أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
من هو الله؟ بحث في أسمائه الحسنى (1)
 من هو الله ؟ أليس سؤال هرطقة؟
بديهتان قبل البداية : الإنسان لم يخل تاريخه من تديّن ما بطريقة ما إشباعا لجوحة الغريزة فيه وتلبية لجوعة جبلّية تغمره وأن حياته ‏تستقيم قوامة إعتدال وتوازن بقدر معرفته لذاته وعلمه بنفسه قدرا طرديا جدليا صارما. ومبتدأ علمه بنفسه هو علمه بالله الذي لم ينكره ‏خالقا في أي طور من أطوار حياته بما فيها الأطوار الإشراكية الموغلة في الصنمية العبثية. وهل يكفر النصارى واليهود والهندوس ‏والبوذيون اليوم ـ وهم ثلث الأرض ـ بالله خالقا؟ أبدا مطلقا. أين المشكلة إذن؟ التحرير الأصحّ للمشكلة هي أن أكثر الناس اليوم ـ ‏وبعضهم مسلمون ـ لا يعلمون عن الله إلا قليلا بما لا يكون فيهم بحسب ما سمّى نفسه في كتابه الأخير الذي تمحّض بالكلية للتعريف ‏به سبحانه إذ أن أزيد من تسعة أعشار القرآن الكريم إنّما هي آيات تتحــدث عن الله سبحانه سواء من فعله أو إسمه وسواء كان ذلك ‏قصصا أو تمثيلا أو إخبارا عن غيب أو إحالة على كون منظور. لم كان ذلك كذلك؟ لأن الخيط الفاصل بين الإعتقاد الإسلامي ‏الصحيح والإعتقاد الإشراكــي أدقّ من قطمير والعنصر المحدّد فيــه هو العلم الصحيــح الغزيــر بالله سبحانه ذلك أن مشركة العرب الذين ‏تنزل عليهم الكتاب الكريم كانــوا يشركون به سبحانه ملائكتــه أنهم بناته ( سبحانه ) تقديــرا خاطئا منهم أنه هو سبحانه أكبر وأعلى ‏وأقدس من أن يتوجّه إليه الإنسان الصغير الضعيف توجّها مباشرا فلا بدّ من واسطة أو حبل شفيع.
من هنا يستنبط المرء بيسر أن ‏منطلق الفكرة الإشراكية قبل أن تغمرها موبقات العلوّ طويّة حسنة ولكن زكاة الفؤاد قصدا لا تسمن من جوع عندما يتأخر الفؤاد نفسه ‏عن مقاومة سوءات التقليد وطمر ملكة التفكير أن تستمثر في الكون المنظور نظرا ثاقبا.
أغراض أخرى لطرح هذا السؤال : من هو الله ؟
أوّلا : الله الذي لا قوام لحياة الإنسان إلاّ بقدر العلم به نعرفه بوسائل ثلاث : العقل ( كما قال حجّة الإسلام الغزالي وغيره ) ومن ذلك ‏أنّه سبحانه أشار علينا وهو يدعونا إلى الإيمان به واحدا أحدا لم يلد ولم يولد بقوله برهانا عقليا صارما «أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ»[1]. والفطرة التي حقننا بها ونحن في عالم الذرّ «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا..»[2]. كما يحقن الواحد منّا اليوم ولده بحقنة تقيه التأثر بالمرض في قابل حياته ولله المثل الأعلى سبحانه. وبكتابه ‏المنظور المبثوث في السماء وفي الأرض وفي النفس وفي التاريخ حدائق ذات بهجة. لعلّ سائلا يسأل: أين دور القرآن الكريم في ‏التعرف الصحيح إلى الله سبحانه؟ الجواب هو : القرآن الكريم دوره هو التذكير بتلك المسارب الثلاثة إذ يحيل التالي أو السامع إليها مع ‏كل آية جديدة فيه. سل نفسك : أولئك الذين ماتوا ـ من مثل سميّة وغيرها ـ ولم يسمعوا منه ـ ولا حديث عن القراءة لأنّهم أمّيون وليس ‏هناك كتاب أصلا ـ عدا السّور القصيرة الأولى تنزّلا، كيف آمنـــوا وعرفوه سبحانه ودفعوا حياتهم ثمنا لذلك؟ تلك مسارب ثلاثة تتكافل ‏مجتمعة على بثّ الإيمان في النّفوس والإنسان يستثمر ذلك تطويرا وتحسينا أو يهمله.
