تاريخنا

بقلم
محمد الصالح ضاوي
نظرة في سياسة الإقطاع العمرية حادثة بلال بن الحارث المزني (1) ‏
 منطلق الدراسة، هذا النصّ:‏
«حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، ‏عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: جَاءَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏فَاسْتَقْطَعَهُ أَرْضًا، فَقَطَعَهَا لَهُ طَوِيلَةً عَرِيضَةً، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ: يَا بِلَالُ، ‏إِنَّكَ اسْتَقْطَعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا طَوِيلَةً عَرِيضَةً، فَقَطَعَهَا لَكَ، وَإِنَّ رَسُولَ ‏اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُ شَيْئًا سُئِلَهُ، وَإِنَّكَ لَا تُطِيقُ مَا فِي يَدَيْكَ قَالَ: أَجَلْ قَالَ: فَانْظُرْ ‏مَا قَوِيتَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَمْسِكْهُ، وَمَا لَمْ تُطِقْ فَادْفَعْهُ إِلَيْنَا نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ وَاللَّهِ، ‏شَيْءٌ أَعْطَانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ. فَأَخَذَ مِنْهُ ‏مَا عَجَزَ عَنْ عِمَارَتِهِ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ»(1) ‏. ‏
وقد وقع جدال طويل عريض حول هذا النّص، مع أخوة عرب، اعترضوا على ‏ملاحظة سقتها، تقول: قرار الرّسول وقرار عمر!!!؟؟؟ حيث يُفهم منه قرار عمر مناقض ‏ومخالف لقرار الرّسول صلّى الله عليه وسلم، وهذا لا يليق أدبا وشرعا... بل لا يعدو أن يكون ‏الأمر فهما من عمر بن الخطاب لقرار الرّسول صلّى الله عليه وسلّم:‏
«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ نَثِقُ بِهِ مِنْ آلِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى ‏اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ الْعَقِيقَ، وَكَتَبَ لَهُ فِيهِ كِتَابًا نُسْخَتُهُ: بِسْمِ اللَّهِ ‏الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ، أَعْطَاهُ مِنَ الْعَقِيقِ مَا أَصْلَحَ ‏فِيهِ مُعْتَمَلًا « وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: فَلَمْ يَعْتَمِلْ بِلَالٌ فِي الْعَقِيقِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ ‏اللَّهُ عَنْهُ فِي وِلَايَتِهِ: إِنْ قَوِيتَ عَلَى مَا أَعْطَاكَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ مُعْتَمَلِ الْعَقِيقِ فَاعْتَمِلْهُ، فَمَا اعْتَمَلْتَ ‏فَهُوَ لَكَ كَمَا أَعْطَاكَهُ، فَإِنْ لَمْ تَعْتَمِلْهُ قَطَعْتَهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ تَحْجُرْهُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ بِلَالٌ: أَتَأْخُذُ مِنِّي ‏مَا أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى ‏اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَيْكَ فِيكَ شَرْطًا» . فَقَطَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَعْمَلْ ‏فِيهِ بِلَالٌ شَيْئًا، فَلِذَلِكَ أَخَذَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُ»(2) ‏.‏
وقد استخلص الأخوة من هذه النّصوص ما يلي:‏
أولا: حكم سيدنا الرّسول صلّى الله عليه وسلم وفهم سيدنا عمر رضي الله عنه لحكمه... ‏هكذا هو العنوان الصّائب.‏
ثانيا: سيدنا عمر لم يحكم برأيه بل صدر حكمه استنادا لحديث رسول الله صلّى الله عليه ‏وسلم (من أحيا أرضا فهي له)، فسند الملكيّة: الاستصلاح. فلمّا بدا لسيدنا عمر، على ما يبدو، ‏أنّ الصحابي لم يستصلح كامل الأرض، ولكنّه استصلح ما كان في وسعته، فكان هذا سندا ‏لملكيّة ما أصلح، والذي أقرّه له سيدنا عمر، وبناء على هذه القاعدة، خرجت عن ملكيته الأرض ‏التي لم يستطع إصلاحها، والتي ما زالت ميتا وقسمها سيدنا عمر.‏
