الإنسان والسماء

بقلم
نبيل غربال
السماء والطارق «الجزء الأخير»
المادة والطّاقة

الكون هو عند العلماء كلّ شيء يمكن معرفته، إنّه المادّة والطّاقة والفضاء والزّمن والقوانين النّاظمة له. تعتبر المادّة والطّاقة وجهان ‏لعملة واحدة. فالمادّة هي جسيمات أوليّة غاية في الصّغر ليس بمقدور الإنسان في الوقت الحالي تجزئتها. مثل البروتون والنيوترون ‏والكهيرب. لكلّ جسيم منها كتلة وحجم وشحنة، أمّا سالبة أو موجبة أو منعدمة. للبروتون والنيوترون نفس الكتلة وهي حوالي ‏‏2000 ضعف كتلة الكهيرب. أمّا الطّاقة، لصعوبة تعريفها، يمكن أن نأخذ الضّوء كمثال عليها. تبيّن التّجربة أنّ الضّوء ‏عندما يتفاعل مع المادّة يتصرّف كأنّه «جسيم» ولكنّه لا حجم له ولا شحنة. ويطلق العلماء عليه اسم فوتون. أمّا عندما يتحرّك فإنّه ‏يسلك سلوك الموجة ويحمل طاقة تتناسب شدّتها عكسا مع طولها. لذلك تسمّى حزمة الفوتونات المتنقّلة في الفضاء موجة ‏كهرومغناطيسية. يمثل الضّوء الأبيض الوارد من الشّمس جزءا يسيرا من طيف «أضواء» أخرى لا ترى يسميه المختصون طيف ‏الأشعة الكهرومغناطيسية. وهذا الضوء يحمل إلينا الطّاقة والنور ولا يمثل الاّ جزءا يسيرا جدّا من المادّة وقد تحوّلت الى إشعاع في ‏الفرن الشّمسي النّووي. ففي قلب الشّمس ترتفع درجة الحرارة الى 15 مليون درجة وهي كافية لتجبر البروتونات على الحركة ‏بصورة جنونيّة ثم الاندماج. يصحب عملية الاندماج تلك تحرّر كمية من الطّاقة تبين الحسابات النّظرية والتّجربة المخبريّة أنّها ‏الفارق في الكتلة بين مجموع كتلتي بروتونين منفردين وكتلتهما مندمجين وهو ما يفسر انبعاث الطّاقة في شكل ضوء مرئي وآخر ‏غير مرئي.‏الذرّةتتجمّع الجسيمات الأوليّة في وحدات تسمّى الذّرات. والذّرة لها نواة تتشكّل من البروتونات والنيترونات المرتبطة ببعضها البعض ‏بقوّة سمّاها العلماء «نووية» وحولها تدور الكهارب وترتبط بها بقوّة تسمى «كهرومغناطيسية». تختلف الذّرات بعدد البروتونات المكوّنة ‏لنواها. أبسط الذّرات هي الهيدروجين وهو بروتون وحوله كهيرب ثم يليه الهيليوم وهو تكتل لنيوترونين وبروتونين وحولها ‏كهيربان. مباشرة إثر خروج الكون من العدم قبل 13.8 مليار سنة لم يكن فيه الاّ الهيدروجين والهيليوم بنسبة ثلاثة أرباع وربع ‏تقريبا. ولو لم توجد النّجوم بعد مئات الملايين من السّنين من لحظة الخلق لما كان هناك إنسان ولا كائنات ولا أرض ولا قمر. ‏فالذّرات الضّرورية لتشكّل تلك المخلوقات خلقت في قلب النّجوم مثل الكربون (6بروتون + 6 نيوترون)‏‎ ‎والاكسجين (8 بروتون ‏‏+ 8نيوترون) والسيليكون (14 بروتون + 14 نيوترون) والحديد‎ ‎‏(26 بروتون + 26 نيترون).  ‏يبلغ‎ ‎قطر الذّرة حوالي 10-10 م وهي أكبر من قطر نواتها بحوالي   100000 ضعف. فلو كانت نواة الذّرة بحجم كرة قدم قطرها ‏‏20 صم لكان قطر الذّرة 20 كلم. أما حجم الذرة فيتكون من 99،9999999999999٪ فراغ. ولذلك لو تمكّنا من إزالة الفراغات ‏للذّرات التي تشكل الأرض، ستتكدس جميع المادّة في مجال دائرة نصف قطرها 150 متر في حين أن نصف قطر الأرض هو ‏‏6400000 متر. إنّ حجم الذّرة أكبر من حجم نواتها بـ 1015 مرّة أي مليون مليار مرّة. فكلّ الأجسام التي حولنا والموجودة في ‏الكون هي فراغ رغم ما يبدو من أنّها تشغل حيزا في الفضاء. ‏ليس بمقدور الإنسان أن يجمع البروتونات مع بعضها البعض ليشكل الذّرات فالأمر يتجاوز كلّ القدرات ولا يحدث الاّ في مراكز ‏النّجوم. إنّ أعلى كثافة للمادّة في الكون توجد في نواة الذّرة وأكثفها نواة الحديد المستقرّة حيث تربط القوة النّووية 56 بروتون ‏ونيوترون. صحيح هناك نوى أكبر ولكنّها غير قارة، فهي تتحلّل طبيعيّا في شكل إشعاعات مثل ذرّة اليورانيوم. ‏العملاق العظيمإنّ تاريخ النّجم هو سلسلة من دورات متتالية من الانكماش (تقلّص الحجم) تحت تأثير كتلته والاستقرار بفضل التّوازن الذي ‏يحصل عند تحويل ذرّة الى أخرى أثقل منها وما يصدر عن ذلك التّحويل من اندماج وتحرير للطّاقة كما أشرنا سابقا. فضغط ‏الطّاقة المحرّرة في مركز النّجم يميل الى تفجيره ولكن جاذبيته تمنع ذلك فتتوازن معها. ولمزيد التّعرف على الطّريقة التي يتمكّن ‏بها النّجم من «صنع» ذرّات أثقل فأثقل الى أن تتشكل الذّرة الأكثر استقرارا وهي ذرّة الحديد، نحيل القارئ الكريم الى مقال «مواقع ‏النجوم: جدليّة اللّغة والمعارف العلمية (ج2)» في العدد 125 من مجلّة الإصلاح. ‏عندما يستنفد عملاق عظيم (نجم ذو كتلة أكبر من كتلة الشّمس بثمانية أضعاف) وقوده النّووي تنتهي عمليّات الاندماج النّووي بعد ‏تشكّل نوى الحديد، فتتوقف الطاّقة المنطلقة من المركز إلى الخارج وهي التي كانت تعمل على منع الجاذبيّة من ضغط مادّة النّجم ‏وتقليص حجمه أي على دعم بنيته حتّى ذلك الحين. ينهار الجزء الدّاخلي للقلب الحديدي نحو المركز مقلّصا حجمه بسرعة أكبر ‏من تلك التي تهوي بها أجزاؤه الخارجيّة. وفي جزء من عشرة أجزاء من الثّانية يتقلّص قطره من آلاف الكيلومترات الى 20 كم ‏فقط ويتوقّف فجأة ذلك الانهيار (السّقوط الحرّ) بسبب اندماج البروتونات والكهارب ليصبح كتلة من النيترونات ذات كثافة عاليّة ‏جدا. ينتج عن ذلك الوقوف الفجائي اصطدام عنيف جدّا بين الجزء الحديدي الخارجي والجزء النيوتروني مولّدا موجة صدم تنتشر ‏نحو الخارج فتشعلها باندماج نووي مستعر وتفجّر الطّبقات المحيطة بقلب النّجم النيوتروني بطاقة فائقة في شكل مستعير أعظم. إن ‏المستعيرات العظمى نادرة جدّا الاّ أنّها ساطعة الى درجة أنّها ترى من مسافات بين مجرية وهو شيء فائق إذا عرفنا أن6000 ‏نجم التي نراها بالعين المجردة تنتمي الى مجرّتنا. لقد تحوّل قلب النّجم إلى ما يسميه العلماء نجم نيوتروني وهو كدس من ‏النّيوترونات ذو كثافة عالية جدا تقدر بمئات ملايين الأطنان في الصم3 أي ما يعادل كتلة سفينة تجارية ضخمة في حبّة شعير. ‏توجد المادّة اذا في حالة متطرّفة حيث تجتمع النّيوترونات بفعل الثّقالة إلى بعضها البعض وتلتصق فينعدم، تقريبا، الفراغ الذي ‏كان بينها ممّا يؤدّي إلى بلوغ المادّة الصّلبة تلك الكثافة العالية جدّا وهي كثافة تعادل كثافة نواة ذريّة ولكن لجرم بحجم مدينة كاملة‎.