دراسات

بقلم
د.عماد هميسي
ورود الإصلاح في القرآن الكريم
 بإمعان النّظر في القرآن الكريم، يتبيّن أنّ مادّة (ص- لـ - ح)، و ما يتفرّع منها من ألفاظ  واشتقاقات، وما يستوحى منها من معانٍ، ودلالات، قد تبوّأت مكانة ًعليا في القرآن الكريم، وحجما معتبراً فيه. إذ عدّ الإصلاح من جملة أخلاق الإسلام، وفضائله، الّتي دعا إليها، وحثّ ‏على التزامها، والتّحلّي بها.‏
ويكفي للدّلالة على أهميّته، وبروزه ضمن المواضيع الرّئيسيّة في القرآن الكريم، أنّ مادّة (ص- ‏لـ - ح) ذكرت مائة وثمانين مرّةِ (180) في اشتقاقات متنوّعة، وسياقات مختلفة، ومدلولات ‏عديدة تخلص جميعها إلى أنّ كلّ ما يؤدّي إلى الكفّ عن المعاصي ومجانبة الفساد، أو إلى فعل ‏الطّاعات واتّباع الرّشاد هو إصلاح.‏ ‏ 
فقد تمّ في هذا الإطار، الاعتماد على عمليّة الإحصاء، باعتباره السّبيل الأمثل لأيّ استقراء، و‏قراءة النّتائج، وذلك من خلال حصر الألفاظ المباشرة، وغير المباشرة للفظة الإصلاح، أي ‏حصر استعمالاتها المختلفة وسياقاتها المتنوّعة الواردة في القرآن الكريم، ممّا مكّن من تتبّع ‏خيوط شبكة من العلاقات لهذه اللّفظة مع غيرها من الألفاظ. وكانت الطّريقة في ذلك، رسم ‏الجداول، التّي تساعد الطّالب على الضّبط والدّقّة، ومن وراء ذلك إعانته على الوصول إلى ‏نتائج هي أقرب إلى الصّواب منها إلى الخطأ، إضافة إلى تتبّع اللّفظة في جميع الآيات المبثوثة ‏في السّور القرآنيّة، فكان تجميعها وترتيبها على النّحو التّالي: نصّ الآية/رقمها في السّورة/‏ذكر السّورة/ التّمييز بين الآيات المكيّة والآيات المدنيّة / رقم الآية في صفحات المصحف ‏الشّريف.‏(2)
المسألة الأولى: جدول حصر مادّة « ص ـ-ل ـ-ح» و اشتقاقاتها في القرآن الكريم: 
 ‏ المسألة الثّانية: قراءة في جدول حصر آيات مادّة «ص-ل-ح»  واشتقاقاتها في القرآن الكريم:      ‏
‏ إنّ المتتبّع، والملاحظ لجدول حصر آيات مادّة «ص-ل-ح» واشتقاقاتها في القرآن الكريم، يلحظ ‏أنّ مادّة «ص-ل-ح» وردت كما سبق ذكره، مائة وثمانون مرّة(180) في أربع وخمسين ‏سورة (54)، منها خمس وثلاثون سورة مكيّة (35) وتسع عشرة (19) سورة مدنيّة.‏
وهذا يدلّ على مركزيّة هذه المادّة، وأهميّتها في الخطاب القرآني، ولا غرابة في ذلك، فالقرآن ‏الكريم هو بالأساس دعوة صلاح، وإصلاح، صلاح العالم وإصلاح النّاس، وهو في المقابل ‏حرب على الفساد والإفساد، ذلك أنّه يخاطب الإنسان في جميع أحواله، سواء ما يتعلّق منها ‏بإصلاح العقيدة أو العبادات، أو المعاملات ... فتارة يذكر القرآن الكريم الإصلاح مع العمل ‏فيشمل كلّ أنواع الخير، والبرّ، وطوراً يأتي الإصلاح بمعنى إزالة النّفرة والخلاف بين ‏النّاس، وخاصّة الزّوجين، ومرّة يأتي للنّساء المؤمنات، ومرّةً أخرى بمعنى إسم نبيّ ‏عليه أفضل الصّلاة  والتّسليم ... وهكذا طبيعة كلّ مدلول، وكلّ كلمة في القرآن الكريم، ‏لو وقفنا عليها وقفة تأملّ وتدبّر، لوصلنا إلى معانيها ولفهمنا قصدها. ‏
علماً وأنّ دلالة كلّ كلمة في القرآن الكريم في موضع معيّن، لا يعني بالضّرورة تعميم تلك ‏الدّلالة عليها في مواضيع أخرى، بل تختلف دلالتها بحسب موضعها،‎ ‎ولا يعلم هذا إلاّ صاحب ‏علم دقيق، أو طالب علم حثيث(3)