من منطلق هذا الجدل، قرّرت أن أبحث في قضية بلال بن الحارث المزني، ببعض ‏التّفصيل... محاولا تبيان المقصد الأول من النصّ... وهل قرار عمر بن الخطاب رضي الله ‏عنه كان مخالفا لقرار سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ وما نوع الاختلاف؟ وما هو ‏موضوع القرار العمري؟ وهل الاقتطاع تمّ لأرض واحدة أم لأكثر من ذلك؟ وما قصّة مناجم ‏الذّهب والمعادن التي اقتطعها الرّسول لبلال بن الحارث المزني؟ وغيرها من الأسئلة...‏
مفهوم الإقطاع ‏
أقطع الرّسول صلى الله عليه وسلّم بلالا بن الحارث المزني أرضا في محيط المدينة... ‏فما معنى الإقطاع؟ وما  نوعه؟ وما سياسته؟
كتب الدّكتور نعمت عبد الحميد مشهور في موسوعة المفاهيم الإسلاميّة العامّة ‏ ‏‏(بتصرّف)(3):‏
‏«الإقطاع لغة: هو ما يقطعه وليّ الأمر لنفسه، أو لغيره من أرض أو غيرها، من أيّ ‏نوع من أنواع المال الثّابت، أو المنقول. واقتطع من ماله قطعة: أخذ منه شيئا.‏
واصطلاحا: هو ما يقطعه الإمام، أو الحاكم من الأراضي العامّة التي ليست ملكا لأحد، ‏لينتفع بها فى زرع، أو غرس، أو بناء، استغلالا، أو تمليكا.‏
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّل من أقطع، لا اختلاف فى ذلك بين علمائنا، ‏وقد بيّنت كتب الفقه والتّراث ذلك، فقد جاء عن طاووس، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ‏قال: «عاديُّ الأرض لله ورسوله ثمّ هى لكم» (4) يعنى أنها تقطع للناس، وروى عن رسول الله ‏صلّى الله عليه وسلّم أنه أقطع جماعة من المهاجرين والأنصار من أموال بنى النّضير، وكانت ‏صفيا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالصة، فكان فيمن سمى ممّن أعطى أبو بكر أعطاه (بئر ‏مجر)، وعمر أعطاه (بئر جرم) وأقطع صهيبا الصّراطة وأقطع فرات بن حبان أرضا باليمامة.‏
إقطاعات الرّسول
ووَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَبْيَضِ بْنِ حَمَّالِ، فَاسْتَقْطَعَهُ الْمِلْحَ، فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهُ، ‏فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَدْرِي مَا أَقْطَعْتَهُ، إِنَّمَا أَقْطَعْتَهُ الْمَاءَ الْعَدَّ، فَرَجَعَ فِيهِ.‏
وقـــال ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُبْ إِلَيَّ بِأَرْضِ كَذَا وَكَذَا، أَرْضٌ هِيَ يَوْمَئِذٍ بِأَيْدِي ‏الرُّومِ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ الَّذِي قَـــالَ، فَقَـــالَ: «أَلَا تَسْمَعُونَ مَا يَقُـــولُ؟» فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَــقِّ ‏لَتُفْتَحَنَّ عَلَيْكَ، قَالَ: فَكَتَبَ لَهُ بِهَا.‏
وقَامَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَهُوَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ رَجُلٌ مِنْ لَخْمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جِيرَةً مِنَ ‏الرُّومِ بِفِلَسْطِينَ لَهُمْ قَرْيَةٌ يُقَالُ لَهَا حَبْرَى، وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا بَيْتُ عَيْنُونَ، فَإِن فَتحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الشَّامَ ‏فَهَبْهُمَا لِي، فَقَالَ: «هُمَا لَكَ» قَالَ: فَاكْتُبْ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا، فَكَتَبَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا ‏كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، لِتَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ، أَنَّ لَهُ قَرْيَةَ حَبْرَى وَبَيْتَ عَيْنُونَ، قَرْيَتَهَا كُلَّهَا ‏سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا وَمَاءَهَا وَحَرْثَهَا وَأَنْبَاطَهَا وَبَقَرَهَا، وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ، لَا يُحَاقَّهُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلَا يَلِجْهُ ‏عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِظُلْمٍ فَمَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» ‏وَكَتَبَ عَلَيٌّ فَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو بَكْــر، كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا نَسَخْتُـهُ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ ‏صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي اسْتُخْلِفَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهُ، كَتَبَ لِلدَّارِيِّينَ أَنْ لَا يُفْسَدَ عَلَيْهِمْ مَأْثَرَتُهُمْ ‏قَرْيَةُ حِبْرَا وَبَيْتُ عَيْنُونَ، فَمَنْ كَانَ يَسْمَعُ وَيُطِيعُ فَلَا يُفْسِدْ مِنْهَا شَيْئًا وَلِيَقُمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ‏عَلَيْهِمَا، فَلْيَمْنَعْهُمَا مِنَ الْمُفْسِدِينَ (5). ‏
وقد سار الخلفاء الرّاشدون بعد وفاة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على نهجه فى إقطاع ‏الموات من الأرض لمن يحييها ويعمل على عمارتها، فأقطع أبو بكر عبد الرحمن بن زيد أرضا ‏قرب المدينة، وقد أقطع عمر بن الخطاب ابن سندر أرضا ميتة بمصر، كما أقطع الصّحابة ‏كذلك.‏
أنواع الإقطاع
وقد قسم الإقطاع إلى ثلاثة أقسام: إقطاع تمليك، وإقطاع استغلال، وإقطاع إرفاق.‏
ومن الأحكام الفقهيّة للإقطاع:‏
‏1 - أن لا يقطع غير الإمام، إذ ليس لأحد التّصرف فى الأملاك العامّة غيره.‏
‏2 - أن لا يقطع من يقطعه أكثر ممّا يقدر على إحيائه، وتعميره.‏
‏3 - من أقطعه الإمام أرضا، ثمّ عجز عن تعميرها، استردها الإمام منه محافظة على ‏المصلحة العامّة.‏
‏4 - للإمام أن يقطع-إقطاع إرفاق-من شاء من الرّعايا مجالس للبيع «فى الأسواق، ‏والسّاحات العامّة، والشّوارع الواسعة، إن لم يحصل بذلك ضرر لعامّة النّاس، ولا يملك ‏المقطوع له ذلك، وإنّما يكون أحقّ به من غيره فقط، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من سبق إلى ‏ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» (6). 
‏5 - ليس لمن أقطعه الإمام إقطاعا أن يتسبّب فى إلحاق الضّرر بأحد لقوله صلّى الله ‏عليه وسلّم «لا ضرر ولا ضرار» (7).‏
‏6 - لا يقطع، ولا يملك بالإحياء ما يضرّ بكافّة المسلمين كالكلأ، والآبار التى يشربون ‏منها، أو المعدن سواء كان ملحا، أو نفطا لتعلّق مصالح المسلمين به، ومن هنا تملك الدّولة ‏المناجم، ولا يملكها الأشخاص (8) ‏. ‏
وهذا فيه نظر، لأنّ الرّسول أقطع المعادن القَبَليّة لبلال بن الحارث المزني... إضافة ‏إلى إقطاعه العقيق...‏
من هو بلال المزنيّ؟
من هو الصحابيّ الجليل بلال بن الحارث المزني، موضوع بحثنا؟ وما علاقته بمناجم ‏الذّهب؟
المعلومات قليلة عنه، حيث نقرأ في التّقريب (777)، والتّذكرة (8710) ما يلي:‏
«أبو عبد الرحمن المدني، روى عن النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن عمر، وابن ‏مسعود، وعنه ابنه الحارث، وعلقمة بن العاص، وطائفة... ذكره ابن سعد في الطّبقة الثّالثة من ‏المهاجرين... وقال غيره: مات سنة ستين، وله ثمانون سنة».‏
ويقال: إنّه أوّل من قَدِمَ من مُزَينة عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم - في رجال من ‏مزينة، وذلك سنة خمس من الهجرة (9). ‏
قال السندي: بلال بن الحارث المزني، من أهل المدينة، كان يسكن وراء المدينة، ثم ‏تحوّل إلى البصرة، صاحب لواء مزينة يوم الفتح (10) ‏. ‏
وفي مستدرك الحاكم نجد (11) ‏:‏
كَانَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ أَحَدَ مَنْ يَحْمِلُ لِوَاءً مِنَ الْأَلْوِيَةِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي عَقَدَهَا لَهُمْ ‏رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ بِلَالُ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ يَسْكُنُ ‏جَبَلَيْ مُزَيْنَةَ: الْأَشْعَرِ، وَالْأَجْرَدِ، وَيَأْتِي الْمَدِينَةَ كَثِيرًا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّينَ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِينَ ‏سَنَةً.‏
