باختصار شديد

بقلم
محمد بن نصر
الخيط الرفيع بين صحة الفكرة وفعالينها
 هناك فرق كبير بين صحّة الفكرة وبين امتلاكها لشروط التّفعيل في الواقع. أفكار كثيرة تافهة بل منافية للفطرة الإنسانيّة تتحوّل بقوّة الوسائل التي تملكها إلى ثقافة موجّهة للتّفكير والسّلوك وصانعة للرّأي العام تصل إلى حدّ البرمجة الآليّة للعقول والمشاعر. فالعطالة تتمكّن من الفكرة عندما تظلّ عاجزة عن الفعل في الواقع وتبقى معلّقة في قوالب ما يجب أن تكون منقطعة عمّا هو كائن. 
اغتراب الفكرة أخطر من حالة الاغتراب التي يعيشها الإنسان المسلم بل هي من أسباب غربته. تستمع إلى خطيب الجمعة فيمطرك بأفعال الواجبات و«اللاّبدات» و«الينبغيات» وترى الجموع تلبّي بحركات آلية للرّؤوس موافقة ومؤيّدة ثمّ يعود كلّ إلى حاله وأحواله في انتظار دفعة جديدة من ذات الأقوال في الجمعة التي تليها. 
مبادئ الدّين تصبح فاعلة عندما تتحوّل نظريّا إلى نُظم مسيّرة للحياة، نظام لتطبيق الشّورى ونظام لتطبيق العدل الاجتماعي ونظام لتحقيق كرامة الإنسان وتتحوّل عمليّا إلى ثقافة وقيم موجّهة لسلوك الإنسان بشكل تلقائي، يشعر الإنسان بأثرها في معاشه وكلّ مظاهر حياته. 
تزداد المسألة تعقيدا عندما تحتل الأشياء مكان الصّدارة في جدول الاهتمامات، فيتحوّل الإنسان إلى مجرد مستهلك نهم لها، تتقاذفه من حال إلى حال فيصبح في سباق لاهث غير قادر عن المساءلة والتّفكير والتّأمل، تتدفّق أمامه المعطيات والمعلومات عن كلّ شيء وفي كلّ حين وكما يقول المثل الفرنسي «كثرة المعلومات تقتل الإعلام». وبالنّتيجة أصبحت هي التي تتحكّم فيه وهو عاجز عن التّحكم فيها وعندها يسهل توجيهه وتخويفه من خلال التّلاعب بالصّورة التي أصبحت أكثر قدرة على النّفاذ إلى وجدان الإنسان المعولم.