الأولى

بقلم
فيصل العش
الثورة التونسية في ذكراها الثامنة: «على صفيح ساخن»
 كلّما حلّت ذكرى الثورة التونسيّة تجدني متردّدا في الكتابة عنها وعمّا حقّقته من مكاسب وما جلبته من متاعب لأبناء هذا الوطن منذ اندلاعها وإعلان فوزها الأول يوم 14 جانفي إلى يومنا هذا، خاصّة وأنّ صفحات الكتب والمجلّات والمواقع الالكترونيّة التي ملأتها الجمل والكلمات التي تطرّقت إلى هذا الحدث ومآلاته كثيرة جدّا إلى درجة أنّه يخيّل إليك أنّه لم يعد هناك شيء لم يذكرعن ثورة التونسيين. لكنّ تطوّر الأحداث خلال الأشهر الأخيرة وحالة الاحتقان الشديدة التي أصبح عليها الوضع في البلاد دفعاني بقوّة إلى الكتابة من جديد في محاولة لتوضيح ما يجري وإبداء الرأي فيه باعتباري أوّلا مواطنا تونسيّا يتأثر بما يحدث من تطوّرات سواء في الاتجاه الإيجابي أو السلبي وثانيا من منطلق المسؤوليّة التي هي على عاتق كلّ المثقفين التّونسيين باختلاف مشاربهم الفكريّة والسياسيّة وأحسب نفسي أحدهم.    
الثورة ولادة ... ولاولادة بدون آلام
إنّ ما حصل في تونس قبل ثماني سنوات أمر جلل ولحظة مفصليّة في تاريخ المنطقة العربيّة ككل، فقد كان اندلاع الثورة التونسيّة إعلانا عن بداية النهاية لحقبة تاريخيّة تميّزت بالحكم الفردي والاستبداد والقهر والدخول في حقبة أخرى يختار فيها الشعب من يسيّر دواليب دولته ويحقّق له ما يحلم به من تنمية ورخاء وأمن. لكنّ عمليّة الانتقال من حقبة الاستبداد إلى حقبة الديمقراطيّة خطيرة وليست باليسيرة ونجاحها مرتبط بالعديد من المعطيات وتوفّر الشّروط المناسبة وقد يتطلّب الأمر فترة زمنيّة طويلة نسبيّا يعيش فيها الناس بين مدّ وجزر وبين نجاح وفشل وفي النهاية تكون النتيجة استقرارا للحكم الجديد أو انتكاسة، فتعمّ الفوضى ويفتح الباب على مصراعيه أمام عودة الدكتاتوريّة ولو بثوب مختلف. 
إنّ عمليّة الانتقال من حكم الفرد الدكتاتور إلى حكم ديمقراطي لا تحدث بدون متاعب وآلام، هي كالولادة، سواء كانت قيصريّة أو طبيعيّة، مصحوبة  دائما بآلام. المثاليّون فقط يعتقدون أنّ الشّعوب بإمكانها أن تتحرّر وتتقدّم من دون تضحيات أودماء. والثورة ليست عملا محدودا في الزّمان والمكان بل هي عمل معقّد من حيث تداخل عناصره وارتباطه بالواقع الجيو- سياسي والاجتماعي وهو أيضا شاقّ ومضنٍ يتطلب الكثير من التّضحيات والصّبر والعمل واليقظة.
من الطبيعي جدّا إذن، أن تعيش الثّورة التّونسية - مثل جميع الثّورات-  بعض الإرهاصات والاضطرابات وتعترضها عقبات متنوّعة ومطبّات ممّا يخلق هشاشة في الوضع السّياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، لكنّ المشكل يكمن في استفحال هذه الهشاشة واستمرارها لمدّة ثمان سنوات كاملة، الأمر الذي خلق نوعا من فقدان الأمل لدى عدّة مكوّنات من المجتمع التّونسي خاصّة الشّباب والفئات الضعيفة المهمّشة المتواجدة بالمناطق الدّاخليّة. والأخطر من ذلك كلّه حسب رأيي كيفيّة تفاعل المتصدّرين للمشهد السّياسي مع هذا الوضع وفشلهم في تحديد الوصفة المناسبة لعلاجه وفي كيفية منع استمرار هشاشته وتأزّمه.
