الإنسان والسماء

بقلم
نبيل غربال
السماء والطارق ‏«الجزء 3/4»
 سنخصص هذا الجزء بالكامل الى معنى الجذر (ط ر ق) لما يكتسي من أهمية بالغة في التدبر العلمي للآيات القرآنية ﴿ وَالسَّمَاءِ ‏وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)‏‎ ‎‏﴾ من سورة الطارق. وفيه اجتهاد شخصي لمحاولة القبض على ‏المعنى الأصلي للطرق باعتماد تصور يربط الكلمة بتجربة حقيقية قديمة قدم الانسان وقدم اللغة. ومبرر ذلك ما اكتشفناه من ‏معان كثيرة عند تتبع الجذر في المعاجم اللغوية وافتقار الدليل عند القائلين بأصل محدد لمعناه ما عدا ما يستشهدون به من ‏أمثلة لاستعماله في اللسان العربي.‏
أصل الطرق في المعاجم
في المعجم الغني (عبدالغني أبو العزم -صدر: 1421هـ/2001م ) «طَرَقَ (فعل: ثلاثي. لازم ومتعدٍّ. مزيد بحرف)، طَرَقْتُ، ‏أَطْرُقُ، اُطْرُقْ، المصدر: طَرْقٌ، طُرُوقٌ»‏‎.‎‏ وبمراجعة أمهات المعاجم العربية لتتبع المعنى الاصلي لكلمة الطرق وجدنا أن ‏أصل الطرق هو الضرب أي ان الضرب هو القدر المشترك من المعنى الذي يتفق حوله أغلب المعجميين. فنقرأ مثلا في ‏تهذيب اللغة لابي منصور الأزهري (ت 370هـ/980م)» قال الزَّجَاجُ‎: ‎وأصلُ الطّرْقِ: الضَّرْبُ‎.‎‏ ومنْهُ سُمِّيَتْ مِطرَقَةَ الصَّائِغِ ‏والحَدّادِ؛ لأَنّهُ يَطرُق بها، أيْ: يَضْرِبُ بها وكذلكَ، عَصَا النّجّاد الذِي يضْرِبَ بها الصُّوْفَ‎.‎‏» وفي المفردات في غريب القران ‏‏(الراغب الاصفهاني، ت 502 ه) « والطرق في الأصل كالضرب، الا أنه أخص، لأَنه وَقْع بضَرْب كطَرْق الحَدِيد بالمِطْرقة، ‏‏». يشبه الاصفهاني الطرق بالضرب ويدقق المعنى بإضافة الوقع أي صوت الضَّرب بالشَّيء (وَقْع أقدام/حوافر)‏‎.‎‏ وهذا تدقيق ‏يؤدي الى نفي الترادف وهو ما نتبناه في تدبرنا العلمي للآيات القرآنية.  كما نقرأ أيضا في لسان العرب (ابن منظور ‏الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م)»وأَصل الطَّرْقِ الضَّرْبُ... وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه رأَى عَجُوزًا تَطْرُقُ شَعرًا»؛ هُوَ ضَرْبُ ‏الصُّوفِ وَالشَّعْرِ بِالْقَضِيبِ ليَنْتفشا». وفي تاج العروس لمرتضى الزَّبيدي (ت 1205هـ /1791 م) «[طرق]: الطَّرْقُ: الضَّرْبُ ‏هذا هو الأَصُل». والضرب « إيقاع شيء على شيء كضرب الشيء باليد والعصا والسيف» (الراغب ت 502 ه). ورغم أن ‏أصل الطرق هو الضرب وهو حركة يعقبها توقف وينتج عنها صوت، حركة لأداة الضرب حتى تصطدم بالشيء المضروب ‏فإننا نجد أحمد ابن فارس (ت 395هـ/1005م) يعدد في مقاييس اللغة أربعة أصول للجذر (ط ر ق) بعد استقرائه للسان العرب ‏في استعمال تلك المادة فيكتب: «(طَرَقَ) الطَّاءُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ أَرْبَعَةُ أُصُولٍ، أَحَدُهَا: الْإِتْيَانُ مَسَاءً، وَالثَّانِي: الضَّرْبُ، وَالثَّالِثُ: ‏جِنْسٌ مِنِ اسْتِرْخَاءِ الشَّيْءِ، وَالرَّابِعُ: خَصْفُ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ‎.‎‏ فَالْأَوَّلُ الطُّرُوقُ‎.‎‏ وَيُقَالُ إِنَّهُ إِتْيَانُ الْمَنْزِلِ لَيْلًا‎.‎‏ الْأَصْلُ الثَّانِي: ‏الضَّرْبُ، يُقَالُ: طَرَقَ يَطْرُقُ طَرْقًا‎.‎‏ وَالشَّيْءُ مِطْرَقٌ وَمِطْرَقَةٌ‎.‎‏ وَالطَّرْقُ: ضَرْبُ الصُّوفِ بِالْقَضِيبِ، وَذَلِكَ الْقَضِيبُ مِطْرَقَةٌ‎.‎‏ ‏وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: اسْتِرْخَاءُ الشَّيْءِ‎.‎مِنْ ذَلِكَ الطَّرَقُ، وَهُوَ لِينٌ فِي رِيشِ الطَّائِرِ‎.‎‏ وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ: خَصْفُ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ‎.‎يُقَالُ: ‏نَعْلٌ مُطَارَقَةٌ، أَيْ مَخْصُوفَةٌ‎.‎‏ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الطِّرْقُ، وَهُوَ الشَّحْمُ وَالْقُوَّةُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَيْءٌ كَأَنَّهُ خُصِفَ بِهِ‎.‎‏ يَقُولُونَ: مَا بِهِ ‏طِرْقٌ، أَيْ مَا بِهِ قُوَّةٌ‎.»‎‏ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الطَّرَقُ: مَنَاقِعُ الْمِيَاهِ ; وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِالشَّيْءِ يَتَرَاكَبُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ‎.» ‎‎»‎وَمِنَ الْبَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ : الطَّرِيقُ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ شَيْءٌ يَعْلُو الْأَرْضَ، فَكَأَنَّهَا قَدْ طُرِقَتْ ‏بِهِ وَخُصِفَتْ بِهِ‎.»‎‏ وَمِنْهُ [رِيشٌ] طِرَاقٌ، إِذَا كَانَ تَطَارَقَ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ.» ‏
التجربة الحسية ودلالة الطرق
فكيف يمكن أن يكون لكلمة واحدة معان أصلية أربعة ونحن في تدبرنا العلمي للقران الكريم ننطلق من أن لكل لفظ معنى أصليا واحدا ‏نفترض أنه مرتبط بتجربة إنسانية يمكن استقراؤها رجوعا الى فجر البشرية ونفترض أيضا في منهجيتنا أن القران الكريم ‏يستعمل هذا المعنى حتى لا تكون هناك فوضى في المعاني؟. فاللفظ عندنا قد وضع لمعنى ما ومن الصعب وربما من المستحيل ‏أن يوضع لمعنى ثان فضلا عن أن يوضع لمعان أربعة كما يقول ابن فارس في المادة (ط ر ق). لذلك نرى أنه لا بد من وجود ‏أصل مشترك يعود الى تجربة عملية كانت أساسا لوضعه ولا بد أن يكون الانسان قد مارسها منذ أن جعله الله خليفة في ‏الارض. فما هي تلك التجربة التي جعلت الانسان يطلق عليها لفظ طرق؟ وهل يمكن إعادة الأصول الأربعة للمادة (ط ر ق) ‏الى معنى واحد انتجته تلك التجربة؟ نعتقد أن عناصر الإجابة على السؤال توجد بشكل ضمني في تعريف الراغب للطريق ‏بانه « السبيل الذي يطرق بالأرجل، أي يضرب. قال تعالى: (طريقا في البحر) [طه 77]». وفي تحديده أيضا لمعنى مادة ‏‏(ض ر ب) إذ يقول «الضرب إيقاع شيء على شيء. والضرب في الأرض: الذهاب فيها هو ضربها بالأرجل.» واضح جدا ‏أن الطريق هو ذلك الجزء من سطح الارض الذي يطرق بالأرجل أي يضرب والطارق هو السالك للطريق لأنه يضربه ‏برجليه. ان لفظ الطريق مشتق من الجذر طرق والعربية لغة اشتقاق بامتياز ولذلك ستكون تلك التجربة وما تنتجه في الواقع ‏هو الضوء الهادي الى المعنى الأصلي الذي من أجله وضع اللفظ طرق باعتباره يحيل على حقيقة عملية لا يرقى اليها الشك ‏من حيث وجودها وأصالتها وهي الضرب في الأرض بمعنى السير. انها فعل الحركة والتنقل في الأرض بالأرجل حين لم ‏يكن الانسان يستعمل أي وسيلة اخرى. ان كلمة طرق تعني في الأصل الضرب كما أسلفنا القول لكن ليس أي ضرب بل ‏ضرب الأرض بالأرجل. فلفظ «الطَريقُ: السبيلُ « كما في صحاح العربية لابي نصر الجوهري (ت 393هـ/1003م). لكن ‏وباعتبار أنه لا ترادف بين طرق وضرب، فلا بد أن يكون في معنى الطرق معنى أو معان أخر مع الضرب. لقد ذكرنا معنى ‏الصوت من قبل عندما عرضنا ما قاله الاصفهاني من أن الطرق هو وَقْع بضَرْب مثل قولنا وَقْع الأقدام أو وقع الحوافر, ‏ونرى ان مع الصوت هناك معنى اخر سنعود لتوضيحه بعدما نحلل ما وجدنا في مقاييس اللغة عن مادة (ط ر ق) ونبين ان ‏هناك أصلا واحدا يعود اليه معنى كل لفظ مشتق منه وليس أربعة.‏
