نقاط على الحروف
بقلم |
سعيد السلماني |
في معنى العنف الإرهابي:محاولة في فهم الظاهرة من أجل عالم يسع الجميع |
تمهيد:
من المقرّر عند علماء الإسلام قديما وحديثا أنّ الدّين الإسلامي الحنيف جاء لحفظ الضرورات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وبناء على هذه الضرورات بنيت الأحكام والأوامر، وحرّم بالمقابل اي نوع من انواع الاعتداء عليها. من هذا المنطلق فقد تقرر في الفكر الاسلامي ان الدين الاسلامي جاء لحفظ الامن والدفاع عنه ورعايته، وما فرضت الحدود والعقوبات الا من اجل هذه الغاية.
وإذا كان الامر كذلك، فلماذا نلاحظ في السنوات الاخيرة صعودا كبيرا لجماعات العنف الارهابي التي تصطبغ بصبغة الإسلام وبمفاهيمه...؟ وما المقصود بظاهرة العنف الارهابي؟ وما منطلقاتها؟ وكيف ظهرت وتطورت؟ وما السبيل الى الخروج من هذا الواقع العنيف الى واقع أرحب يسمح للإنسان بالعيش بسلام وامن وامان؟ ثم هل ظاهرة العنف الارهابي خاصة بالانسان المسلم فقط، ام انها ظاهرة كونية تبرز كلما توفرت الشروط لذلك؟
رغم كوننا مسلمين ويضرنا ما نسمعه ونشاهده من عنف ارهابي التصق بالمسلمين، ورغم رفضهم وشجبهم له، فان الاعلام المغرض يحاول ترسيخه كحقيقة واقعية، وكأن الدين الإسلامي لا ينتشر إلا بقوة السلاح. وهذه الورقة ستسعى الى اثبات عكس ذلك، منطلقة من فرضية أن «العنف الارهابي» ظاهرة عالمية عرفها الغرب وخبرها جيدا، وتبرز كلما توفرت الشروط لذلك.
من هذا المنطلق سأعالج الموضوع من زاويتين: الاولى في معنى ظاهرة العنف الارهابي، والثانية نقف عند تاريخية الظاهرة لفهم التداعيات والحيثيات التاريخية المولدة للظاهرة، والقواسم المشتركة بين العنف الإرهابي أينما وجد، واخيرا خلاصات واستنتاجات لمحاولة الخروج من المأزق ما أمكن.
(1) في معنى العنف الارهابي
ما معنى العنف الارهابي؟
يعتبر العنف (violence)، ممارسة إنسانية قديمة متجددة، تعددت معانيها واختلفت تعاريفها باختلاف الرؤى والمقاربات المنهجية المتعددة. فقد عرّف المعجم النقدي لعلم الاجتماع العنف (violence) بأنه «سلوك لا عقلاني، يعود أصله إلى مركّب من الميول والمصالح المتخاصمة التي تسبب إلى حد ما انحلال المجموعة نفسها، وأنه في كثير من الحالات سلوك قمعي ومتلازم مع عملية اختلال النظام»(1). والعنف حسب تعبير أمارتيا سن هو «الشكل الأكثر وضوحا لعدم الاحترام، وهو مؤشر مجتمعي بامتياز بأن الاحترام والتفاهم قد تحطّما»(2). ويتخذ العنف أشكالا متعددة، ويمكن استجماعها في شكلين: عنف مادي (جسدي) وعنف رمزي (نفسي). وفي كلتا الحالتين فالأمر يتعلق بشخص الانسان؛ أي الهجوم على إنسانية الانسان.
يعتقد علماء الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي أن الذكريات المؤلمة والمعاناة والقلق والأمراض النفسية المختلفة، قد تدفع الانسان الى العنف احيانا، وقد يرتبط فعل العنف بمنظونة القيم الاجتماعية والدينية والاخلاقية في تحقيق التوازن الاجتماعي والنفسي. كذلك، قد يرتبط بانعدام الحرية والاستقلالية الفردية والاضطهاد السياسي والاجتماعي والكبت الجنسي واستعمال المخدرات وغيرها التي تقود الى الانحرافات في السلوك البشري(3).