‎‏ ‏إنّ الحالة التي تؤول اليها المادّة في النّجم النيوتروني هي أقصى ما هو موجود ومعروف من الكثافة وهي حالة متطرّفة بأتمّ ما في ‏الكلمة من معنى. فما علاقة ذلك بما قلناه عن الطّرق؟ ‏النجم الطارق ‏لقد تفتّتت الذّرات داخل النّجوم الى مكوناتها الأوليّة (تفتت الهيدروجين ثم جمعت أجزاءه الثّقالة بالانهيار أي السّقوط ليعطي الهيليوم، ‏وتفتّت هذا الأخير بنفس الطّريقة ليعاد تجميعه في ذرّات أثقل وهي الكربون وهكذا الى أن تفتّتت ذرات الحديد ليعاد تجميع ‏مكوّناتها) وتحوّلت تدريجيا بالانضغاط تحت تأثير الثّقالة من الثّقيلة فالأثقل الى أن بلغت العمليّة مداها بتجميع ما يساوي مرّة ‏ونصف كتلة الشّمس في قطر لا يتجاوز 20 كم يسمى النّجم النتروني. إنّ تراكب النيوترونات بعضها على بعض بإحكام شديد بعد ‏تقليص الفراغات بينها الى مداه هو فعلا ما يقع للأرض المطروقة بالأرجل مع تقدير الفارق في المقاييس أي مقاييس الطّاقة والكتلة ‏والفضاء. إنّ المادّة في شكل مكوّناتها الأوليّة مطروقة الى أقصى حدّ معروف ولم يكن ذلك ممكنا لو لم تكن كتلة النّجم عند الولادة ‏أكبر من كتلة الشّمس بثمانية أضعاف. يسمّى ذلك النّجم عملاقا عظيما، فهل يستحقّ ذلك النّجم اسم النّجم الطارق؟ ألم يقم بطرق ‏المادّة بعد أن فتتها تدريجيا تحت تأثير الانهيارات الثّقالية (أي السّقوط المتكرّر للأغلفة على بعضها البعض) الى مكوناتها الأوليّة ‏وجمعها مع بعض في أكبر جسم له أكبر كثافة معروفة في هذا الكون؟ يكفي أن نذكر من جديد بأنّ الطارق هو من يفتت صخور ‏سطح الأرض ويقرب بعضها من بعض ومع الزّمن تزداد كثافة ذلك الجزء من الأرض الى أن يصبح صلبا لكي يتبين التّشابه التام ‏بين طارق الأرض وطارق المادّة وهو العملاق العظيم الذي يموت في حالة مستعر أعظم. ‏فماذا عن السّماء التي يثقبها ذلك الطّارق حسب الخبر القرآني؟ لكن وقبل الإجابة عن السؤال لابد من تحديد المعنى الأصلي للجذر «‏ثقب».‏‏(الثقب) لغةفي معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ/940م) نجد‏‎ ‎ما يلي: ثقب: الثَّقْبُ مصدر: ثَقَبْتُ الشيء أثقُبُه ثَقْبًا، والثَّقْبُ ‏اسم لما نفذ‎.‎‏ والمِثْقَبُ أداة يثقب بها‎.‎‏ والثُّقُوبُ مصدر النار الثاقِبةِ، والكواكب ونحوه أي التلألؤ، وثَقَب يثْقُبُ‎.‎‏ وفي تهذيب اللغة لأبي ‏منصور الأزهري (ت370 هـ/980م) يضيف: قال الفراء: الثاقب: المضيء‎.‎‏ والعرب تقول: أَثقِبْ نارَك، أي: أَضِئها للمُوقد‎.