فشل في معالجة الأزمة
ينقسم التونسيون إلى خمسة أقسام:
- قسم أول يتضمن الفريق الحاكم ومن حوله من مساندين، يرى المنتسبون إليه أنّ الوضع ليس كارثيّا كما تصفه بعض الأطراف وأنّ الذي يحدث في تونس أمرعاديّ جدّا وهو يحدث إثر كلّ ثورة، فالإصلاح بعد فترة طويلة من الفساد والحكم الفردي يتطلّب عشرات السّنين. ويصرّحون بمناسبة أو بدون مناسبة أن الحكومة تمدّ يدها للجميع وتعمل جاهدة على التوافق مع بقية الطّيف السّياسي لتحقيق ما رسمته من أهداف لتصل بتونس إلى برّ الأمان. وسواء شاركها الآخرون أم رفضوا، فإنّها ستواصل مسيرتها في نفس الاتجاه وبنفس الرّؤية لتحقيق المطلوب. أمّا التنمية والرّخاء فيتطلّب جهدا إضافيّا من جميع المواطنين ومزيدا من العمل والانتاج. 
- قسم ثان تتصدره «الجبهة الشعبية» وقوى «اليسار الرّاديكالي» مدعومون بما تبقّى من «النداء» لا يتردّد المنتسبون إليه في شتم الحكومة والأحزاب الدّاعمة لها وخاصّة حزب حركة النهضة ونقدها بشكل مستمرّ محمّلينها مسؤوليّة الوضع الكارثيّ الذي وصلت إليه البلاد، داعين الشّعب التّونسي إلى المشاركة في ثورة ثانية لتصحيح المسار، مردّدين صباحا، مساء ويوم الأحد شعارات إسقاط النّظام، معتبرين القوى الحاكمة استمرارا للنّظام البائد تتلخّص مهمّتها في حماية منظومة الاستبداد والفساد وتنفيذ مخطّطات الهيمنة الأجنبيّة وتكريس التبعيّة لها.
يضاف إلى هذا القسم مكوّن رئيسي يعمل من وراء ستار يسمّيه البعض «الثورة المضادّة» والبعض الآخر «فلول النظام القديم» وهو مكوّن مدعوم لوجستيّا من طرف قوى إقليميّة تعمل جاهدة منذ مدّة على وأد ثورات الربيع العربي وخاصّة الثورة التونسيّة.  يحاول باسم المجتمع المدني إرباك المشهد من خلال خلق كيانات ترفع شعار التّمرّد والثورة مستغلّة تأزّم الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي كـ«حركة السترات الحمراء» التي سرعان ما انطفأت شعلتها بالرّغم من الدّعم المادّي واللّوجستي الذي توفّر للقائمين عليها و«حركة باسطا BASTA» التي أخذت المشعل وانطلقت في حملاتها الدّعائيّة المناهضة للحكومة على شبكات التّواصل الاجتماعي من دون أن يعرف النّاس من يقف وراءها ومن هم القائمون عليها، وقد عبّرت في بيانها التأسيسي عن«مساندتنا الكاملة للتحركات الاجتماعيّة والسياسيّة» ودعت «جميع ضحايا منظومة الفساد أفرادا ومنظمات وجهات الى الانخراط الفوري في الاحتجاجات» معتبرة شعار «الشّعب يريد إسقاط النّظام شعارا مركزيا لا مناص من طرحه أفقا لتجاوز المهزلة السّلطوية الرّاهنة»(1). نضيف إلى هؤلاء  قوى الحنين إلى العهد البائد التي تقوم، كلّما أتيحت لها الفرصة، بترويج الأقاويل الهادفة إلى التّنقيص من أهمّية الإنجاز العظيم الذي حصل في البلاد ومن ثمّ بثّ الإحباط وغرس النّدم في نفوس الجماهير الثّائرة والتّباكي على أيّام ما قبل الثورة ورفع شعارات من أمثال « الأمن قبل الحرّية» و «ياحسرة على زمان بن علي» الخ...
- قسم ثالث يتمثّل في الطّيف السّياسي المتكوّن من الأحزاب الصّغيرة المشتّتة التي لا أثر لها في الواقع بالرّغم من محاولاتها جلب الأنظار عبر معارضتها الشّرسة للحكومة وتبنّيها لمشاغل النّاس من دون تقديم اقتراحات عمليّة لحلّها. هم لا يرون أنفسهم لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ولا يقبلون بسقوط النّظام، لأنّهم يراهنون على الانتخابات القادمة ويحلمون باكتساحها والفوز فيها بأغلبية مريحة تجعلهم يحكمون البلاد. وهو حلم بعيد المنال خاصّة مع اشتداد تشرذمهم وفشل محاولات توحيد صفوفهم وخلق «الحزب الوازن» تحت راية الوطنية والدّيمقراطية والتقدّميّة الذي باستطاعته أن يكون طرفا رئيسيّا في التّنافس على الحكم.