ثانيا: من هو الله؟ في أقصر إجابة تكفّلت بها سورة هي من أقصر السّور أي سورة الإخلاص  الذي يعكس إسمها التّوقيفي وفاء ‏موضوعها وهي تعدل ثلث الكتاب الكريم كلّه. معنى ذلك هو أنّ معرفة الله سبحانه معرفة صحيحة تعدل ثلث الحياة الذي يوجّه الثلثين ‏الأخيرين إذ أنّ من عرف ربّه أحدا صمدا لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ضمن لنفسه وحياته الربّان القوي الأمين الذي يكفل ‏السّعادة للثلثين الأخيرين وهما : النفس أن تحفظ زكاة فلا تبخس حقّها من الطيبات ولا تجهد إضناء والإنسان أن يظلّ كما قال الإمام ‏علي : أخا في الدّين أو نظيرا في الخلق أي مكرّما مستأمنا حرّا
ثالثا: أكثر ما يعلن الله سبحانه عن أسمائه يكون في الفاصلة التي تفصل بين آيتين ولا بدّ أن تكون كلّ آية ـ إلا قليلا جدا ـ مشفوعة ‏بفاصلة تتكفل بكشف معناها بنسبة كبيرة تتجاوز الثّلث على الأقل. هذا غرض علمي. خذ إليك مثلا. عندما قال سبحانه في سورة ‏النّور «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ». جاءت الفاصلة «إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون»[3]. فدلّ ذلك ‏على أنّ عدم الغضّ من البصر ليس كبيرة تستوجب العذاب لا في الدّنيا ( حدّا أ وتعزيرا ) ولا في الآخرة ولكنّه يحمل وعيدا منه ‏سبحانه أنّه يخبر الذي لا يغضّ من بصره خبرا بما صنع ظاهرا وبما يبطن نفسا. ولكنّه عندما نهى عن الزّنى الفاحش بمعناه الشّرعي ‏الصّحيح وبلازماته الإشهاديّة نظّم الآي نظما يتجاوز الوعيد إلى ترتيب العذاب الدّنيوي وهو في السورة نفسها ( النور ) إذ قال في ‏أوّلها : «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ» [4]. وذلك هو دور كلّ فاصلة تبيّن من هو الله حيال هذه الطّاعة وتلك ثوابا ‏ومن هو الله إزاء تلك المعصية والأخرى عقابا
‎ ‎رابعا : ويظلّ الغرض الأسنى من العلم بالله سبحانه علما صحيحا هو تحرير التّوحيد الإلهي من كلّ شائبة شرك تجعل الفؤاد متعلّقا ‏بشيء غيره سبحانه وخاصّة في زمن السرّاء. أما في الضرّاء، فإنّ الإنسان هو خير العابدين «حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ»[5]. السؤال هو : ما هي المنافع التي يجنيها الإنسان من تحرير ‏فؤاده تحريرا كلّيا ليظلّ متعلقا بالله وحده سبحانه في كلّ الأحوال؟ الجواب لم يبخل به النّظم القرآني الكريم نفسه إذ أرشد إلى أنّ ‏الإنسان وحدة كاملة قائمة لا تتجزأ فؤادا وأصلا وروحا ووجهة فإذا إنفصمت عرى تلك الوجهة في الحياة إفترسته بعض موجودات ‏الكون أو طواغيت الدّنيا وإحتوشته مظاهرها ومثّل لنا ذلك بمثل بديع قال فيه «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»[6]. كما ضرب لنا فيه مثلا مضادّا إذ قال متوسلا بآلية المقارنة العلمية ‏‏«وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ»[7]. تلك هي منفعة تحرير التوحيد الإلهي ‏وتخليصه من كلّ شائبة شرك أو كفر وهي منفعة يجد الإنسان بردها وسعادتها أنسا في فؤاده لا يجده غيره حتّى لو حيزت له الدّنيا ‏بحذافيرها كما سيقت لقارون، ولعلّ المرض الأشد فتكا بالنّاس اليوم وهم في رغد من العيش هو مرض الكآبة والحزن والقلق وكثيرون ‏من المرضى ينتحرون وهم متربّعون على عروش الدّنيا كسبا ومالا.