‎‏ أما ‏في مقاييس اللغة لأحمد بن فارس (ت395 هـ/1005م) في مادة (ثقب) نقرأ: (ثُقْبٌ) الثَّاءُ وَالْقَافُ وَالْبَاءُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ ‏الشَّيْءُ‎.‎‏  وَالثَّاقِبُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق: 3]‏‎.‎‏ قَالُوا: هُوَ نَجْمٌ يَنْفُذُ السَّمَاوَاتِ كُلَّهَا نُورُهُ. يبدو مما سبق أن المعنى ‏الأصلي للثقب هو النّفاذ أما القول بنفاذ نور الجسم المضيء فهو من المجاز كما نجد في أساس البلاغة لأبي القاسم الزمخشري ‏‏(ت538هـ/1143م) اذ يقول: ومن المجاز: كوكب ثاقب ودُرِّي‌ءٌ: شديد الإضاءة والتلألؤ، كأنه يثقب الظلمة فينفذ فيها ويدرؤها، ‏وقد ثقب ثقوبًا، وكذلك السراج والنار. وقد ذهب نفس المذهب مرتضى الزَّبيدي (ت1205هـ/1791م) في تاج العروس بالقول: ‏ومِنَ المَجازِ ثَقَبَ الكَوْكَبُ ثُقُوبًا: أَضَاءَ وشِهَابٌ ثَاقِب، أَيْ مُضِي‌ءٌ‎.‎‏ ان الأصل الواحد في الجذر ثقب هو النفوذ والتعمق بالمعنى ‏المادي للكلمة باعتبار المنهج الذي تبنيناه والقائل بوجود تجربة حسية وراء كل لفظ أصلي. فاذا كان المعنى الحقيقي للثقب هو ‏الخرق المحسوس بالمثقب فان استعماله لوصف شدة ضيائه وقدرة ضوئه على النفاذ في السماء أي الفراغ كما كان يعتقد في ‏الماضي فهو على سبيل المجاز. ‏السماء في المفهوم العلمي ‏رأينا كيف أنّ أغلب الفضاء الذي تتحيّز فيه المادّة فارغ أي لا جسيمات مادّية فيه. ولكن هناك فوتونات أي كميّات من الطّاقة ‏تتبادلها الجسيمات فيما بينها لتعطي لكلّ ذرّة ولكلّ جسم باعتباره تجمّع لذرات بنيته. وحتّى لو أخذنا بعين الاعتبار الفوتونات فيقدر ‏العلماء أنّ الفضاء الكوني فارغ جدّا اذ لا يكاد الجزء منه الذي تشغله المادّة والطّاقة يساوي شيئا. إنّ الفضاء فارغ من المادّة والطاقة ‏لكنه «ملآن» بأشباح يسميها العلماء «جسيمات افتراضيّة». وتلك الأجسام لا تنبثق من العدم الاّ لتعود آنيا اليه، فالمدّة الزّمنية التي ‏تقضيها في عالمنا لا يمكن قياسها مطلقا لأنّها لا تتفاعل مع أدواتنا ولذلك سمّيت افتراضية. لقد توقّعت الحسابات الرّياضية وجودها ‏قبل أن يتأكّد وجودها تجريبيّا في مسرعات الجسيمات وهي آلات ضخمة لتحطيم المادّة الى مكوناتها الأوليّة لسبر أغوارها. ‏ولقد بينا في مقال سابق (انظر أمواج الثقالة: الزلزال الكوني: مجلّة الإصلاح العدد 104) أنّ الكون أيّ السّماء يتكون من نسيج خفي ‏سمّاه العلماء «الزمكان» وهو نسيج غير مادي ولكنّه مطّاط أي قادر على التمدّد والتقلّص. ويستدل العلماء على خيوطه الخفيّة ‏بالمسارات التي تتحرّك فيها الفوتونات في الفراغ.