وفي مقارنة بسيطة بين عنف الانسان وعنف الحيوان نلاحظ الآتي: أن الحيوان يمارس العنف من اجل البقاء، ولا يمارس العنف ضد فصيلته، فالأسد لا يلتهم أسدا عكس الانسان، ومن الملاحظ أيضا أن الحيوان لا يستطيع التفنن باستخدام وسائل وأساليب وأدوات العنف كالانسان الذي يحوّل العلم والتقنية الى وسائل ابادة وتدمير، ما يطرح علينا سؤالا حول قيمة المعرفة في ظل تبعيتها للسياسة؟ في عالم الحيوان واثناء الصراع الضعيف يخضع عندما يعجز عن المقاومة إما بالهروب او بالانبطاح على الأرض تجنبا للموت. أما في عالم الانسان فلا يسير الامر بالطريقة نفسها، ذلك أن الناس لا يخضعون تلقائيا للأقوى دوما، وإنما يقومون بأعمال عنف لا تنتهي(4). وما العنف الارهابي الاّ دليل على ذلك.
ورغم الفظاعة التي قد تحدثها أنواع العنف المشار إليها، إلا أنه يجب تمييزها عن «العنف الإرهابي». فضحايا الهجمات الإرهابية يمكن أن يكونوا من مجتمع الإرهابيين أنفسهم، بينما الهدف هو السلطة، وتكسير القواعد الإنسانية الأساسية في السلوك بطريقة مقصودة. وقد تكون الدوافع معقدة: كأن يحاول القائم بالعنف الإرهابي فرض مطالب، والتأثير في الرأي العام، أو جذب الانتباه إلى قضيته، ويمكن أن يقوم بذلك نتيجة اليأس. لكن في بعض الحالات، يوجد عامل رمزي أقوى بكثير لا يمكن إنكاره: فالمجموعة الإرهابية ضعيفة التنظيم، تروم – علاوة على جذب الانتباه- إلى الظلم الواقع عليهم، بأن تثير السلطات «القوية» عبر ردة فعل مبالغ فيها، الأمر الذي سيدمر مكانتها وسلطتها المعنوية على الصعيدين المحلي والدولي(5).
وبناء عليه، فإن العنف الارهابي هو عنف منظم يهدف الى احداث الفزع في صفوف الآمنين، منطلقا من مقولة ماكيافيلي «الغاية تبرر الوسيلـــة»(6)، فالغاية من الفعل الارهابي هو احداث الفزع ومحاولة ارباك الدولة /الدول. فالإرهاب كفعل عنيف، هو تأكيد لم ينتج عن غريزة عدوانية محضة، فلو كان الأمر كذلك لسهلت معالجته، لكن المسألة أعمق من ذلك، فهناك عوامل ودوافع متعددة؛ اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ودينية وأخلاقية..، يجب دراستها وتفكيكها وتحليلها ونقدها بمداخل عدة أملا في الوصول الى حل ممكن.
إن السؤال ما هو الارهاب بالضبط؟ سيظل مطروحا نظرا لتداخل المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخلافات الايديولوجية. لكن، بوسعنا الان – بعدما لاحت في الأفق خريطة الارهاب العالمي والتداخل القائم بين الارهاب والسلطة والمال – أن نخط دباجة أولية تسهم في تحديده فنقول: إن الارهاب ثقافة ومنهج في القتل، يرمي الى إثارة الفزع الأكبر في المجتمع وتوريط الدولة ما أمكن، فالإرهاب بهذا المعنى يسعى إلى إظهار أقوى الأسلحة عديمة الجدوى ولا قيمة لها في أيدي صناع القرار السياسي والعسكري(7). فنحن إذن أمام عنف متمركز حول ذاته، وهذا ما أطلقنا عليه بـ«العنف الإرهابي» بدل «العنف» أو«الإرهاب». فالعنف لفظ عام يشمل كلّ أشكال العنف بما في ذلك الإرهاب بأشكاله المختلفة، أمّا الإرهاب فهو مفهوم ملغم لم يتفق على تحديده سياسيا وفكريا، وأصبح يستخدم لأغراض دنيئة تغذي العنف بدل القضاء عليه.