ما هي أغراض هذه السلسلة ( من هو الله )؟
أوّلا : تتبّع أسمائه سبحانه كما وردت في القرآن الكريم أوّلا ثم في الحديث الصّحيح ثانيا، ذلك أنّ الله يعرف من أسمائه التي تدلّ عليه ‏سيما أنّها ناهزت المائة من ناحية وأنّ بعضها ـ وهي أمّها في الحقيقة كما سنرى إن شاء الله ـ تكرّر مرّات كثيرات من جهة أخرى، ‏ومن جهة ثالثة إحتلت صياغة الفاصلة بعد كلّ آية لتبيّن للتالي والسّامع معنى الآية كما تبيّن له من هو الله حيال تلك الطّاعة أو تلك ‏المعصية، أي ما هي مقادير عفوه وما هي مقادير غضبه أو وعده ووعيده. الله سبحانه يعرف كذلك بأعماله وأفعاله وأقواله في القرآن ‏الكريم ولكن الإحاطة بها غير ممكنة مطلقا. لئن كانت أسماؤه محدودة رغم إختلافات سترد علينا، فإن أفعاله لا يمكن عدّها أمّا ‏الإحصاء فلا يحيط لا بإسمه ولا بفعله. ولذلك نقصر الكلام بحثا في ( من هو الله ؟) على أسمائه فحسب. لا نقصر الحديث عن التتبع ‏بل نحاول فرزها فرزا إستقرائيا يمكّن من جدولتها بحسب موضوعاتها إذ في ذلك عبرة عظمى لمن يجتنيها، كما نتفرغ لقراءة معانيها ‏مثبتة في مظانها وليس معزولة عنها لأنّها كذلك وردت وبذا نتبيّن أنّه يعرّفنا عن نفسه سبحانه لغرض عملي لا نظري فحسب. كما ‏ننظر فيما يمكن تمثّله منها كخلق الرّحمة مثلا وما لا يمكن من ذلك كخلق التكبّر مثلا ومثل ذلك التسمّي بها أو ببعضها ومن ذلك كذلك ‏إمكانية صناعة إسم من فعل وهو محلّ خلاف بين الباحثين كما سيرد ذلك بتفصيل إن شاء الله ولا خلاف أن أسماءه ـ سيما الواردة ‏في القرآن الكريم الصّحيح حركة حركة حفظا منه سبحانه ـ توقيفية لا إجتهادية.
ثانيا : إستقراء الأسماء تحت هذا السقف الأعظم الحامي ( ليس كمثله شيء ). وليس معنى ذلك إستدعاء مباحث علم الكلام القديم الذي ‏خاض في الأسماء خوضا بدأه بمشروعية مقاومة المدّ اليوناني ثمّ التسللات الكتابية سوى أنّه ـ ربما ـ غالى في ذلك في إثر إستقلال ‏الدّولة بالسّلطان وإضطرار المجتمع وفعالياته إلى مسافة أمن إتقاء سيفها وفي إثر إرخاء الإنحطاط ذيوله على الأمّة. تلك أمّة لها ما ‏كسبت وذاك علم ضمرت مباحثه اليوم ولكنّ الفلسفة بحثا عن الحكمة والحقيقة لا تموت ولا تضمر وبذا تتجدّد التّحديات الكلامية ‏الفلسفيّة العقليّة، فهل ينشأ علم كلام معاصر يقاوم تحديات الإستبداد والقهر والعلمانيّة بأسماء الله من جديد؟ أم نظل نجترّ ما طعمنا قبل ‏قرون غافلين عن زماننا ومكاننا بإسم السّلفية أو المحافظة أو الإتباع أو الخوف على الذات والهوية؟ ( ليس كمثله شيء ) هو السقف ‏الذي يظل أسماءه كلها وفي قراءتها مجتمعة متكافلة ومثبّتة في مظانها ( فواصلها ) يمكن لنا أن نلتحم بذلك السّقف الحامي تحريرا ‏لأنفسنا من وهدات الجهل به سبحانه ولا جدال في أن معرفة الذات تبدأ من معرفة باريها سبحانه، فمن عرف ربّه عرف نفسه والعكس ‏صحيح : من عرف نفسه عرف ربّه. والثمرة هي : عرف رسالته في الحياة.‏
خلاصات أوّلية من الإستقراء
أوّلا : أسماؤه سبحانه لا تحصى ـ أي لا تعدّ مجرد عدّ ـ إحصاء دقيقا صحيحا لأسباب منها تنوعات ورودها فهي مرّة مفردة ومرّة ‏مركبة والتركيب مرّة من إسمين كاملين ومرّة نسبة بأحد الأسماء الخمسة ( ذو) ومرّة مفردة ومرّة بصيغة الجمع ومرّة بصيغة ‏التجريد ومرّة بصيغ مبالغة كثيرة وهذا هو الأغلب فيها ومرّة معرّفة ومرّة منكّرة بمختلف صيغ التنكير ومرّة بخطاب مباشر ومرّة ‏نقلا عن نبيّ أو غيره ومرّة منسوبة بإسم إشارة ومرّة غير منسوبة ومرّة مصنوعة من فعل وارد ومرّة بغير ذلك ومرّة بمحمدة سلبية ‏من مثل قوله «وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ»[8] وهذا