أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الحلقة الخامسة : العزيز
 ورد إسم  «العزيز»  في القرآن الكريم زهاء تسعين مرة (87 أو 88 مرّة) ولم يرد مفردا عدا مرّة واحدة، بل يرد دوما مركّبا وأكثر تركيبه يكون مع إسم الحكيم أي «العزيز الحكيم» الذي ورد بهذا التركيب زهاء خمسين مرّة. كما إقترن بصفة الرّحمة أي «العزيز الرّحيم» أزيد من عشر مرّات، وقرن مع صفة القوّة أي «القويّ العزيز» ومع صفة العلم أي «العزيز العليم» ومع صفة الإنتقام أي «عزيز ذو إنتقام» ومع صفة المغفرة أي «العزيز الغفار» و«عزيز غفور».
وبذلك يكون إسم «العزيز» متقدّما من حيث ورود الذّكر وتواتره وذلك بعد إسمه العلم المفرد «الله» ثم بعد إسم «العليم» وإسم «الرّحيم» وإسم «الغفور» وإسم «الحكيم». ومعلوم أن إسم «العزيز» ينتمي إلى مجموعة أسماء القوّة والقدرة، وهي المجموعة التي تأتي في المرتبة الثّالثة ذكرا متواترا بعد مجموعة أسماء العلم ومشتقّاته وبعد مجموعة أسماء الرّحمة ومشتقّاتها. وقد تبين لنا في حلقات آنفة أنّ الله سبحانه يريد أن يجعلنا نعتقد ونؤمن أنّه «عليم» في المقام الأول لا يخفى عليه شيء وذلك حتّى يتحلّى المرء بخلق المراقبة لربّه الذي يراه وهو لا يراه وأنّه بعد ذلك العلم المحيط بكلّ شيء «رحمان رحيم» سبحانه وذلك حتّى لا تتكثّف المراقبة في الفؤاد تكثفا ثخينا تجعل المرء ييأس من روح عليم بكل شيء سبحانه وهو سبحانه مع ذلك العلم النّافذ إلى كلّ شيء سرّا وجهرا ومع تلك الرّحمة التي لا تعرف حدودا عزيز، قويّ، قدير، محيط، واسع، قهّار، عظيم، عليّ، كبير، عال، متعال، وذلك حتّى لا ييأس ضعيف من رحمته ولطفه وعدله وفضله ولا يأمن قويّ جبّار قهّار مستكبر متعال متطاول من مكره أو عقابه. قراءة ثاقبة في ترتيب هذه المجموعات الثّلاث : مجموعة العلم ومجموعة الرّحمة ومجموعة القهر والعزّة والقّوة تجعل المرء يتقدّم حثيثا على درب معرفة ربّه سبحانه، فهو العليم فلا يختبئ منه شيء وهو مع ذلك رحمان لا ييأس من فضله شيء وهو بعد ذينك معا عزيز قويّ جبّار قهّار لا يأمن مجرم مكره ولا يفلت سفّاك دماء من عقابه، وبذلك تعتدل الصّورة الصّحيحة عن الله سبحانه من لدن العباد، فيُعبد عبادة تليق بجنابه وتليق بكرامة الإنسان وكفيلة بإدارة رسالته التّعميرية للأرض بأمل وعزم وعمل.
ما معنى أن الله عزيز؟
«عزيز» على وزن فعيل إذ أنّ أكثر أسمائه بصيغة المبالغة «فعيل وفعول وفعال وأفعل وفعلان» وذلك حتّى يشعر العبد أنّ صفاته ليست كصفات الإنسان قاصرة أو محدودة بل هي مبالغة في المضاء ولا يحدّها حد. إسم «العزيز» من فعل ( عزّ ) وأصله الثّلاثي المجرد ( عزز ) وعلى طريقة اللّسان العربي في تيسير النّطق حذف حرف الزّاي الثّاني وإستبدل بتشديد الزّاي الأول من مثل : شدّ فهو شديد وحقّ فهو حقيق ودبّ فهو دبيب. عزّ يعزّ عزّا فهو عزيز مبالغة وليس عازّ تجريدا لا مبالغة فيه معناه : مفرد في قوّته ولطفه ووجوده، فليس له نظير ولا كفؤ. لذلك تقول العرب عن الشّيء النّادر أنّه عزيز لأنّه ليس له مثيل ولا يسهل نواله وتقول عن الإنسان أنّه عزيز لأنّه نادر في خلقه أو قوّته أو عصبيّته، فلا مثيل له وبذلك تمتد صفة العزّة لتعبّر عن المتفرّد بقوّته وحوله وطوله ووجوده وجاء من هنا معنى القهر المطلق في جنب الله سبحانه. 