من هنا فالعنف الإرهابي هو كل عمل عنف مسلح يرتكب بغرض سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ايديولوجي أو ديني ينتهك المبادئ العامة لحقوق الانسان. فهو إذن، عنف إرهابي موجه ومؤطر ثقافيا ومتمركز ذاتيا ومنغلق هوياتياً.
(2) في تاريخية ظاهرة العنف الارهابي
تاريخيا استخدم مصطلح الارهاب أول مرة عام 1795م، وأصل الكلمة من اللغة terrere, وتعني التخويف، واستخدمت الكلمة لوصف أساليب استخدمها مجموعة من اليعاقبة السياسية بعد الثورة الفرنسية. وفي بداية القرن العشرين كانت كلمة الإرهابي تستخدم بصورة عامة لوصف الجهات أو الأشخاص الذين لا يلتزمون بقانون الحرب، وكل المعارضين الذين يحملون ايديولوجلية يسارية. وفي الاربعينيات من القرن العشرين استخدمت كلمة الارهاب لأول مرة من قبل سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين أثناء الحملة الواسعة التي شنتها للقضاء على سلسلة من الهجمات التي استهدفت مدنيين فلسطينيين، وأطلقوا على هذه الحملة «الحرب على الارهاب» (8) .
فالإرهاب قديم قدم الانسان، ويعتقد الباحثون أن أول منطقة عرفت الارهاب المنظم كانت أرض فلسطين في القرن الأول الميلادي عندما تمردت على حكم روما جماعة يهودية صغيرة حملت اسم «زيلوت» أو الغيورون وطالبت بالاستقلال اعتبارا من السنة السادسة للميلاد، غير أن سلطات روما نكلت بهذه الجماعة أبشع تنكيل، وكانت الجماعة بدورها تقوم بأعمال عنف بشعة، فكانت تذبح ضحاياها أمام الملأ وفي الأماكن العامة والأسواق(9).
وفي العصور الوسطى في عهد السلاجقة كانت هناك منظمة أرهبت المدنيين والحكام، وهي الطائفة الاسماعيلية النزارية المعروفة باسم الحشاشين، وكان لها مقرات في إيران وسوريا، ومن أبرز زعمائها «حسن الصباح». ومن أهم الاعمال الارهابية التي نفذتها تمثلت في اغتيال الوزير الأول للسلطان السلجوقي « ألب أرسلان» نظام الملك، فكان هذا أول عمل عنف ارهابي منظم في التاريخ الوسيط، وكان لهذه المنظمة في ذلك الزمن صدى مشابه للأثر الذي أحدثته عملية اغتيال «ارشيدوق النامسا»، أو هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في وقتنا الراهن(10).
ورغم أن ظاهرة العنف الارهابي قديمة قدم الانسان إلا أن ثمة نقص ملموس في المصنفات التاريخية الرصينة التي ترجع بها إلى جذورها وبداياتها الأولى في الأزمنة المعاصرة، وهذا الامر جعل الظاهرة أكثر تعقيدا وسهل الطريق أمام الحاقدين وبائعي الوهم لاستغلال البسطاء في نشر العنف على نطاق واسع ولهم في ذلك مآرب أخرى.
من هذا المنطلق يمكن القول: إن العنف الإرهابي بأشكاله ومظاهره الحديثة ليس وليد القرن الواحد والعشرين، فقد انفجرت أول قنبلة في لندن زرعها أحد أعضاء احدى الجمعيات الإيرلاندية سنة 1883م، وأول هجوم انتحاري كان على رئيس وزراء روسيا سنة 1878م، وأول شحنة ديناميت وضعت في طائرة كان عام 1907م من طرف المتطرف بوريس سافنكوف. أما انفجار أول سيارة مفخخة فكان في وول ستريت بنيويورك سنة 1920 ميلادية(11). وكل هذه الأعمال العنفية البشعة وغيرها كان محركها أطماع سياسية وايديولوجية واقتصادية، ومن أجل تطبيع البشاعة يلجأ مهندسو العنف الإرهابي الى المقدس لدغدغة العواطف، وشرعنة القتل.