- قسم رابع يتمثّل في الطّرف النّقابي الذي يستمدّ قوّته من تاريخه النّضالي الطويل، يعمل على التدخّل في سياسات الدولة والضّغط عليها من دون أن يكون طرفا في الحكم، معتمدا الإضرابات كسلاح رئيسي مستفيدا في ذلك من تردّي ظروف عيش منخرطيه. ويرى البعض أن أطرافا سياسيّة وايديولوجيّة معروفة تهيمن على مواقع القرار داخله وهي التي تدفع نحو الصّدام مع الحكومة غير أن البعض الآخر يستبعد ذلك ويرى أن موازين القوى داخل الطرف النقابي متنوعة وهو ما يضمن نسبيّا استقلاليته. 
- وبين هؤلاء وهؤلاء يوجد قسم خامس، وهو الأهمّ، نفر السّياسة والسّياسيين وأصبح شغله الشّاغل الصّراع اليومي مع متطلبات الحياة وكيفيّة خلق توازن بين الميزانيّة والقفّة. لا يهمّه سماع أخبار التّحوير الوزاري أو التّحالفات الحزبية بل يهمّه ما يحدث في سعر الخضر والعجين والمحروقات ووجود الحليب من عدمه. يحلم بالأمن والأمان وينتظر المستقبل بعيون خائفة. قسم يشمل جزءا كبيرا من التونسيين لا يراه الآخرون سوى ورقة انتخابيّة، لكنّه في حقيقة الأمر قلب رحى المجتمع. 
على صفيح ساخن
تونس إذا على صفيح ساخن وفي وضع لا تُحسد عليه، تتعاظم فيه مخاطر الانهيار الاقتصادي والانفجار الاجتماعي وتتوالى عليه المصاعب بالجملة وقد زادته تحرّكات بعض الأطراف النقابيّة تأزّما وتعقيدا برغم شرعيتها خاصّة تلك المتعلّقة برجال التعليم لما لها من تأثير مباشر على العائلة التونسيّة، وفي المقابل نجد الحكومة تلو الحكومة تأخذ المشعل عن سابقاتها من دون حلحلة للوضع وانفراج للأزمة. فأغلب المطالب التي رُفعت أثناء الثّورة وبعدها لم تتحقّق وبقي شعار مقاومة الفساد الذي رفعته الحكومات المتعاقبة شعارا أجوف لا أثر له في الواقع وفشل الجميع في تحقيق العدالة الانتقاليّة التي من شأنها غلق ملف التّجاوزات التي حصلت لعدد كبير من المناضلين قبل الثّورة وبعدها. أمّا اقتصاديّا فالاختلال في الميزان التّجاري وهيمنة التّجارة الموازية ووضع الدّينار (العملة الرسميّة) تكفي لتشخيص المشهد(2). وفي الجانب الاجتماعي ارتفع منسوب البطالة (3) وتعمّقت الفجوة بين الدّاخل والسّاحل ممّا زاد في حدّة الاحتقان لدى سكّان المناطق الدّاخليّة نتيجة غياب منوال تنموي واضح المعالم مغاير لما كان عليه في زمن الاستبداد. فما هو الحلّ إذا ؟ هل هو في الاستجابة لنداء الثورة من جديد أم هناك بدائل أخرى وطرق نستطيع من خلالها إنقاذ المسار من الانهيار؟
ما البديل؟
إنّ الذين يدعون إلى ثورة جديدة لإسقاط النّظام إنّما يدعون إلى الفوضى العارمة وليس إلى إصلاح الوضع، وتونس لم تعد تحتمل هزّات جديدة وانتفاضات. لنفترض جدلا أنّ هؤلاء نجحوا في إسقاط النظام كما يقولون، وتخلّت الحكومة الحالية عن مهامها وتمّ حلّ البرلمان وطرد الرئيس من قصر قرطاج فما هو بديلهم؟ هل سيسمحون بانتخابات جديدة؟ أم سيحكمون البلاد بمنطق الشرعيّة الثوريّة؟ وهل هم مستعدّون أصلا للحكم ولتقديم البدائل أم سيقدّمون الحكم في طبق من ذهب إلى مستبدّ جديد؟ أي مستقبل ينتظر البلاد في هذه الحالة؟
إذا كان لهؤلاء برنامج واضح المعالم يخدم الشّعب ويقدّم له حلولا مناسبة لمشاغله، فلماذا لا يعرضونه على النّاس في حملاتهم الانتخابيّة ويقنعونهم بأهمّيته فيصوّتون لهم في الانتخابات القادمة (2019)؟ أم أنّهم واثقون أنّ الشعب سينتخب غيرهم مادام لا يملك الوعي «الثّوري التقدّمي» على حدّ زعمهم. أليسوا أبناء هذا الشّعب؟ فلماذا لا يحترمون اختيارته؟ أم أنّهم لا يؤمنون أصلا بالدّيمقراطيّة ولا بالاحتكام إلى الصندوق؟. 