قال الإمام الشّافعي في هذا المعنى : «والتّبر كالتّرب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب … فإن تغرّب هذا عزّ مطلبه وإن تغرّب ذاك عزّ كالذّهب». وبذا يكون معنى العزّة الفرادة والتّفرد ولكن بمعنى القوّة والقدرة والقهر وكلّ شيء من مفردات وصفات وأسماء تليق به سبحانه
لم أرتبطت العزة الإلهية بالحكمة في الأعم الأغلب ؟
أكثر إقتران صفة العزّة كانت بالحكمة كما مرّ بنا فهو «العزيز الحكيم» سبحانه وذلك يعني أنّ العزيز المتفرّد بقوّته وقهره ووجوده وكلّ معاني المجموعة الثّالثة هو في الآن نفسه حكيم وليس هو عزيز طائش ذلك أنّ المرء عندما يكون عزيزا يغرى من نفسه والشّيطان بأن يكون طائشا أو حادّا أو مجانبا للحكمة والصّواب والعدل ولكن الله سبحانه يجمع بين إسمي العزّة لينفرد بكلّ صفات القوّة والقدرة والعظمة والقهر والحكمة لينفرد بالحقّ وإنزال الشّيء كلّه في منزله المناسب، وبذلك يطمئن الإنسان إلى ربّه أنّه «عزيز قويّ قهّار» ولكنّه في الآن نفسه «حكيم» يضع قدرته في مكانها وعزّته في مكانها وقهره في مكانه، ولذلك قال سبحانه عن نفسه «وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ» وليس لعباده، والقهر من فوق يعني الرّقابة والقوّة والعزّة وليس كالقهر لهم. 
ومن الباعث على إيمان يتألّق أنّ أكثر أسمائه سبحانه إقترانا بالعزّة بعد الحكمة هي صفة الرّحمة فهو «العزيز الرحيم» في أزيد من عشرة مواضع وذلك حتّى لا ييأس المرء من رحمته بسبب عزّته المفرطة وقوّته القاهرة وجبروته الذي لا يعرف حدودا. ولم يقتصر على الإقتران بالرّحمة بل بالمغفرة كذلك فهو «العزيز الغفّار» و«العزيز الغفور» وهو يخدم معنى الأمل نفسه، فلا يهجر الأمل الإنسان كما إرتبط إسم العزّة بالعلم حتّى يطمئن المرء أنّ الله سبحانه «عزيز وعليم» في الآن نفسه فهو يدبّر الأمر والكون وكلّ ما نعلم وكل ما لا نعلم بعلم وحكمة وفي الآن نفسه بقوّة وعزّة وقهر ورحمة ومغفرة.
وإرتبط هذا الإسم مرّة كذلك بالإنتقام فهو «عزيز ذو إنتقام» وهما صفتان موجّتهان بهذه الكثافة للمجرمين والسّفاحين والمتكبّرين، وبذلك تتناغم أسماؤه سبحانه في كلّ مجموعة من المجموعات الثّلاث آنفة الذكر مع ما يناسبها من أسماء أخرى لخدمة الغرض التّعبدي التّوحيدي نفسه ولمعرفة الله سبحانه معرفة صحيحة حتّى لو لم تكن كاملة لأنّه لا يحيط به محيط سبحانه ولكن شرط الصّحة ضروري حتّى تستقيم حياة الإنسان ولن تستقيم حتّى يعرف المرء ربّه معرفة صحيحة.
من مظاهر عزة الله سبحانه
المظاهر كثيرة ولا يحيط بها محيط ومنها أنّ الله سبحانه عزيز بمعنى أنّه لا يرى ولا يسمع ولا يعرف على الوجه الذي يعرف به غيره، إذ أنّ الإنسان وغير الإنسان مهما عزّ فهو معروف لدى عدد ولو حسير من النّاس ولكن الله يختلف فهو عزيز حتّى على ملكه الكريم إذ لا يقدر الله حقّ قدره سبحانه ولو ملك الملائكة جبريل الذي كلّف بالوحي وهو الذي يسبح لا يفتر. وهو عزيز بمعنى أنّه لا يدرك على وجه الدّقة كما يدرك غيره ولذلك وجّهنا إلى النّظر في آثاره ونعمائه وليس تفكرا في ذاته إذ لا يدرك ذاته ولو ملك مقرّب، وهذا ربّما يكون أعظم مظاهر العزّة الرّحمانيّة. 
