حوارات

بقلم
موسى المودن
الأستاذة زينب البحراني : تجربة روائية وقصصية بين عصف العيون وهمس التراث
 (1)
‏في طريق أي منا عثرة تجعل الإنسان يكتشف قدراته الدفينة، فيحول هذه القدرة من ‏دفق داخلي إلى عصف خارجي. كيف اكتشفت «زينب» ذاتها المبدعة؟
 منذ أن كان عمري ثمانية أعوام وأنا أحلم بأن أكون نجمة مشهورة في عالم الكتابة، عالم القصص ‏المصوّرة كان يسحرني، بينما كانت تجذبني تلك الهالة التي تطوّق الأدباء والمثقفين خلال اللقاءات ‏التلفازية فأتمنى أن أكون مكان أحدهم.. كنت طفلة حالمة بشكلٍ عام وأتوق للشهرة والبطولة في ‏مجالات كثيرة تتربع الكتابة على عرشها، ومازلت تلك الفتاة الحالمة التي تؤمن بوجود «مصباح علاء ‏الدين» و»مكنسة الساحرة الطائرة»؛ إلا أن الواقع بجبروته استطاع احتلال غرفة صغيرة من عالمي ‏ليحافظ على اتّزانه
(2)
‏هل وجدت في طريق تألقك بين سماء الإبداع والتميز سندا عائليا ومجتمعيا، وهل ‏تجدن أنتن المبداعات، في دواليب المؤسسات أي دفع ومساندة لمجهودكن الإبداعي؟ 
يمكنني القول أن المُبدعة الأنثى في عالمنا العربي – بوجه عام-  لا تبزغ بدعم أسرتها، بل رغم رفض ‏أسرتها ومحاولتها صد هذا الإبداع الذي تعتبره ضربًا من ضروب «الجنون» بكل وسيلة، فيما بعد عندما ‏تُثبت الفتاة تفوقها في مجالها الإبداعي، وتنهال كلمات الثناء والمديح من الأقارب والمعارف والجيران ‏وفلان وعلاّن على أولئك الأهل تنقلب الأمور ويتحوّلون إلى داعمين، لقد ذاقوا لذّة المجد ويُريدون ‏استمراره كي تستمر معه شهرتهم التي ستخبو وتنتهي بتوقف ابنتهم عن الإبداع.. وللحق والإنصاف ‏يجدُر بنا تفهّم أسباب رفض الأهل في بلداننا لبزوغ مُبدع بين أبنائهم؛ فكثير من الآباء والأمهات من ‏طبقات  محدودة والثقافة بحكم الظروف البيئية والمجتمعية والمادية، وهذه المحدودية الثقافية ‏تجعلهم ينظرون لهذا الابن كـ «كائن غريب» ذي لغة غير مفهومة بالنسبة لما يملكونه من معلومات ‏محلّية بسيطة، وقد يعتبرونه مغرورًا مُتعاليًا، أو فاسدًا فاسقا، أو مخبولاً يسير في طريق ضياع ‏مستقبله، لذا على المبدع أو المثقف – بوجه عام- في حال كهذه أن يحرص على مخاطبتهم بمستوى ‏بساطة لغتهم مع كثير من التقدير والاحترام، والاحتفاظ بما يملكه من أفكار ومُعتقدات ومعلومات ‏وطموحات في «صندوق عقله» كي لا يُثير حفيظتهم أو شعورهم بالخطر.. في هذه المرحلة من حياتي لا ‏يسعني إلا أن أكون شاكرة حقا وممتنة لأهلي الطيبين على دعمهم إياي ووقوفهم في صفي خلال ‏محطات أخرى شخصية من حياتي لا علاقة لها بالكتابة؛ إذ لولا وجودهم في عالمي ومدّهم كف ‏المساعدة لي في تلك الأوقات لانتهيت وانتهت معي الكتابة. أما بشأن «الدعم المؤسساتي» فلا يسعني ‏الحُكم عليه، لأنني – حتى هذه اللحظة- غير منتمية لأي مؤسسة ثقافية سعودية.‏
(3)
‏كيف تقارنين بين خطوط الإبداع النسوي في بلدك (السعودية)، وبين باقي البلدان ‏العربية؟
