صفحات من التاريخ
بقلم |
سعيد السلماني |
بعض من تاريخ المغرب المجهول «قبيلة بني سميح قبل الحماية» |
تمهيد:
قبيلة بني سميح [1]، ما مدلولها؟ ولماذا سمّيت بهذا الاسم؟ إذا ما صدّقنا الرّوايات المتداولة بالمنطقة، فإنّ هذه القبيلة نعتت بهذا الاسم، لأنّها «سمحت» في العادات الغماريّة (أي تخلّت عنها) وتبنت عادات وتقاليد الرّيف. وأعتقد أنّ مثل هذه الرّوايات غالبا ما تحمل صبغة قدحيّة، وتتداول على الألسنة عندما يغيب التّفسير الصّحيح لمكان الانتماء، غير أنّه من خلال البحث العلمي حول مدلول اسم القبيلة، نجد أنّها من القبائل الغماريّة والتي تعتبر قبائل بربريّة من عصبيّة صنهاجة التي وفدت من واد النكور بعد الهجرة من مواطنها الأصلية بالأطلس، فسمّيت «أيت سميح» التي عربت فيما بعد إلى «بني سميح» وهو اسم لا يعرف له معنى وليس له أيّ مدلول محلي [2] يستند اليه غير تلك الرّواية المذكورة أعلاه.
إنّ تاريخ قبائل غمارة غير معروف بما فيه الكفاية والكتابات المتناثرة هنا وهناك لا تقدّم العمق التّاريخي لهذه القبائل، ومن ثمّ فمحاولة الباحثين من أبناء المنطقة في هذا الصّدد تصبح ضرورية. وفي إطار هذا المسعى نحاول تقديم هذه النّبذة عن تاريخ قبيلة بني سميح وإن كنّا منذ البداية نقرّ بأنّها محاولة متواضعة لا ترقى الى تطلّعات الباحثين المتمرّسين. وخاصّة إذا حاول المرء البحث في التّاريخ الغابر للقبيلة، واقتصارنا على ما قبل الحماية نظرا لتوفّر بعض المراجع وإن كانت غير كافية.
من السّهولة بمكان أن تتيه في وديان قبيلة بني سميح قبل الحماية وشعابها الملتوية وغاباتها الكثيفة، إذ لا توجد طرق ولا مسالك لتوجيه المرء داخل الأدغال الكثيفة التي تغطّي المنازل المنتشرة هنا وهناك، وخاصة في شقّها الجنوبي، أمّا الجزء الشّمالي للقبيلة الممتد حتّى البحر فيعدّ منطقة قاحلة، تسمى «الصّحراء» غير أنّ الأهالي ينطقونها بالسّين وحذف الهمزة «السحرا». وهي أرض مليئة بالصّخور السّوداء. ومن النّباتات التي كانت منتشرة هناك «الديس» و«الحلفاء» غير أنّها بدأت في الانقراض في الآونة الأخيرة.
وهناك معلومة مهمّة ذكرها «أوجيست مولييراس» في كتابه «المغرب المجهول» أنّ قبيلة بني سميح يوجد بها وفرة في مناجم الذّهب، وبما أنّ أبناءها لا يحسنون الصّناعة المعدنيّة، فإنّهم يعيشون في البؤس بجوار كنوزهم غير المستغلّة [3]. إنّ هذه المعلومة التي ذكرها كاتب المغرب المجهول تبقى موضع تساؤل واختبار، فنحن أبناء المنطقة لم نسمع من أجدادنا عن مثل هذه المناجم والمعادن، ويبقى الأمر متروكا للخبراء حتّى يثبتوا ذلك.
وضع القبيلة في منتصف القرن 19.
1. حول طبائع النّاس:
أ- عن الرّجل:
من المواصفات التي كان يتّصف بها أهالي القبيلة حوالي منتصف القرن التّاسع عشر، كما جاء على لسان «مولييراس» كالآتي: تسود الأمّية أهالي هذه االقبيلة، بحيث لا يحظى التّعليم بأيّ اهتمام، وإن وجد فقليل جدّا ويتمثّل في حفظ القرآن الكريم وبعض التّعاليم الدّينية. كما أنّ فقر أهالي القبيلة يبدو واضحا للعيان من خلال أسمالهم البالية والمرقّعة، ونعالهم المصنوعة من الحلفاء ورؤوسهم المكشوفة. وهم أمّيون متوحّشون وأفظاظ ولا يتميّزون بذكاء خارق، كما أنّهم يقضون معظم وقتهم في سلب ونهب القرى والمسافرين العزّل.