ومن مظاهر العزّة الرّبانيّة أنّه لا يفلت من عقابه مجرم ولا يندّ عن قبضته سفّاح مهما عمّر في الأرض أو غاب، إذ حتّى لو سحق سحقا وأذري في البحر أو شتّتته الرّياح فإنّ الله سبحانه يأتي به فهو عزيز سبحانه يقهر بعزته كلّ شيء ولا أمل لمجرم أو سفاح أن يعيي الله أن يقبض عليه. 
ومن مظاهر عزّته أنّه سبحانه لا يزعزع ملكه أحد ولا يفسد النّمط الكوني الذي أراده هو سبحانه مفسد مهما أفسد وطغى وقهر وتجبّر ويكون محلّ كلّ ذلك في الأرض وجزئيّا ونسبيّا في الزّمان وكم هو محيط الأرض في الكون وكم هو محيط حياة الإنسان في دورة الحياة حتّى يوم البعث؟
صفة العزة نذير للمجرمين والسّفاحين والمعتدين
صفة العزّة موجهة بالأساس الأول لأولئك السّفاحين لأنّها صفة تقف في الصّف الأول في المجموعة الثالثة أي مجموعة صفات القوّة وأسماء القدرة والعظمة، ولذلك تجد ورود هذا الإسم عادة ما يكون فاصلة تعقب على غضبه على فعل سيء أو عمل إجرامي أو نذيرا لكلّ ذلك، وبذلك فإنّ صفة العزّة هي صفة نذارة للمؤمن وصفة تحذير وغضب لغير المؤمن وهي صفة موجّهة بالمقام الأول للمعتدين ومثل ذلك في فعل السّرقة التي عقب عليها سبحانه بقوله «عزيز حكيم». وذلك ليغرس فينا عقيدة أنّ العدوان على أموال النّاس بأي طريقة كانت يجب أن يشعرنا بأنّ الله عزيز لا يفلت منه ذلك الفعل دون عقاب وأنّ الله أقوى من الفاعل وأعزّ وأشدّ قهرا، وبذلك تشترك الفواصل في القرآن الكريم لتشيّد المعنى المقصود من الآية القرآنيّة، فإذا عقب في الفاصلة بإسم العزّة أو بما يكون في معناها، فإن الفعل المذكور في الآية يحمل معاني التّحذير والوعيد والتّهديد والإشعار بالعزّة الإلهيّة والقوّة الرّحمانيّة والقدرة الرّبانيّة.
التسمّي بإسم العزيز
مثل هذه الإختلافات بين المسلمين جزئيّة فرعيّة خلافيّة لا عبرة بها لولا أنّ المسلمين تعلّقوا بالصّغائر وتركوا العزائم عادة من يتخلّف عن الرّكب الحضاري دوما. فلا مانع من التّسمي بإسم العزيز ولا يخدش ذلك كبرياء الإلهيّة ولا التّنزيه الرّحماني كلّما أنّ المسمّي والمسمّى من بعد ذلك لا يقصد بذلك مضاهاة لله أو مضارعة له وهذا لا وجود له في دنيا البشر وخاصّة في دنيا المسلمين، وبعضهم تحذلق وتمحل فقال أنّه لا بد من حذف حرفي التّعريف أو الإستغراق ليكون إسم «عزيز» مباحا وإسم «العزيز» غير مباح وهذه حذلقة باردة وخوف على التّنزيه الإلهي في غير محلّه، فالعزيز سبحانه لا يضيره أن يتسمّى كلّ عباده بصفة العزّة إذ أنّ عزّة العباد كلّهم لا تساوي شيئا في ميزان عزّة العزيز الأوحد الحقّ سبحانه. ولو تسمّى المرء نسبة إلى العزيز أي عبد العزيز فيكون أولى ولكن لا داعي لمثل هذه البحوث الباردة ولا لهذه الإختلافات التّافهة والإنسان عبد للعزيز أحب أو كره وسواء تسمى بذلك أو لم يفعل.