كما يلاحظ أيضاً أنّ مادّة «ص-ل-ح» واشتقاقاتها وردت في السّور المكيّة أكثر من السّور المدنيّة، ‏وهذا طبيعيّ بحكم أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان مشغولاً بإصلاح الصّحابة رضي الله ‏عنهم و تربيتهم، تهيئة لبناء الدّولة بعد ذلك في المدينة. ‏
وتجدر الإشارة إلى أنّ الجدول قد سهّل مهمّة تتبّع تصاريف وصيغ هذه المادّة فنجد أنّها وردت في صيغ مختلفة بلغ عددها إحدى وثلاثون صيغة(31) تتقلّب بين المصدر، ‏والفعل بأزمنة مختلفة كما هو موضّح في الجداول التّالية(4):‏ ‏ ‏
المسألة الثّالثة: جدول صرف، وصيغ مادّة «ص-ل-ح» في القرآن الكريم:‏
-الجدول الأوّل: الأفعال ومنها الماضي، والمضارع، والأمر:‏
-الجدول الثاني: المصادر:‏
المسألة الرّابعة:التّعليق على نتائج الجدول:‏
‏ إنّ ما يمكن استخلاصه من خلال تتبّع صيغ وتصاريف مادّة صلح في هذه الجداول الثّلاثة ما ‏يلي:‏
الأمر الأوّل: لفت الانتباه إلى اهتمام القرآن الكريم بقضية الإصلاح، كما أسلفنا الذّكر، ‏باعتباره كفّ عن المعاصي ومجانبة الفساد وفعل الطّاعات واتّباع الرّشاد و‏باعتبار ارتباطه بحياة الإنسان ماضيا وحاضرا ومستقبلا.‏
الأمر الثّاني: دلالة مادّة صلح تشير إلى التّجديد والثّبات(5).‏ ‏ ‏
وهذا مطلوب لكلّ مجتمع من المجتمعات، بمعنى أن يقف دائما مع نفسه وقفة محاسبة وتقويم ‏وتعديل، محاولا أن يستفيد من ماضيه وينهض بحاضره، ويترقّى بمستقبله. فالإسلام، دين ‏قام من أوّل يوم على النّظر، والتّفكّر وتمجيد القلم والكتاب، والتّفرقة بين الّذين يعلمون ‏والّذين لا يعلمون، ورفض التّقليد والجمود، واتّباع الظّنّ والحرص والهوى. ولم ‏يحدث في تاريخه صراع حقيقيّ بين الدّين والعلم، وبين النّقل والعقل، وبين الشّريعة والحكمة.‏
كما لم يقف هذا الدّين يوما ضدّ الحياة، والنّور والتّقدّم، بل كان هو القلب، الّذي يمدّ الحياة ‏بالدّم، والشّمس الّتي تمدّ المجتمع بالنّور والماء الّذي جعل من النّاس كلّ فرد حيّ.‏
المراجع
(*)  ‏ القرآن الكريم
(*)  ‏ محمد فؤاد عبد البّاقي : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم- دار الحديث
الهوامش
(1)  ‏ محمد فؤاد عبد البّاقي: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم- دار الحديث-طبعة 1-1412هـ/1992م-القاهرة- مصر- مادّة صلح من ص-410 إلى 412.‏
وهبة الزّحيلي وأصدقاؤه: الموسوعة القرآنية الميسّرة- دار الفكر المعاصر -1422هـ/2002م-سوريا - لبنان - ص-896.‏
(2)  ‏  فايزة عدلي: الإصلاح في القرآن - رسالة ماجستير كلية العلوم الاسلامية  جامعة الجزائر1432ه   2011 - 2012م من ص40 إلى 43
(3)  ‏ اُنظر المصدر السّابق- ص44  .‏
(4)  ‏ اُنظر مريم عبد القدّوس: الصّلح و الإصلاح- رسالة لنيل درجة الماجستير- جامعة أمّ القرى- كليّة الدّعوة و أصول الدّين-1420هـ/1990م-‏السّعوديّة من ص180إلى193 .‏
(5)  ‏ محمّد بن موسى بابا عمّي: مفهوم الزّمن في القرآن الكريم- دار الغرب الإسلامي- طبعة1-1421هـ/ 2000 م- ص53.‏