‏تأثير النجوم في السماء‏إنّ المهم في هذا الجزء المتقدّم من المقال هو التّذكير والتّأكيد على أنّ هذا النّسيج يتأثّر بكتل الأجسام الموجودة فيه. لكن وإن كان ‏من المستحيل قيس ذلك التّأثير النّاتج عن الأجسام العاديّة، فإنّ تأثير كتل النّجوم أصبح قابلا للقياس. فكتل النّجوم تشكّل منخفضات ‏في ذلك النّسيج وتقبع فيه. وبقدر ما تكون الكتل عالية الكثافة بقدر ما يكون المنخفض الذي تحفره أعمق (انظر مقال مستقر الشمس ‏بأجزائه الخمسة في الأعداد: 128 الى 132). إنّ للشّمس منخفضا في النّسيج الزّمكاني حفرته حولها وفرضت على الأرض ‏والكواكب الأخرى التّحرك فيه لكن عمقه لا يقارن بما يحدثه النّجم النيوتروني. فالنّجم العملاق العظيم عندما يتحوّل الى نجم ‏نيتروني في آخر حياته فإنّه يثقب النّسيج الزمكاني أي السّماء ثقبا غاية في العمق. وهو ثقب بالمعنى الحقيقي للكلمة فهو ينفذ حقيقة ‏في النّسيج الزّمكاني ولكنّه لا يخرقه اذ توجد ثقوب أخرى ولكن بلا قاع تسمى «ثقوبا سوداء» تخرق النّسيج أي تثقبه الى الجانب ‏الآخر وهو المجهول.‏وحتى لو أخذنا فعل الثّقب على المجاز فإنّ العملاق الأزرق الطّارق للمادّة يشعّ خلال حياته بضوء أقوى من ضوء الشّمس بـ ‏‏100000 مرّة على الأقل أي أنّه ساطع الى درجة أن رؤيته تصبح ممكنة من بعد ألاف السّنوات الضوئيّة. هذا فضلا عن الضّوء ‏الذي يبثّه في الانفجار والقادر على الوصول إلينا حتّى لو كان في مجرة أخرى. لكلّ ذلك يمكن أن نقول كما قال الأقدمون أنّ النَّجْمُ ‏الثَّاقِبُ هُوَ نَجْمٌ يَنْفُذُ السَّمَاوَاتِ كُلَّهَا نُورُهُ ولن نكون مثلهم مجانبين الصوابَ.‏خاتمةإنّ المراحل التي يمر بها النجم العملاق الأزرق في الكون وما تؤول اليه حاله في آخر حياته من طرق للمادة بمعنى التجميع ‏والخصف بقوة لا توصف بعد أن تصدر منه الطّرقة (بمعنى الضربة) الأخيرة بالمعنى الحقيقي لا المجازي من ناحية، ومن ثقب ‏للنّسيج الزمكاني بمعنى النّفاذ فيه بعمق من ناحية أخرى، يجعل الآيات الثّلاثة الأولى من سورة الطّارق وحسب قراءتنا العلميّة لها ‏وكأنّها تتنزل الآن في عصر النّسبية العامّة وميكانيكا الكمّ. إنّ النّجم العملاق العظيم هو الجرم الوحيد في كوننا المرئي القادر على ‏خصف النيوترونات على بعضها البعض وتقليص الفراغات بينها إلى أقصى مدى يمكن أن تحدثه قوى الضّغط الثقالي في هذا ‏الكون الذي نعيش فيه كما تنبؤنا به المعادلات الرياضيّة وتؤكّده بيانات الرّصد المتعدّدة. ولكن قد لا تكون النّجوم النيوترونية‎ ‎أكثر ‏الأجسام الغريبة كثافةً في الكون كلّه، وهو ما توحي به الأرصاد الحديثة للسّوبرنوفات‎ ‎‏(المستعيرات العظمى) فائقة التوهُّج بمعنى ‏أنّ هذه الانفجارات قد تخلق بقايا أكثر غرابة من ذلك. فماذا يحدث لو انهارت بُنى النيوترونات داخل النّجم النيوتروني؟ قد تكون ‏النتيجة نجوم كواركية، والتي تُلقّب بالنجوم الغريبة، وهي أصغر وأكثر كثافةً من النّجوم النيوترونية وتصبح حينها النّجوم التي ‏تولدت عنها هي المعنية بالتّسمية القرآنية أي « الطارق النّجم الثّاقب» والعلم لله.