الإنسان والسماء
بقلم |
نبيل غربال |
أفلا ينظرون... َإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ! |
(1) لماذا الموضوع الآن؟
كثرت المواقع في وسائل الاتصال الاجتماعية التي تدّعي بأنّ في القرآن عشرات الآيات التي تقول إنّ «الأرض مسطّحة» ويريدون به شكلا محدّدا للأرض يتمثّل في قرص أو صحن بالرّغم من أنّ مصطلح «الأرض مسطّحة» غير قرآني أصلا. والملاحظ في تلك المواقع أنّها تُدار من طرف شباب في توجّه واضح للتّأثير في شريحة الشّباب خاصّة. تعتمد الأفكار المروّج لها على التّفاسير القديمة أساسا ويرفع أصحاب تلك المواقع شعار الدّفاع عن القرآن الذي يدّعون أنّه يقول «صراحة» بأنّ الأرض شكلها كالصّحن ويصرّون على أنّ كرويّة الأرض هي خدعة. وفي المقابل هناك مواقع تعمل على نشر فكرة أنّ القرآن مكتوب من طرف إنسان وتقول إنّه لا غرابة أن تتناقض آياته مع العلم، وهي أيضا تعتمد على ما في التّفاسير القديمة وما يروّجه البعض ممّن يدّعون الدّفاع عن القرآن من أنّ كروية الأرض خدعة تتناقض مع ما في القرآن من حقائق تتعلّق بشكلها وهي حقائق لا يرقى إليها الشّك حسب زعمهم. ينطلق كلاّ التّيارين أساسا من الآية 20 من سورة الغاشية «وإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» وهي موضوع بحثنا في هذا المقال ويرون أنّ الآيات التي تقول بـ «مد» الأرض و«دحوها» و«طحوها» وأنّها «بساط» و«فراش» و«مهاد» كلّها تؤكّد زعمهم بأنّها مسطّحة أي أنّ شكلها كالصّحن أو ما يشبه ذلك.
(2) عين الإنسان في الفضاء
أقرّ بدءا بأنّ طرح مثل هذا الموضوع أمر مفارق وغريب حقّا ونحن في عصر أصبح فيه شكل الأرض أمرا محسوما. فهناك مئات الأقمار الاصطناعيّة العاملة تدور حول الأرض تملك أغلبها خمس دول وهي، الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، واليابان، والمملكة المتحدة. تنقل إلينا تلك الأقمار نفس الصّورة لكوكبنا الكروي الجميل الأزرق. فهل تواطأت كلّ هذه الدول على ما يدّعون أنّها «كذبة الأرض المكوّرة»؟ كما تعجّ وكالات الفضاء عند هذه الدّول بآلاف العلماء من جنسيّات وديانات مختلفة فهل تواطأوا هم أيضا لإخفاء «نموذج الأرض المسطّحة» وهو نموذج ضروري في صيغته الرّياضية للقيام بالحسابات المطلوبة لإطلاق أقمارهم الصّناعيّة ووضعها في المدار المناسب؟ وفضلا عن ذلك فقد خرج الإنسان إلى الفضاء وأرسل المسابر الفضائيّة ودرس الكواكب والأقمار التي تدور حولها وشاهد شكلها الكروي، فهل كلّ هذا كذب؟ فما الذي يمنع مثلا الشّباب المتحمّس لفكرة «الأرض المسطّحة» من مشاهدة القمر أو المرّيخ أو المشتري وأقماره الأربعة المشهورة (آيو -أوروبا -غانيميد وكاليستو) بالمناظير الفلكيّة حتّى البسيطة منها ليروا بأمّ أعينهم أنّها جميعا مكوّرة ويكفّون عن نشر الأوهام والاعتداء على القرآن؟ فهل يعقل أن تكون كافة الأجرام مكوّرة وتشذّ الأرض عن القاعدة ليكون شكلها كالصّحن أو كالرّغيف أو كالقرص أو ما شابه ذلك؟ ولماذا يصرّ الملحدون على أنّ الأرض في القرآن ليست كرويّة انطلاقا من إنتقاء بعض التّفاسير القديمة؟ ألا يعلمون أنّ التفاسير لا تلزم إلاّ أصحابها؟ لماذا يشتركون مع الغارقين في الماضي في اعتبار تلك التّفاسير حجّة على القرآن؟ إنّ القراءة الموجهة لتلك الآية سواء من الغارقين في الماضويّة أو الباحثين لما يدعم إلحادهم من خلال هدم المصدر الإلهي للقرآن هي التي دفعتنا للكتابة في الموضوع بمنهج واضح ودقيق يعتمد الحقائق العلميّة والمعنى الأصلي للألفاظ المستعملة في الآيات وما توفّره أساليب البلاغة من إمكانات لفهم الآية محلّ التّدبر. إنّ تناولنا للآية 20 من الغاشية سوف لن يكون بمعزل عن آيات أخرى نرى أنّها تشير إلى نفس الظّاهرة الطبيعية ولابدّ من أن يشملها عملنا جميعا كما سيتوضّح تدريجيا من خلال سلسلة مقالات تتعلّق بسطح الأرض.