ماذا بعد حادثة نيوزيلاندا؟
لقد قلنا سابقا أن العنف الارهابي لا دين له، ويظهر كلما توفرت الشروط لذلك، والعنف الارهابي الذي وقع في نيوزيلاندا لا يختلف عن باقي الأنواع المنتشرة في العالم، فكل عنف مخطط له يندرج ضمن العنف الارهابي، فالحوادث مثل واقعة نيوزيلاندا كثيرة، فقد علق أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات على أن هذه الجريمة لا تختلف عن المذبحة التي نفذها المستوطن الإرهابي الإسرائيلي الذي ذبح 29 مصليا مسلما في المسجد الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل عام 1994، معتبرا أنها نتيجة «الأيديولوجية المتطرفة التي تزرع بذور الحروب الدينية»(12). السؤال المطروح الان ماذا بعد واقعة نيوزيلاندا؟
بعد الرسالة التي تركها الارهابي برينتون تارنت لم يعد هناك مبرر للتأويلات والطمس الاعلامي. ومحاولة إلصاق تهمة العنف بالإنسان المسلم، فقد كانت وسائل الاعلام العالمية تحاول دائما صبغ الاسلام بأنه دين الارهاب، وعليه فإن أي مسلم كيف ما كان يشكل بعبعا يجب الحذر منه، وفي أيّ لحظة يمكن أن ينفجر. ورغم أنّ الغالبيّة العظمى من الذين يحملون صفة «مسلم» يستنكرون مثل هذه الأعمال المدمّرة، لكن «الإعلام يميل إلى التّركيز على مثل هؤلاء النّاس والجماعات مقابل تهميش 99.5 بالمائة من المسلمين الذين يرفضون هذه الجماعات المتطرّفة، الأمر الذي يشوّه الصّورة العامّة للإسلام». والكلّ يعلم أنّ الترسانة الإعلاميّة لها كل القـدرة على فبركة الحقيقة. فمن يملك الإعلام يمتلك الحقيقة، بل يصنعها ويتحكّم في تفاصيلها(13). ومما لا شكّ فيه أنّ هذه الخرافة تحطمت بعد واقعة مسجد النور بنيوزيلاندا.
إن أحداثاٌ عنفية كثيرة شهدتها دول مختلفة من العالم وتهديدات مختلفة بالأعمال العنيفة التي أصبحت مشكلا يؤرق العالم. حادثة نيوزيلاندا أعادت إلى الأذهان مصطلح «الإسلاموفوبيا»، فقد كتب الصحفي المرموق الدكتور «عبد الباري عطوان» في مقالة له نشرها في صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية؛ عن أوضاع المسلمين في الغرب عقب التفجيرات التي هزت فرنسا في شهر نوفمبر 2015 كلاما غاية في الاهمية نعيد التذكير به مرة أخرى، فقال: «..المسلمون في العواصم الغربية يعيشون أوضاعاً صعبة هذه الأيام، وتواجههم نظرات التّشكيك وأعمال التحريض في أيّ مكان يذهبون إليه»(14). والسؤال المطروح اليوم من صنع هذا الخوف؟ هل وحده الانسان المسلم من يتحمل المسؤولية؟ أليست السياسات العنصرية التي تمارس وبدعم من الترسانة الاعلامية الغربية هي المسؤولة عن العنف الارهابي العالمي؟ ماذا بعد واقعة نيوزيلاندا؟ هل ظاهرة العنف الإرهابي وصلت إلى نهايتها أم أنها لم تكتمل بعد؟ أسئلة كثيرة تطرح، لكن الإجابة عنها تبقى معلقة الى حين اكتمال المشهد وكيفية التعامل معها سياسيا واعلاميا. هذا ما يدفعنا الى تسجيل بعض الخلاصات لعلها تكون مفيدة في خاتمة هذا المقال.