ابن فارس والأصول الأربعة للطرق
‏ بعد أن بينا ما يمكن أن يكون الاصل الحقيقي لمادة (ط ر ق) وفق تصور موضوعي مبني على الأصل الوضعي للكلمة وهو ‏ضرب الأرض بالارجل نعود الى ابن فارس لنحلل ما قال ونبدأ بالسؤال التالي: من أين استمد الجذر (طرق) المعاني الاربعة ‏التي يقول ابن فارس بأنها أصلية؟ بالنسبة الى الأصل الأول أي الْإِتْيَانُ مَسَاءً فنذهب الى ما ذهب اليه ابن عاشور من أنه ‏استعمال ليس على سبيل الحقيقة بل على سبيل المجاز المرسل. ففي تفسير التحرير والتنوير (ابن عاشور، ت 1393 هـ)‏‎ ‎نقرا ‏‏»و {الطارق} وصف مشتق من الطروق، وهو المجيء ليلاً لأن عادة العرب أن النازل بالحي ليلاً يطرق شيئاً من حجر أو ‏وتد إشعاراً لرب البيت أن نزيلاً نزل به لأن نزوله يقضي بأن يضيفوه، فأطلق الطروق على النزول ليلاً مجازاً مرسلاً فغلب ‏الطروق على القدوم ليلا». فتسمية الاتي ليلا طارقا جاءت لأنه يحتاج الى طرق الباب أي ضربه بيده أو بجسم اخر كما نفهم ‏من كلام ابن عاشور لكن الطارق لا تستعمل فقط للاتي ليلا مطلقا بل حتى للذي يأتي نهارا لذلك نعتقد أن الطارق هو اسم ‏فاعل لمن يطرق الأرض برجليه متنقلا من مكان الى اخر فالقادم من مكان ما، هو طارق للأرض بالضرورة عندما كان ‏الانسان في بداية عهده بالحياة في الارض. والمعنى نفسه نجده في تاج العروس «وفي المفردات الطارق السالك للطريق لكن ‏خص في التعارف بالآتي ليلا فقيل طرق اهله طروقا». فالتعارف وليس الأصل في الوضع هو الذي جعل كلمة طارق ترتبط ‏بالآتي ليلا واعتمادها للقول بان النجم سمي طارقا لأنه يظهر ليلا هو تأويل لا يلتزم بالمعنى الأصلي للفظ الطرق لذلك قد ‏عفى عنه الزمن رغم ما كان يبدو وجيها في الماضي فالنجم موجود في السماء ليلا ونهارا ولا يحجبه عنا الا ضوء الشمس. ‏
أما الأصل الثاني عند ابن فارس فهو الضرب وهذا يعني انه يساوي بين الطرق والضرب في المعنى.   صحيح أن معنى ‏الضرب موجود في الطرق، فالطرق ضرب ولكنه « أخص، لأَنه وَقْع بضَرْب» كما قال الراغب الاصفهاني لكن الطرق ليس ‏الضرب في المطلق. يكفي أن نمشي على الأرض حتى نسمع صوت أرجلنا وهو أمر وان يبدو لا قيمة له الان ولكنه أساسي ‏عندما كان الانسان مرهف السمع في علاقته بالبيئة الطبيعية التي وجد فيها. ان السير مرتبط بالضرب بالأرجل على الأرض ‏والضرب يحدث صوتا لذلك يحمل الطرق معنيي الضرب والصوت.‏
في الأصل الثالث يقول ابن فارس أن الطرق جنس من الاسترخاء مستشهدا بالقول «الطَّرَقُ، وَهُوَ لِينٌ فِي رِيشِ الطَّائِرِ». ولكن ‏للريش حظ أيضا في الأصل الرابع أي الخصف حيث يقول ابن فارس: « وَمِنْهُ [رِيشٌ] طِرَاقٌ، إِذَا كَانَ تَطَارَقَ بَعْضُهُ فَوْقَ ‏بَعْضٍ». فما هو الخصف؟ وما العلاقة بين الاسترخاء والخصف حتى نجد مشتقات من مادة الطرق تعبر عنهما؟ نعود الى ‏مقاييس اللغة فنجد في مادة خصف ما يلي:«الخاء والصاد والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على اجتماعِ شيءٍ إلى شيء. ‏الخَصْف خَصْفُ النَّعْل، وهو أن يُطَبَّق عليها مثلُها»‎.