(3) مادة (سطح)
«سَطَحَ يَسْطَحُ. الجذر: سطح. الوزن: فَعَلَ/يَفْعَلُ» (شمس العلوم). « سَطَحْتُ البيت جعلت له سطحا. وسَطَحْتُ المكان جعلته في التسوية كسطح» (المفردات).» سَطَحْتُ الشيء على وجه الأرض» (تهذيب). «وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ للمرأَة الَّتِي مَعَهَا الصبيان: «أطعميهم وأَنا أَسْطَحُ لَكِ» أَي أَبْسُطه حَتَّى يَبْرُدَ» (لسان العرب). و«سطح الخبز بالمسطح وهو المحور، وسطح الثريدة في الصّحفة» (أساس البلاغة). و«تَسْطيح القبْرِ: خلاف تَسْنيمه. وأَنْفٌ مُسَطَّحٌ: مُنْبَسِطٌ جدًا» (صحاح العربية) و«السطح: ظَهْر البَيْت إذا كان مُستَويًا، والفِعلُ التَّسْطِيح» (العين). و«سَطْحُ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ أَعْلَاهُ وَالْجَمْعُ سُطُوحٌ» (المصباح المنير) . فـ «السطح من كلّ شيء أعلاه» (شمس العلوم) و «سَطْحُ كُلِّ شَيْءٍ: أَعْلَاهُ الْمُمْتَدُّ مَعَهُ» (مقاييس اللغة) أي في أعلاه استواء اذ «يقال جبل مُسَطَّح إذا كان في أعلاه استواء» ( تفسير جامع البيان).. و«السَطيحُ أو المَسْطُوح هو القتيل لأنّه أضجع على الأرض» (العين)، أي على سطح الأرض، و«يقال له مسطحًا على الأرض» (العين). و«سَطيح: اسمُ رجلٍ من بني ذِئبٍ في الجاهليّة الجَهْلاء، كان يَتَكَهَّنُ، سُمِّيَ سطيحا لأنّه لم يكن بين مفاصِلِه قَصَب يَعمِدُه، كانّ لا يقدِرُ على قُعُوٍد ولا قيام، وكان مسطحًا على الأرض» (العين). هذا أهم ما في معاجم اللّغة عن مادّة (سطح) فماذا نستنتج من كلّ هذا؟
يمكن القول أن:
- أصل «السّطح» هو أعلى الجسم إذا كان غير مسنم أي أنّ السّطح يقتضي جسما يكون في أعلاه استواء وانبساط. لذلك قيل للأنف المنبسط مسطّحا تشبيها لأعلاه بالسّطح. فالسّطح وصف لهيئة أعلى الجسم.