(3) استنتاجات:
نخلص مما سبق الى الاستنتاجات الآتية:
- رغم الاهتمام العلمي والنقاش الفكري الواسع الذي حظي به مفهوم الارهاب إلا أن تحديده بشكل دقيق لم يتم الاتفاق عليه. ونعتقد بأن الامر سيظل هكذا قياسا على كل الظواهر الانسانية التي لا يمكن تحديدها تحديدا دقيقا نظرا لخصوصية الظاهرة الانسانية، لأن الفاعل المركزي فيها هو الانسان. وبما أن هذا الأخير كائن مركب فمقاربة ظاهرة العنف الإرهابي ينبغي أن تكون بمقاربة منهجية مركبة تتجاوز التخصصات والتخوم الفاصلة بين العلوم والمعارف، وخصوصا في العلوم الإنسانية إذ يصعب فصل الجوانب الاجتماعية عن مكوناتها الثقافية، فيما يتعذر فصل هذين المستويين عن المستوى السياسي، فضلا عن عناصر ومكونات اقتصادية تارة وتنموية في طور ثالث، ما يعني ضرورة الالمام بهذه الوجوه المتفاعلة والمتعددة لظاهرة العنف الإرهابي(15) .
- رغم قدم ظاهرة العنف الارهابي وانتشارها الا ان هناك نقصا في التصنيف التاريخي الجاد الذي يؤرخ للظاهرة تأريخا منفصلا دارسا إياها من كل الجوانب ومصنفا أشكالها بحسب الدوافع والأنواع والايديولوجيات.
- في حديثنا عن الارهاب ينبغي أن نميز تمييزا ضروريا بين العنف الارهابي والمقاومة. فالعنف الارهابي عنف منظم يهدف الى تحقيق أهداف محددة وتقوم به منظمات ايديولوجبية مختلفة، ويستخدم أدوات وأساليب متعددة. لتحقيق غاياته، دون الأخذ بعين الاعتبار القواعد والمعايير الاخلاقية، أما المقاومة المشروعة فيها عنف محدد وموجه نحو هدف أخلاقي هو تحرير الوطن من الاختلال والاستغلال والتخلص من الظلم والقمع أو الدفاع عن النفس، وهو عنف مضاد ورد فعل على أعمال عنف تقوم بها منظمة سياسية أو دولة ضد دولة معتدية، كما يحدث في فلسطين حيث تقوم الصهيونية وأدواتها القمعية إسرائيل بأعمال قتل وهدم وتشريد وإبادة للشعب الفلسطيني الأعزل، لترد عليها ثورة الحجارة (المقاومة) دفاعا عن النفس والوطن والعيش بأمن وأمان في وطنها المستلب، وكذلك ما يحدث في العراق وافغانستان...الخ(16).
- في تحليلنا لظاهرة العنف الارهابي ينبغي التمييز بين حديثها وقديمها، وهذا يحتم علينا أن نولي اهتماما واضحا لكيفية تطور الظاهرة وتحولها من السياق المحلي أو الاقليمي المحدد قديما، إلى المنحى التصاعدي الذي طرأ على الظاهرة منذ النصف الثاني من القرن العشرين، بفضل تظافر عوامل سياسية واقتصادية وتقنية، حتى بتنا نتحدث عن «عولمة العنف الإرهابي».
- وبما أن العنف الارهابي ظاهرة كباقي الظواهر الاجتماعية فإن التركيز ينبغي أن ينصب على ثقافة العنف الارهابي وكيف تتشكل وتتطور، ومن ثم فان علاج الظاهرة ينبغي أن يتجه صوب العوامل الحقيقية التي تساهم في استفحالها. من هنا أهمية التركيز على دراسة ظاهرة العنف الارهابي في اجزائها المتعددة؛ كالتقنية والارهاب، العولمة والارهاب، الاستعمار والارهاب، الاقتصاد والارهاب، الدين والارهاب، التدخل الخارجي والارهاب، الاستبداد والارهاب، الظلم والارهاب، الهوية والارهاب،...الخ.