‏لا يُمكنني المُقارنة لأنني تحررتُ مؤخرًا من «إطلاق الأحكام» على أي مُنجز إبداعي أو انساني، ‏لكنني أرى أن حالة «الانغلاق المُجتمعي» التي نعيشها تُصعّب كثيرًا من مهمّة الإبداع، أنا مثلاً كـ»روائية» ‏لا يكفي أن أجلس بين جدران غرفتي ممسكة بقلم ودفتر لأكتب؛ لا بد وأن أخرج إلى الشارع وأختلط ‏بالناس لأتنفس مذاق الحياة الواقعية وأرتشف من مزيج المشاهد والصور والروائح والأصوات كي ‏أستطيع كتابة مضمون يستطيع العزف على أوتار مشاعر القارئ ويُضيف إلى تجربته الإنسانية، وهذا ‏صعب إلى حد كبير حتى اليوم في البيئة المُجتمعية السعودية، لذا نُلاحظ أن ذوات الأقلام المؤثرة ‏والصوت المسموع في البلدان العربية من الأديبات السعوديات نادرات، أما البقيّة فيُكررن الأفكار ‏والمشاعر ذاتها في معظم نصوصهن رغمًا عنهن، أو يتوقف رصيدهن من الكتابة والنشر بعد عمل أو ‏عملين على الأكثر.‏
(4)
‏لابد للتراث والبيئة والتقاليد دور في حصر خطوط الإبداع وتقييدها، هل أحسست ‏وأنت تسطرين أعمالك الإبداعية بأي قيود تقيد همسك؟
‏لا، مادمتُ أفصح عن آرائي على ألسنة شخصيات رواياتي وليس على لساني فلا شيء ‏يخيفني.‏
(5)
‏ونحن نختلي بين دروب روايتك التي صدرت مؤخرا«هل تسمح لي أن أحبك» تلمسنا ‏نوعا من التناقض بين الصورة المقدمة عن المجتمع السعودي، وبين الصورة المضمنة. هل ‏تقدم لنا «زينب» في روايتها جانبا من الحياة التي لم نتلمس عبقها بعد؟
‏كل قصصي ورواياتي تعتبر «الكون» وطنّا لها، أظن أن زملائي وزميلاتي من الأدباء والأديبات ‏السعوديات قدموا وقدّمن معظم ما يُمكن تقديمه عن المُجتمع السعودي، وأنا شخصيًا أفضل ‏تخصص قلمي للأدب الرومانسي بصرف النظر عن مكانه، لأنني أعتبر أن نشر ذبذبات الحُب ‏والرومانسية في خلايا هذا العصر المُتصحّر هو مهمتي.. أعتقد أن الإنسان العربي لا يجد كفايته من ‏الحُب في الواقع؛ وليس أقل من أن يؤدي الفن والأدب دورهما في تقديم جُرعات مُنعشة من الحُب من ‏خلال المسلسلات والأفلام والروايات.‏
(6)
‏كيف تقرئين أفق التجربة الروائية والقصصية بالسعودية؟ ‏
مازلتُ «أميّة» في قراءة أبجديّة «علم الغيب» يا سيّدي.
(7)‏
‏هل انفتاح المرأة السعودية على بوابة الإبداع الروائي انطلاقة جديدة نحو كسر ‏المحظور؟
‏لا أظن، فتلك المحظورات (كما نراها من مكاننا) أصعب كثيرًا من أن يستطيع الإبداع ‏الروائي كسر طلاسمها العويصة.‏
(8)
‏ماذا تعني لك هذه الكلمات في قاموس الإبداع والحياة: (الرجل، التقاليد، الدين، ‏الحب، الوفاء، الطاعة). ‏
‏-‏ ‏ الرجُل: كُل شيء إذا كان حنونًا مُتفهمًا، ولا شيء إذا كان شرسًا مُتسلطًا.‏
‏-‏ التقاليد: بعضها يُحافظ على الموروث الشعبي والثقافي للمجتمعات ويحميه من هستيريا ‏العولمة، وبعضها يشلّ حركة التقدم المُجتمعي ويوقف نموّها بشكل غير مقبول.‏
‏-‏ الدين: وسيلة مهمة للمحافظة على الاتزان الروحي للإنسان، لكن لا يجوز أن يتحوّل إلى ‏ذريعة لـ «تنميط» شخصيّات البشر وتجميد السنن التقدميّة للكون.‏
‏-‏ الحُب: كل شيء وأهم شيء، به ولأجله وُجِد هذا العالم، ولو نال كل البشر قسطًا وافيًا من ‏الحُب ما رأينا كل هذا الخراب والدمار.‏
‏-‏ الوفاء: مُصاب بفقدان ذاكرة مُزمن.‏
‏-‏ الطاعة: هي جواب «الأمر»، وأنا أكره الأوامر.‏
(9)
كلمة أخيرة للأستاذة « زينب علي البحراني»‏‎ ‎لمجلة الإصلاح.‏
‏شكرًا لكل انسان شارك ذات يوم ولو بكلمة في صنع نجاحي، شُكرًا لمحبة الناس، شكرًا ‏للأصدقاء الذين التمع بريق معادنهم الأصيلة في الأوقات الصعبة.‏