إنّ الذين يراهنون على الفوضى في البلاد لحلحلة الأزمة القائمة مخطئون وواهمون، فقد حاولوا في مناسبات سابقة وجرّبوا هذا «السّيناريو» لكنّهم فشلوا وما زادوا الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلاّ خبالا ولم يغنم التّونسيّون من جرّاء ذلك غير الضّنك في معيشتهم وحياتهم.
لايمكن أن تكون الفوضى بنّاءة أو خلاّقة كما يسمّيها البعض بل هي في جميع الأحوال هدّامة لا تنتج إلاّ خرابا، لهذا فإنّ الذّين يدعون إلى الفوضى سواء بنيّة تحسين الأحوال أو بنيّة وأد المسار الدّيمقراطي لن يجلبوا للتونسيّين إلاّ مزيدا من المآسي والعذاب. 
أمّا الحلّ الأنسب الذي يتماشى مع الوضع المتقلّب في البلاد ويحافظ على المكتسبات التي تحقّقت للتونسيين على قلّتها ويعيد للثّورة وهجها وإشعاعها مع ضمان قطع الطّريق أمام الأعداء المتربّصين في الدّاخل والخارج فيتمثّل في «اعتماد خيار المقاومة المواطنيّة الإجتماعيّة السّياديّة والمواصلة فيه لفرض المكاسب في قلب الدّولة والأحزاب والنّقابات، خيارا أفقيا يحاصر كلّ بناء عمودي» كما يقول الصديق المناضل الأمين البوعزيزي(4). هذا الخيار الأفقي المرتبط بالشّعب انتماء وفعلا لا يرفض الاحتجاجات بل يدعّمها وينخرط فيها لأنّه يعتبرها إحدى تجلّيات الدّيمقراطية التي جاءت بها الثّورة والتي حرّرت النّاس وفتحت باب حرّية التّعبير على مصراعيه. غير أنّ الاحتجاج يجب أن يكون سلميّا لأنّ الاحتجاح رسالة ضغط لا رسالة حرب ونوع من تأكيد السّيادة للشّعب. 
المقاومة المواطنيّة لا تعني إسقاط الدّولة وتخريب مؤسّساتها بل الضّغط من أجل تحريرها من المفسدين  وأصحاب المصالح الضيّقة ولا يكون ذلك إلاّ بتلازم المسارات السّياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة. سياسيّا، تكون المقاومة بالحضور والمشاركة في السّاحة السّياسيّة عبر الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني وتغيير اتّجاه بوصلتها من الدّاخل لتكون خادمة للشّعب لا للقوى المعادية له، مع الحضور بكثافة في الانتخابات ليتحوّل صندوق الاقتراع إلى أداة ضغط لدى القوى الشّعبيّة على الأحزاب والمتصدرين للمشهد السّياسي، تعاقب عبره من خذلها وتدعّم حظوظ الفوز للسّاهرين على تحقيق أهداف الثورة ومصالح المواطنين. أمّا اقتصاديّا، فتكون المقاومة بالزّيادة في العمل لا بتعطيله والضّغط على أجهزة الدّولة لمساعدة الشّباب على الابتكار وإنجاز المشاريع، فالمطلوب ليس توظيف العاطلين عن العمل بل خلق المناخات المناسبة لتحويل هؤلاء إلى منتجين لفرص العمل لهم ولغيرهم. والمقاومة الاقتصاديّة تكون أيضا بالمساعدة في محاربة ارتفاع الأسعار عبر اعتماد أساليب متنوّعة كالمقاطعة وفضح المحتكرين. 