- وأخيرا ينبغي إعادة النظر في المقاربة العسكرية التي لم تأت أكلها في القضاء على هذا الوباء، ذلك أن «العنف الذي ترتكبه الجماعات بتحريض ممنهج لا يشكل على وجه الحصر تحديا عسكريا، ولا هو كذلك في المقام الأول»(17). والامر لا يقتضي استبعادها إطلاقا ولكن إن استدعت الضرورة التدخل العسكري فليكن الامر مدروسا بشكل جيد ومصحوبا بمبادرات مدنية فعّالة.
نختم بالقول: ليس هناك كائن انساني لا يعي خطورة العنف الارهابي، وتهديده للإنسانية جمعاء. ومهما حاول الانسان أن يسبغ المشروعية والعقلانية على أفعاله التدميرية والتخريبية، فإنه لن يقنع في الأخير سوى ذاته. والغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي كان جدير بالعلم أن يسير في اتجاه خدمة الانسان، ها نحن اليوم نراه يسخّر من أجل تطوير وسائل وأدوات لممارسة العنف في أقصى صوره، لذا حقٌّ من قال: «إن الانسان أصبح يقتل باسم الانسان نفسه»(18). وكأن الانسان بقدر ما يتحضر يتوحّش أو كأن تحضره من توحشه(19).
ألم يفهم الانسان بعد المغزى الحقيقي من وجوده في هذا الكون؟ أليس العنف الارهابي في النهاية دليلا على عدم فهم الانسان لحتمية الاجتماع البشري والعيش المشترك في هذا الكون الذي يسَع الجميع؟
الهوامش
(1) ج.ر. بودون وآخرون، المعجم النقدي لعلم الاجتماع، ترجمة سليم حداد، ديوان المطبوعات الجامعية، دمشق، 1986.
(2) أمارتيا سن، السلام والمجتمع اليموقراطي، ت، روز شوملي مصلح، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، ط 1، 2016، ص، 79.
(3) الحيدري إبراهيم، سوسيولوجيا العنف والارهاب، دار الساقي، بيروت، ط،1، 2015، ص، 26.
(4) نفس المرجع، ص، 30.
(5) نفس المرجع، ص، 80-81.
(6) نيكولاس ماكيافيلي، الأمير، ترجمة عبد القادر الجاموسي، دار الأمان، الرباط، 2006.
(7) جان ماري مولر، ترجمة عبد الجليل محمد، في مواجهة الارهاب، لا، فرنسا ليست في حالة حرب، مقال منشور على موقع معابرhttp://www.maaber.org
(8) الحيدري إبراهيم، مرجع سابق، ص، 32.
(9) ميسون أبو الحب، تاريخ الارهاب قديم، مقال منشور على موقع إيلاف. https://elaph.com/Web/Culture/2017/9/1168996.html
(10) نفس المرجع.
(11) نامق كامل، تاريخ ثقافة الارهاب، جريدة الشرق الأوسط. http://archive.aawsat.com/details.asp?issueno=10992&article=503026#.XIpEJyhKjIU
(12) تقرير قناة الجزيرة على جريمة نيوزيلاندا
(13) السلماني سعيد، الاسلام والمستقبل رؤية عالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة، مجلة الاصلام الاكترونية عدد 116 السنة 5، ص، 24.
(14) السلماني سعيد مرجع سابق.
(15) أبو حلاوة كريم، ثقافة العنف بحث في الأسباب والتداعيات والحلول المحتملة، سلسلة دراسات اجتماعية، مركز دمشق للأبحاث والدراسات(مداد)، 2016، ص، 5.
(16) الحيدري إبراهيم، مرجع سابق، ص، 35.
(17) أمارتيا سن، السلام والمجتمع الديموقراطي، مرجع سابق، ص، 9.
(18) بهاوي محمد، مفهوم العنف، ضمن كتاب الفلسفة لتلاميذ الباكالوريا، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء، ط، 2، 2012، ص، 135.
(19) طه عبد الرحمان، سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، المؤسسة العربية للفكر والابداع، بيروت، ط 1، 2017، ص، 10
|