كثير ومنها ما يرد مؤكّدا بحرف أو بغيره ومرّة ما ليس كذلك وغير ذلك من صيغ ‏الورود بما يعسر معه حقيقة مجرّد العدّ. أما الأحصاء فهو شيء آخر نتعرّض إليه لاحقا بحوله سبحانه. هذا دون تتبّع ما ورد في ‏الحديث ومنه صحيح وحسن وضعيف وموضوع وغير ذلك . أمّا ما أورده الإمام الترمذي في الحديث الصحيح المتفق عليه ( إن لله ‏تسعا وتسعين إسما مائة إلا واحدا من أحصاها ـ أو حفظها ـ دخل الجنة ) فهو مدرج بتعبير فقه الحديث أي أن الأسماء التي أدرجها بعد ‏الحديث الصحيح هو إجتهاد منه  ولم يرد ذلك في قوله قطعا عليه الصلاة والسلام. ومن هنا تنشأ المشكلة الأولى : أي معنى لهذا العدد. ‏هل هو للمبالغة كما يرد في بعض المواضع في القرآن والحديث وكما عليه لسان العرب؟ أو هو للتعيين والتحديد وهنا يصطدم التعيين ‏بالحقيقة إذ أن عدد الأسماء حتى القطعية المثبتة في القرآن الكريم تفوق ذلك العدد كما يتبيّن لكل راصد؟ أم أن الأسماء الحسنى شيء ‏وبقية الأسماء شيء آخر؟ أم أن الحديث نفسه لا يثبت؟ كيف وقد عدّ متفقا عليه بين الشيخين وقد أخرجه غيرهما؟ إحتمالات واردة ‏ولكنها لا تطعن في المقصد الأسنى من ثبوت أسماء لله سبحانه في كتابه العزيز المحفوظ ولا غرض منها عدا تصحيح حقيقته وهويته ‏عند عبيده فإذا عرفوه وعلموا به كما هو أحبوه وعبدوه وصانوا حياتهم من العبث والهوان. والكيس الفطن من يتعلق بالمقاصد ويهمل ‏المباني سيما إذا شاغبها الإختلاف
ثانيا : أكثر الأسماء العشر الأولى تداولا في الكتاب العزيز هي ( العليم 154 مرة) ثم ( الرحيم 113 ) ثم ( الغفور والحكيم لكليهما ‏‏91) ثم ( العزيز 87) ثم ( الرحمان 57 ) ثم ( الخبير والسميع والقدير لكل منها 45) ثم ( البصير 41). وعبرة هذا الأستقراء الأوّلي ‏هو أن رسالة الله إلى الناس جميعا هي أنه  بكل شيء عليم أوّلا وقبل كل شيء علما وخبرة وسمعا وبصرا وقدر ذلك كما ترى هو ‏‏( 285 مرة ) عدا ما يرد علينا فيما يلي من حلقات هذه السلسلة بما يؤكد هذا المعنى. فإذا ترسخت فينا عقيدة علمه بكل شيء فإنه ‏يخبرنا بأنه ـ رغم علمه بكل شيء ـ ليس رحيما بنا فحسب بل رحمان وغفور وقد إحتل هذا كما ترى (261) وسيرد علينا ما يدعم ‏ذلك فيما يلي من حلقات. فإذا قرّ فينا الإعتقاد أنه بكل شيء عليم وأنه رغم ذلك رحيم غفور أخبرنا بأنه عزيز وقدير لا يندّ عنه شيء ‏ولا يعجزه شيء لنعتقد أنه يكفينا الشرور والضراء فلا نتعلق إلا به وكيلا ولا نخشى سواه وقد إحتلت هذه القيمة كما ترى ( 132 ‏مرة ) عدا ما يأتي داعما لذلك في الحلقات القابلة. ومن هنا نطمئن إلى أن أخص أسمائه سبحانه التي تبدأ في تصوير هويته التي بها ‏نرتب حياتنا هي : العلم والرحمة والقوة وبهذا الترتيب التفاضلي. وما يرد من أسماء أخرى هو في الغالب متفرع عن هذه المنظومة ‏القيمية العليا المتعلقة بهوية الله سبحانه. ويظل إسم ( الحكيم 91 مرة) مترددا بين الحكم ـ فهو منحاز لقيم العزة والقوة والقدرة ـ وبين ‏الحكمة ـ فهو منحاز لقيمة أخرى مستقلة هي الرابعة تباعا للمنظومة الثلاثية المتقدمة وهي قيمة الحكمة أي وضع كل شيء مناسب في ‏إطاره المناسب. وبذا يطمئن الإنسان إلى أن الكون كله قدرا وشرعا وجبلّة يسير في إنتظام وإنسجام ووئام بما يغذي في الإنسان خلق ‏التعلق بالله وحده سبحانه. كيف لا وهو أوّلا وقبل كل شيء : الأعلم والأرحم والأعز الأقوى والأحكم؟
الهوامش
[1] سورة الأنعام - الآية 101
[2] سورة الأعراف - الآية 172
[3] سورة النور - الآية 30
[4] سورة النور - الآية 2
[5] سورة يونس - الآية 22-23
[6] سورة الزمر - الآية 29
[7] سورة الحج - الآية 31
[8] سورة فصلت - الآية 46