- لا وجود لسطح بدون جسم كما يقول السّيوطي «السّطح في الهندسة لا يدرك بالحسّ الاّ مع الجسم» وهو ما جعل الجرجاني يعطي للسّطح التعريف التالي «السّطح الحقيقي: هو الذي يقبل الانقسام طولًا وعرضًا، لا عمقًا»،
- ليس لكل جسم سطح، فالجبل الناتئ والإبرة والدّبوس مثلا ليس لها سطح لأنّ أعاليها حادّة لا آنبساط فيها. كما أنّ الأجسام المقبوضة كالثّريدة مثلا لا سطح لها أمّا إذا بسطت ومدّت وسويت بالمسطّح أصبح لها سطح ومن ذلك جاء سطَّح الشَّيءَ: سطَحه؛ بسَطه وعرَّضه وسوّاه.
- الجسم المسطّح أو السّطيح أو المسطوح هو إمّا المطروح على السّطح أو الذي في أعلاه إستواء ولا وجود لجسم شكله مسطّح بل يقول العرب لمن أضجع على سطح الأرض أنّه مسطّح على الأرض ويصفون الجبل الذي في أعلاه استواء بأنّه مسطّح.
- السّطح يمكن أن يكون مستوٍ أو غير مستويا. فـ «السّطح المستوي: هو الذي تكون جميع أجزائه على السّواء لا يكون بعضها أرفع وبعضها أخفض» كما يعرفه الجرجاني.
وبناء على ما تقدّم نقول إنّ الأرض لها سطح وليست سطحا. فليس في استعمال العرب ما يفيد أنّ لفظ السّطح يصف شكلا معينا لجسم بل هو وصف لهيئة أعلى الجسم فمن أين للذين يقولون بأنّ لفظ سُطِحَتْ في الآية يعني شكلا محدّدا بعينه وهو القرص أو غيره؟
ويمكن أن نظيف أيضا على ضوء المعطيات العلميّة الحديثة أنّ الأجرام السّماوية الأساسيّة وهي النّجوم وكذلك الكواكب الغازية لا سطح لها. فالكواكب العملاقة في المجموعة الشّمسية لا يمكن تحديد هيئة أعلاها لأنّها كتل ضخمة من الغاز وإذا اقترب منها المسبر الفضائي فإنّه لن يجد سطحا يحطّ عليه بل سيغوص في غاز تزداد كثافته نحو مركزها. وكمثال على ذلك نذكر كوكب المشتري الذي يتشكّل أساسا من غاز الهيدروجين وشعاعه يعادل حوالي عشرة أضعاف شعاع الأرض ويوجد على مسافة تقدر بـ 600 مليون كم من الأرض وهو خامس كوكب من حيث البعد عن الشّمس من جملة ثمانية كلّ في فلك يسبح حولها. أمّا النجوم فهي كتل ضخمة جدّا من الغاز في حالة غليان شديد وليس لها سطح يمكن الهبوط عليه. فالشّمس مثلا نجم ترتفع الحرارة في مركزه الى 15 مليون درجة ويقدّر شعاعه بمائة ضعف شعاع الأرض ولا يمكن وصف أعلاه بالسّطح إلاّ مجازا.
هذا ما يجب معرفته إذا بالنّسبة للفظ (سطح) سواء من حيث المعنى أو من حيث المبنى حتّى يكون تدبّرنا للآية مؤسّسا على منهجيّة واضحة لا مجال فيها لجهل الحقائق الفيزيائيّة ولا لليّ عنق الآيات لَيًّا ولا لتطويع اللّغة حتّى نصل بها الى ما نريد.
وقبل عرض رأينا في المراد الإلهي المحتمل للآية 20 من سورة الغاشية أي آية تسطيح الأرض، سنلخّص أهم ما ورد في التّفاسير القديمة المتعلقة بها ونقدّم ملاحظاتنا حولها. وتركيزنا على ما في التّفاسير القديمة ينبع من ملاحظة أنّها مازالت مهيمنة على الخطاب الدّيني التّقليدي وهو ما دفع وسيدفع بالعديد من النّاس الى الشّك في القرآن لاحتوائها تناقضا واضحا مع العلم كما توحي به تلك التّفاسير.