نشاط التعدين زمن الرسول
ويبدو أن سكنى هذا الصّحابي، في الشّمال الغربي من المدينة على بعد سبعين كلم، ‏تعرف بنشاط التّعدين منذ القدم... وقد أقطع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلالا معادن القَبَليّة.‏
يقول محمد سميح عافية في كتابه: «القرآن وعلوم الأرض» (12) ‏:‏
‏«حينما أوحى الله القرآن الكريم إلى نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- كان العالم قد ‏وصل إلى مرحلة من المعرفة في كيفيّة استخراج عدد من خامات الفلزات ومعالجتها، ‏واستخلاص المفيد منها وتصنيعها، وقد اصطلح قديمًا على تسمية مكان استخراج الخامات «بالمعدن»، وفي وقتنا الحاضر نستخدم لفظ «المنجم» و«المحجر».‏
كان هناك نشاط تعديني وقت الرّسول الكريم، والأرجح أنّه كان نشاطًا محدودًا.‏
روي عن ابن عباس أنّه قال: أقطع النّبي -صلّى الله عليه وسلم- بلال بن الحارث ‏المزني معادن القبلية جلسيها «المرتفع من الأرض» وغوريها، ومن معادن «مناجم» تلك ‏المنطقة منجم الذّهب، وهو المنجم الذي كان لبني سليم فعرف باسمهم، وقيل لــه: «معدن بن ‏سليم» وهو ضمن ما أقطعه الرّسول - صلّى الله عليه وسلم- لبلال بن الحارث.‏
وقد سبق ذكر جبل الملح في بلاد مأرب الذي أقطعه الرّسول الكريم «الأبيض بن ‏جمال».‏
إذن فقد عرف استخراج الخام من باطن الأرض بحفر الصّخر بآبار عمودية وممرّات ‏أفقيّة تحت الأرض، وهي أعمال فيها من الخطورة ما فيها».
(يتبع)
الهوامش
(1)‏ بن شبة، عمر (واسمه زيد) بن عبيدة بن ريطة النميري البصري، أبو زيد (المتوفى: 262هـ): تاريخ ‏المدينة لابن شبة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد – جدة، 1399 هـ، صص ‏‏150-151.‏
(2)‏‏ ن.م.‏
(3)‏ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – مصر: موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة، صص 42-43.‏
(4)‏ ذكره الحافظ وعزاه للشّافعي (1349) عن سفيان عن ابن طاووس 
(5) ابن زنجويه، أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخرساني (المتوفى: 251هـ): الأموال لابن ‏زنجويه، تحقيق: شاكر ذيب فياض، نشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، السعودية، ط 1، ‏‏1406 هـ - 1986 م، ج2 ص 614. ‏
(6)‏ رواه أبو داود.‏
(7)‏ حديث حسن، رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندًا، ورواه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا
(8)‏ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية – مصر: موسوعة المفاهيم الإسلامية العامّة، صص 42-43.‏
(9)‏ ‏ بن منصور، أبو عثمان سعيد، بن شعبة الخراساني الجوزجاني (المتوفى: 227هـ): التفسير من سنن ‏سعيد بن منصور – محققا، دراسة وتحقيق: د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد، نشر: دار الصميعي للنشر ‏والتوزيع، ط 1، 1417 هـ - 1997 م، 4/1412 الهامش 2. ‏
(10)‏ ‏ بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد، بن هلال بن أسد الشيباني (المتوفى: 241هـ): مسند الإمام أحمد ‏بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط - عادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، نشر: ‏مؤسسة الرسالة، ط 1، 1421 هـ - 2001 م، ج 25 ص 180. ‏
(11)‏ الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني ‏النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفى: 405هـ): المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ‏نشر: دار الكتب العلمية – بيروت، ط 1، 1411 – 1990، 3/592.‏
(12)‏ عافية، محمد سميح: القرآن وعلوم الأرض، نشر: الزهراء للإعلام العربي، ط 1، 1414 هـ- 1994 ‏هـ، ص 173.