شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
محمد إقبال - «الشاعر الإنسان والفيلسوف المتصوف»
 هو إقبال ابن الشيخ نور محمد، ولد في سيالكوت ـ إحدى مدن البنجاب الغربية في الثالث من ذي القعدة 1294هـ الموافق 9 نوفمبر 1877م.
وُلد محمد إقبال في مدينة «سيالكوت» في إقليم البنجاب لسلالة أصلها براهمية من الطبقات العليا في المجتمع الهندي، نشأ في أسرة متوسطة الحال، محافظة على تقاليد الإسلام الحنيف، تشرّب منها عمق التدين وحبّ القرآن، كان والده رقيق القلب نقي السريرة صوفيا، كلما مرّ على إقبال وهو يقرأ القرآن يقول له: «يا بنيّ اقرأ القرآن كأنه أنزل عليك». حفظ إقبال القرآن وتلقى تعليمه الابتدائي في بلدته، والتحق بمدرسة البعثة الأسكتلندية للدراسة الثانوية، ودرس في هذه المدرسة اللغتين العربية والفارسية إلى جانب لغته الأردية. ثم التحق بجامعة «لاهور. ث» سافر إلى لندن عام 1905م ليلتحق بجامعة كامبردج، وتحصل على درجة علميَّة مرموقة في الفلسفة وعلم الاقتصاد ثم رحل إلى ألمانيا وتحصل على درجة الدكتواره من جامعة ميونيخ.
عاد إقبال إلى شبه القارة الهندية في شهر جوان 1908م ومكث في لاهور بعد أن قضى مدة في أوروبا ما بين دراسات علمية وزيارات لدول عربية وإسلامية، وقد أسهمت أسفاره في نموِّه الفكريِّ واتساع ثقافته متعلِّمًا ومعلِّمًا، ومن ثمَّ انعكاسات ذلك على شعره وفلسفته كما أفادته في التدرب على منهج البحث والإلمام بالفلسفة الغربية.
كان إقبال وثيق الصّلة بأحداث المجتمع الهندي واشتغل بالسياسة، وانتخب عضوًا بالمجلس التشريعي بالبنجاب، وأخيرًا رئيسًا لحزب مسلمي الهند وكان أول من نادى بضرورة انفصال المسلمين في الهند عن الهندوس، وتأسيس دولة خاصة بهم اقترح لها اسم باكستان.
طغى الشعر على حياة إقبال ووجدانه رغم عشرات المؤلفات في عدة حقول، ونزوعه السياسي ودراساته في الاقتصاد وحضوره الأكاديمي وهو الحاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة، واشتغاله في المحاماة التي أحبها. فإقبال من الشعراء القليلين الذين وهبوا حياتهم للفكرة الإسلاميَّة، فأقام شعره وقلمه وبيانه في سبيل تجلية عظمة الإسلام وفضله. وكان صاحبَ مذهبٍ فريد في الشعر والفنون، فالفن عنده هو الذي يمدُّ الإنسان بإلهامٍ لا ينقطع، ويقوِّي ذاتيَّته التي هي مقصود الحياة، وهذه الروح جعلته ينجح في إخضاع الفلسفة للشعر والفكر للنظم وإخضاع الشعر للفلسفة والنظم للفكر كما فعل أبو العلاء المعرّي.
وشِعره يوقظ العقول، ويهزُّ النفوس، ويُربي الآمال في الصدور، ويملأ القلوب حماسة وإيمانًا فهو مليء بالمعاني والمثل الإيمانية القويَّة، التي فيها يسير إقبال مع القارئ يُخبره عن الإيمان، ويوصله بطريق انسيابيَّة نحو الله تعالى. لقد حمل شعره نفسا فلسفيا صوفيا، ووثقت قصائده لزياراته وسفراته وانطباعاته عن أوضاع المسلمين وحلمه بوحدتهم.
دعا إقبال في كتاباته إلى تجديد الفكر الديني وفتح باب الاجتهاد، وتقدير الذات الإنسانية بإعطاء الحرية للإنسان ومحاربة التصوف السلبي الاتكالي والأفكار الجبرية المشؤومة التي شاعت في المجتمع الإسلامي. لقد كانت آراؤه الفلسفية في الدين ترمز إلى أن صاحبها يسعى إلى بعث الحياة والقوة والامل في المستقبل في نفوس المسلمين الذين خذلهم الاحتلال، فأنساهم بسطوته وجبروته وقهره أنفسهم، حتى قلّ من يفكّر في رفع كابوس الظلم عن هذه الأمة. ولعل من أهمّ اقواله في هذا الصدد : «إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار، ويواكب الركب البشري حيثما اتجه وسار، وإنما خلق ليوجه العالم والمدنية وليفرض عليها إرادته، ويملي عليها اتجاهه لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين، ولأنه هو المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه، فليس مقامه مقام الاتباع والتقليد وإنما مقامه مقام الآمر الناهي،مقام الإمامة والقيادة، ومقام التوجيه والارشاد». 
ومن أهم ما يعرف به إقبال الفيلسوف نظريته في ختم النبوة حيث حاول ربط فكرة ختم النبوة بتطور دور العقل في الإسلام، وأشار إلى هذه النظرية عند حديثه عن روح الثقافة الإسلامية في كتابه (تجديد التفكير الديني في الإسلام)، وجاءت في سياق الكشف عن القيمة الثقافية لفكرة ختم النبوة. وقد أثارت هذه النظرية نقاشاً جدليًّا ونقديًّا واسعاً في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، إذ تعددت حولها وتباينت المواقف ووجهات النظر، بين من وجد فيها فرصة للدفاع عن العقل والعقلانية، وبين من وجد فيها إخلالاً في توازن العلاقة ما بين الوحي والعقل.
توفي إقبال في «20 من صفر 1357 هـ = 21 من أفريل 1938م» تاركا تراثًا فكريًا وأدبيًا يربو على عشرين كتابا شملت مجالات الفكر والاقتصاد والتربية والفلسفة والفكر والشعر. ومن كتبه الشعرية: أسرار خودي (أسرار معرفة الذات)، ورموز بيخودي (أسرار فناء الذات)، وبيام مشرق (رسالة المشرق)، وأرمغان حجاز (الفتوحات الحجازية).يقول عنه طاغور ـ شاعر الهند:«لقد خلفت وفاة إقبال في أدبنا فراغًا أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد طويل، إن موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق احتمال الهند التي لم ترتفع مكانتها في العالم»