نجاح هذين المسارين مرتبط بتلازمهما مع المسار الثقافي. فلا بدّ من مقاومة ثقافيّة تنسف ثقافة الاستبداد والأنانية والفوضى التي كرّسها النظام الاستبدادي طيلة ستين سنة وتكرّس بديلا وطنيّا قائما على الاحترام المتبادل بين الدّولة والمواطن وبين المواطنين أنفسهم، ثقافة تجذّر السّيادة للشّعب وتخلق في أفراده روح المواطنة والعمل والتّضحية من أجل الوطن، وهذاعمل صعب وشاق لا نرى لحدّ الآن كثيرا من المناضلين قد انبروا لإنجازه بعد.
سيبقى تحول التونسيين من واقع الاستبداد والتهميش إلى واقع السّيادة والمواطنة أعرجا ما لم تصاحبه ثورة ثقافية شاملة وحركة اقتصاديّة تعمل في كلّ الاتجاهات وتُؤسَّس على حبّ العمل والاستثمار في الوطن ومن أجل الوطن.
رسالة إلى الشّباب
لأنّ عماد البلاد شبابها وهو الذي استطاع انطلاقا من 17 ديسمبر 2010 تحريك الماء الآسن وخلق ديناميكيّة جديدة في المجتمع وتحقيق مكاسب عديدة لم يكن التونسيّون يحلمون بها من قبل، حيث أُعيدت اللحمة بين أبناء الشعب وارتفعت نسبة الإحساس لديهم بالانتماء وراكمت جماهيرها خبرات في التّنظم والنّضال وانكشف أعداؤها من الدّاخل بمختلف انتماءاتهم بعد تستّرهم بشعارات برّاقة لعقود عديدة وبدأت تتلمّس طريقها نحو غد أفضل، فإنّ الدّعوة موجّهة لهؤلاء الشّباب ليتحمّلوا مسؤولياتهم في البناء كما تحمّلوها في طرد الطّاغية من البلاد وهذا يتطلّب منهم عدم السّقوط في شراك التّشاؤم والقنوط والمحافظة على المكاسب برغم قلّتها. وعدم السير وراء نداءات الفوضى. 
إنّ نجاح تونس في تحدّي واقعها المضطرب رهين وعي شبابها بعدم البقاء خارج دائرة العمل السّياسي والاكتفاء بالمتابعة وبضرورة مشاركته الفعليّة الميدانيّة في تحقيق تغيير جوهري في طبيعة العمل السّياسي ونوعيّة الطّبقة السّياسية وذلك عبر الحسم النّهائي مع ثقافة ورموز السّياسة القديمة المأزومة سواء كانت أفرادا أو جماعات (أحزابا وجمعيّات) وعدم التوقّف عن محاولة إنتاج ثقافة سياسيّة جديدة تقوم على العمل الميداني والتعايش والالتقاء وتوسيع دائرة المشترك وهذا لا يتحقّق تحت قيادات تعشق الصّراع والتناحر وتحكمها إيديولوجيات نمت وترعرعت في زمن الاستبداد، فتطبّعت بطبائعه وتميّزت برفض الآخر ومحاربته. إنّها حركة تصحيحيّة لمسار الثّورة وثورة داخل الثّورة يجب أن يقودها الشّباب بعيدا عن أساليب العنف والتّخريب وفاء للشّهداء وضمانا لحرّية الشعب وكرامته.
الهوامش
(1) بيان حركة :#basta صادر يوم 26 ديسمبر 2018على شبكة التواصل الاجتماعي فايس بوك.
(2) بلغ العجز التجاري خلال الاشهر الثمانية الأولى من 2018 ما قدره 12160 مليون دينار (م د)   المعهد الوطني للإحصاء حول المبادلات التجارية التونسية مع الخارج بالأسعار الجارية لشهر اوت 2018
(3) ارتفع عدد العاطلین عن العمل إلى حدود 642 ألف و800 في الثلاثي الثاني لسنة 2018 - المسح الوطني حول السكان للثلاثي الثالث من سنة 2018 - المعهد الوطني للاحصاء - 15 نوفمبر 2018 
(4) صفحة الصّديق المناضل الأمين البوعزيزي https://www.facebook.com/lamine.albouazizi