ومن بين القصص التي ذكرها الكاتب المذكور أعلاه على لسان الرّحالة «محمد بن الطيب» الملقب بالدرويش أنّه غادر دوّار «زدمث» إلى دوار «تزمورت» فدعاه شيخ قصير إلى منزله فقبل الدّعوة، وفي الصّباح أصرّ المضيف على مرافقته الطّريق، وبعد مئة خطوة تقريبا لاحظ الدّرويش أنّ الشّيخ القزم الذي يحمل بيده هراوة غليظة يسعى إلى تضليله داخل الغابة. وفي مكان مظلم توقّف الرجل وخاطبه قائلا: قل لي أيّها العالم، ماذا تحمل بهذه المحفظة الموجودة تحت جلابتك؟ أجاب الدّرويش بالنّفي، فقام القزم بتفتيشه، ولمّا لم يجد شيئا زفر بغضب، ونزع عن الجوال قميصه الأقلّ اتساخاً وترك له الأسمال الممزّقة وهرب. إنّ مثل هذه القصّة وغيرها كثير تدلّ على بشاعة القيم التي كانت تسود المنطقة قبل الانفتاح وفكّ العزلة، وهذه الفظاعة تقلّ أو تزيد حسب القبائل؛ إذ يعتبر غريبا كلّ من يتحدّى حدود قبيلته، ومن ثمّ وجب عليه اللّجوء الى شيخ القبيلة أو أحد رموزها للحماية كما دلّت على ذلك الدّراسات الأنثروبولوجية.
ب- عن المرأة:
أمّا عن المرأة، فقد ذكر صاحب كتاب المغرب المجهول بأنّ نساء القبيلة متحجّبات ويتميّزن بقساوة لا توصف، وهنّ يكددن ويجتهدن في العمل، يذهبن الى الحقول وينزعن الحجاب والحايك ويحتفظن بالقميص المسدود بالوسط ويبدأن بالاشتغال بأذرعهن العارية، ممسكات بالفأس أو بمقبض المحراث [4] ، وينفرن من الأجنبي نفورا شديدا.
2. حول التّجارة والصّناعة:
وبما أنّ الأسواق غير متوفّرة بالقبيلة، فإنّ أهلها لا يهتمّون بالمبادلات التّجارية والصّناعية، ولا يشغلون أنفسهم بهذه الأمور، فهم يقتاتون من الطّبيعة ما دامت الطّبيعة قد وهبتهم ما هو ضروري للعيش، وعليه فالشّعير والفول من الأطعمة الأساسيّة عندهم، بالإضافة الى لحم الماعز والبقر وصيد الأرانب والحجل، ويذكر «مولييراس» أنّ المنطقة الجنوبيّة للقبيلة تتوفّر على وفرة في المواشي من الماعز والأبقار السّمينة نظراً لتوفّر الكلأ والعشب، وبالتالي لن تجد في القبيلة منزلا خاليا من الزّبدة والبيض والعسل، فهذه الأخيرة تعتبر من العادات الغذائية لأهالي القبيلة. ولا حاجة إلى التّأكيد على أنّ الأكلة المفضّلة والتي تقدّم للضّيوف لا تتغيّر، وهي مكونة من طبيخ الدّجاج والبيض.
نحن إذن، نتحدث عن قبيلة منغلقة على ذاتها مكتفية بذاتها لا أسواق ولا إدارة ولا طرق أو تجهيزات فضلا عن الصّحة والتّطبيب، فكلّ هذه المسائل غير مفهومة وليس لها حيّز عند أهل القبيلة، ولم يتم فكّ العزلة عن المنطقة حتى حدود منتصف القرن 20 الميلادي على يد المستعمر الإسباني الذي شقّ الطّريق الرّابط بين القبائل بعرق جبين أجدادنا.
ومنذ ذلك التّاريخ ماذا تغير؟ هل قبيلة بني سميح اليوم كما هي بالأمس؟ الأمر يحتاج إلى دراسة مفصّلة.
الهوامش
[1] قبيلة بني سميح التي تشكل الحدود الشرقية لغمارة، محاطة شمالا بالبحر، وجنوبا ببني رزين وبني خالد، وغرباً ببني جرير وبني منصور، وشرقاً بقبيلة مثيوة. إداريا تابعة لعمالة شفشاون ولاية تطوان جهة طنجة تطوان شمال المغرب.
[2] عن المخطط الجماعي للتنمية، تقرير تركيبي للحالة الراهنة لجماعة بني سميح 2010/2011.
[3] أوجيست مولييراس، المغرب المجهول، الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة، ط، 2013، ص، 234..
[4] أ. مولييراس، مرجع سابق، ص، 234/ 236/ 237. |