواطن يتضرّر حقّاَ ويحسّ بالإهانة عندما لا يجد مواصلات حقيقيّة أو هي دون المستوى المطلوب. ويحسّ بالإهانة عندما يلج مرفق الصّحة فيجده يشكو كما يشكو ‏المريض. وعندما يقف في محطة ‏الوقود ويشتريه بثمن مرتفع يفوق قدرة دخله الفردي يكتوي ويرجع باكيا شاكيا همّه ‏للخيال... وعندما يلج فضاءً عموميّا للتّربية والتّكوين فلا يجد تكوينا ولا تربية يحسّ بالغبن، ويتحوّل الغبن إلى إهانة عندما يقارن في بلده بين مؤسّسات تعليميّة خاصّة ذات خمس نجوم ‏وأخرى عموميّة يرتادها أبناء الفقراء والمستضعفين رائحة أوساخها تفوح من مكان بعيد...
‏ يتضرّر المواطن عندما يدخل مكان العبادة فيجده متّسخا نتناَ، يدخل للوضوء من أجل الطّهارة، فإذا بالمكان غير طاهر، فيدخل قاعة الصّلاة من أجل الاطمئنان والرّاحة، فإذا ‏به يجد نفسه مضطرّا ليراقب حذائه حتّى لا يُسرق، وينتظر من الإمام قولا بليغا، فلا يسمع منه، كباقي المثقّفين عندنا، إلاّ قولا هزيلا مفصولا عن واقعه.‏
‏ يتضرّر المواطن عندما يذهب الى أحد مراكز الأمن فلا يجد إلاّ الخوف والقهر والظّلم...الخ. هذه هي القضايا التي ينبغي أن يتّحد جميع أبناء الشّعب المغربي ويتضامنوا فيما بينهم ليصارعوا من أجلها. ولا أظنّ أنّ الأمر يختلف في بقيّة بلاد المغرب العربي، ولا في العالم العربي الكبير بأكمله.‏
الصّراع الأيديولوجي في هذه الظّروف ترف فكري لأنّه يتجلّى وينكشف فكريّا، ‏والفكر يناقش والحجّة بالحجّة ومن أوتي الحجّة فقد أوتي خيرا كثيرا.‏ 
الهوامش
(1)أحسب أن ما سأذكره في المقال ينطبق بشيء من الاختلاف البسيط عن بقيّة دول المغرب الغربي وحتّى بقيّة الدّول العربيّة.
(2)عدنان فرحان الجوارين، الفساد الاقتصادي في الدول العربية للمدة 2004/2014، الأسباب والآثار والمعالجات، مجلة العلوم الاقتصادية، عدد 41 ‏مجلد 11، نيسان، 2016، ص، 37.‏ 
(3) أنظر مثلا مقاله : «الرأسمالية الجديدة : من القبض على الأرزاق الى القبض على العقول» الحوار المتمدّن http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=261886