باختصار شديد

بقلم
محمد بن نصر
جليس القطار
 سألني صديقي المؤمن، الذي جلس بجانبي في القطار دون سابق ميعاد. بعد التحية والسّلام والسّؤال عن الأحوال ومتفرّقات من هنا وهناك، سألني هل يكون المؤمن يؤوسا قنوطا؟ قلت له من الصّعب أن يجتمع الإيمان مع اليأس و من الصّعب أن يجتمع الإيمان مع القنوط. ولكن من الممكن أن يستيأس المؤمن ومن الممكن أن تنتابه حالة من القلق. فقد استيأس الرّسل وهنا بمعنى فقدان الأمل في الإستجابة لهم والقلق يكون إيجابيّا عندما يكون دافعا للإنسان على ابتكار الحلول لا على افتعال المشكلات. قال لي نعم، لقد فقدت الأمل في إصلاح هذا الشّعب لأنّي فقدت الأمل أصلا فيمن نهضوا لإصلاحه كما يدّعون، ثم انتكسوا وأصبحوا هم أنفسهم أحوج النّاس إلى الإصلاح، ثمّ امتدّت عندي دائرة الشّكّ حتّى تساءلت حول هذا الإله الذي أعبده والذي أعتقد أنّه أقوى من كلّ شيء في الوجود، لماذا يبدو محايدا والظّلمة يعيثون في الأرض فسادا. قلت له ماذا لو عكسنا الأمر وطلبنا من أنفسنا ما نطلبه من غيرنا، بمعنى لو اجتهدنا كأفراد فنستجيب فقط لضمائرنا، فلم يعد يهمنا كثيرا حال الآخرين. نستمد الأمل من ذاتنا وليس من الوضع العام. نحقّق التّحرّر داخلنا أولا.
أما الإله فلا أظنّه يعطي دون استحقاق، لقد وضع للقوّة نواميسا وشروطا، من أخذ بها كانت له الغلبة إلى حين ثمّ لا ندري لعلّه يتدخّل بأشكال قد تكون عنّا مخفية.
لا يبدو على جليسي الإقتناع بما ذكرت و لكنّي كنت أردّد بيني وبين نفسي. لا تدرون بتخاذلكم كم أطفأتم من شمعة، هذا الشّخص المنهار بجانبي كان شعلة تتّقد، آماله أكبر من آلامه، همّة عالية وروح سامية.