(4) التفاسير القديمة: عرض وملاحظات
* سُطحت أي بُسطت ومُدّت ومُهّدت
نقرأ في تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري (ت 310 هـ) ما يلي : «وقوله { وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } يقول وإلى الأرض كيف بُسطت، يقال جبل مُسَطَّح إذا كان في أعلاه استواء.
وفي تفسير الكشاف للزمخشري (ت 538 هـ) نجد «{ كَيْفَ سُطِحَتْ } سطحاً بتمهيد وتوطئة، فهي مهاد للمتقلّب عليها».
أما في تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ت 671 هـ) «فسطحت تعني بُسطت ومدّت».
وفي كتاب تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت 774 هـ ) «{ وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } أي كيف بُسطت ومُدّت ومُهّدت».
* ملاحظات حول التّفاسير
قال أغلب المفسّرين بأنّ سُطحت تعني بُسطت وهناك من قال بأنّها سُويت وفُرشت ومُهّدت ووُطئت ومُدّت، فما علاقة تسطيح الأرض بكلّ ذلك؟ إنّ البساط والفراش كلّ له سطح ومطروح على الأرض أي مسطّح وكذلك الموضع الممهّد أي المهاد والجسم الممتدّ، فلكلّ واحد منهما سطح. فاذا بسطنا البساط وفرشنا الفراش بعد ما كان كلّ واحد مقبوضا يصبح لكلّ منهما سطح. وإذا تمدّد الجسم أفقيّا واستطال فيصبح له سطح. فالبسط والتّمهيد والتّفريش ومدّ الجسم كلّ ذلك ينتج عنه سطح وهو ما يفسر استعمال تلك الألفاظ لفهم كلمة سُطحت كما أنّ مثال الثريدة يمكن أن يوضح ارتباط السّطح بالبسط والمدّ والتّسوية. يقول العرب سطحت الثريدة في القصعة أي بسطتها كما نجد في المعاجم. فعندما تبسط الثّريدة أي تصبح كالبساط بعد أن كانت مقبوضة، يصبح لها علوّ ممتدّ معها أي يصبح لها سطح حسب ابن فارس ولذلك قيل إنّ أصل السّطح البسط (الفيومي).
(5) معنى السؤال: كيف سُطِحَتْ الأرض؟
فما معنى سُطحت بالنّسبة للأرض؟ إنّ الدّعوة للنّظر في كيفيّة تسطيح الأرض لا يخرج عن أحد أمرين حسب ما تبيّن من لفظ سطح معنى ومبنى: إمّا أنّها دعوة للنّظر في كيفيّة إلقاء الأرض على سطح وهذا لا معنى له. فالأرض جرم سماويّ يسبح في فلك مثله مثل الشّمس والقمر كما تخبرنا الآية 33 من سورة الأنبياء (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). وإمّا أنّه دعوة للنّظر في الكيفية التي جعل بها للأرض سطحا أي علوّا ممتدّا معها بمعنى استواء في أعلاها أو/ وفي الكيفيّة التي جعل للأرض سطح بالمعنى الذي يحمله القول «سَطْحُ الْبَيْتِ»، وهذه مواضيع في قلب علم الأرض الحديث كما سنبينه في سلسلة مقالات متتالية إن شاء الله.
(6) «الأرض مسطحة» بأي معنى؟
رأينا في البداية أنّ العرب تصف الجبل بالمسطّح إذا كان في أعلاه إستواء. والإستواء يعني أنّ الفارق بين أقصى إرتفاع وأقصى إنخفاض في تضاريس أعلاه الممتدّ معه ضئيل جدّا قياسا بحجمه. فما علاقة ذلك بالأرض؟ لقد قام الإنسان بمسح طوبوغرافي شامل لأعلى الأرض الممتدّ معها أي ظهرها وتوصّل الى النّتيجة التّالية: إذا اعتمدنا سطح ماء البحار والمحيطات كمرجع لقياس تضاريس ظهر الأرض الصّخري فإنّ الفارق بين أعلى الأرض الذي يوجد في سلسلة جبال الهيمالايا وهو 8848 م فوق الماء وأخفض الأرض الذي يوجد في غور جزر الماريان وهو 11034م تحت الماء لا يتجاوز 20 كم وهذا فارق ضئيل جدّا بالنّسبة لحجم الأرض حيث أن قطرها يقدر بـ 12700 كم أي أنّ التّغيرات في تضاريس الأرض هي أقلّ من 1 في الألف من قطرها. لذلك وبناء على ما يقول أحمد ابن فارس من أنّ « كلام العرب ضربان: منه ما هو قياس، ومنه ما وضع وضعا»، فإنّنا يمكن أن نخلص إلى القول بأنّ الأرض مسطّحة بمعني أنّ في أعلاها إستواء قياسا على وصف الجبل بالمسطّح وهو أمر تؤكّده أيضا الصور الملتقطة للأرض من الفضاء حيث يبدو أعلاها الممتدّ معها مستويا وهو ما يوصف لغة بالسّطح. فللأرض سطح وليست سطحا كما قلنا في فقرة اللّغة وبما أنّ كلّ نقطة من محيطها توجد أعلاها، فسطح الأرض هو محيطها وهو ما لا يتوفّر في الأجسام التي توجد عليها. فالجسم على الأرض له أعلى وأسفل وجوانب ولا يكون مسطّحا إلا إذا كان في أعلاه إستواء ولكن كلّ محيط الأرض أعلاها وهذا الأعلى فيه استواء كما رأينا سواء بمنظور كمّي أو بمنظور كيفي، فهي بهذا المعنى مسطّحة ولا علاقة بين ذلك الوصف وشكلها. وإن هناك من علاقة فالقول بأنّ كلّ محيطها الخارجي سطح مع علمنا أنّ ذلك مستحيل إلاّ أن يكون جسمها غاية في الكبر وكرويّا بالضّرورة كما تدلّ عليه معاينة الأجرام الفضائيّة وتفسّره قوانين الفيزياء فذلك يقودنا إلى القول بأنّ تسطيح الأرض يعني تكويرها بالضّرورة وهذا مبحث آخر.
(7) خلاصة
إنّ الدّعوة الى النّظر في الكيفيّة التي سُطحت بها الأرض هي دعوة للنّظر في الكيفيّة التي اكتسبت بها الأرض سطحها سواء بالمفهوم الأصلي لكلمة سطح أي «أعلاها الممتدّ معها» وهذا يحيل مباشرة على السّؤال عن الكيفيّة التي اكتسبت بها معالم سطحها أي تضاريسها، أو بالمفهوم الذي ينتج إذا اعتمدنا القياس على قول العرب «سُطحت البيت» وهنا يصبح الأمر متعلّقا بقشرتها الخارجيّة والتي يمكن أن تسمّى «سطحا» للأرض وسنرى أنّ كلاّ السؤالين هما في الحقيقة سؤالا واحدا يتعلّق بظاهرة واحدة وهي تشكّل القشرة الخارجيّة للأرض وهو مجال بحث علمي حديث تؤطّره نظريّة تكتونية الصّفائح.
تفسر هذه النظرية تحرّكات الجزء الخارجي من الأرض والكيفيّة التي تتكوّن بها. كما تفسّر أيضا ما ينتج عن تلك الحركة من انتصاب الجبال أو اتساع المحيطات أو حتّى قفلها وما يتبع ذلك من تكوين صخور جديدة وكلّ ذلك يهدف الى فهم الكيفيّة التي يتشكّل ويتغيّر بها سطح الأرض ومعالمه. وسنرى أنّها تفسّر الكيفيّة التي يتشكّل بها «سطح الأرض» كنتيجة تفاعل قوى باطنيّة وخارجيّة مناخيّة كما سيتبين عندما ندرس الآيات التي تقول بمدّ الأرض وإلقاء الرّواسي فيها ودحوها وطحوها وجعلها بساطا وفراشا ومهادا أو مهدا. |