‎‏ وفي الرائد « خصف الشيء على الشيء: ألصقه به واطبقه عليه». فاذا ‏كانت علاقة الطرق بالضرب والصوت الناتج عنه قد وضحت بفضل التجربة التي نعتقد أنها كانت في أصل إطلاق اللفظ ‏وهي السير في الأرض فما علاقة الطرق باجتماع شيء الى شيء والالصاق به والاطباق عليه؟ التجربة الأولى عينها هي ‏التي تسعفنا ولا شيء اخر. انها فعل التنقل. أليست النتيجة المباشرة للضرب على الأرض بالأقدام هو تغيير حالتها. فقبل أن ‏تصبح الأرض سالكة لا بد من أن يكون الانسان قد تنقل فيها كثيرا. وهذا التنقل جعل الأرض تصبح صلبة بعدما كانت وعرة ‏قبل التحرك فيها. انظروا الى المسالك التي تنشا بكثرة المرور فيها ألا تروا أن الأرض فيها متماسكة أكثر مما هي على ‏جانبي الطريق؟ أليس الطريق هو ذلك الجزء من سطح الأرض الذي تكثفت مكوناته بفعل الضرب بالأرجل؟ فالحصيات ‏وحبيبات الرمل والقطع الصخرية الصغيرة ازدادت تفتتا باصطدامها بالأرجل بعد انضمام فيما بين اجزائها ما أدى الى مزيد ‏اقتراب تلك الأجزاء من بعضها البعض ونقص حيز الفضاء الفارغ بينها أي تراكب بعضها على بعض وتكثفها.  وكل ذلك ‏يفسر كيف أصبحت الأرض صلبة يابسة سهلة الحركة أي أصبحت طريقا يسلك. ان ما يدعم هذا الاتجاه في الفهم هو ما نجده ‏في أساس البلاغة لابي القاسم الزمخشري (ت 538 ه ) حيث يقول « طرق طريقا ‏‎:‎‏ سهله حتى طرقه الناس بسيرهم». ولا ‏تطرقوا المساجد«لا تجعلوها طرقا وممارا». وفي تاج العروس « الطريقة: السهلة من الأرض كأنها قد طرقت، أي ذللت ‏وديست بالأرجل». اننا عندما نجد في تهذيب اللغة عن أبو عبيدة عن الاصمعي أنه قال «طارق الرجل نعليه، اذا أطبق نعلا ‏على نعل»، ألا يحيلنا ذلك الى التجربة الأولى وهي ضرب الأرض بالأرجل وما ينتج عنها من اطباق الجزيئات الصخرية ‏المفتتة بالدوس المستمر على بعضها البعض؟ ألا يقول العرب (في نفس المصدر) أطرقت الأرض، إذا ركب التراب بعضه ‏بعضا؟  ألا يقول العرب ريش طراق إذا كان بعضه فوق بعض (منتخب الصحاح لابي نصر الجوهري ت 393 ه)؟
ان الاسترخاء بمعنى الانبساط والسهولة واللين التي في الريش هي نتيجة لكونه مخصوف بمعنى كثيف مضموم ومنضد كذلك ‏حال الجزء من سطح الأرض عندما يصير طريقا فانه يصبح منبسطا سهلا للحركة بحكم ما شهده من تغير لحال الصخر ‏بفعل الطرق الذي سلط عليه. ‏
ان الراي عندنا هو أن أصل الطرق الضرب ولكن ليس أي ضرب بل ضرب الأرض بالأرجل وتلك أقدم التجارب الإنسانية ‏على الأرض وهو ما يبرر القول بالمعنى الأصلي للكلمة ومنه جاء الطريق. والضرب هو اصطدام بين شيئين وهنا اصطدام ‏الأقدام بسطح الأرض الصخري. ولكن ما يجعل الطرق أخص من الضرب هو ما ينتج عنه. ان ضرب الأرض بالأرجل ينتج ‏صوتا ويحدث تغيرا لحالة الجسم المضروب أي سطح الأرض فيصبح حينها مطروق. وتتميز حالة سطح الأرض عما كانت ‏عليه من قبل الطرق بتكثف مكوناته الصخرية بعدما تفتتت أكثر فأكثر بفعل الدوس وتراكب بعضها على بعض بإحكام وقوة ‏إذ يقول العرب أن ما به طرق أي ما به قوة واصبحت طريقا يبسا. وهذ ا المعنى يجد ما يعضده في الآية 77 من سورة طه ‏‏ «وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا»ٰ وهو ما مثل لنا دافعا منهجيا باعتبار تحركنا في ‏نفس الحقل الدلالي لكلمة الطرق في الاستعمال القرآني. ان الربط فيها واضح بين الضرب والطريق وما يجعله أن يكون طريقا ‏وهي الحالة اليابسة له. ان الياء والباء والسين: أصلٌ صحيح يدلُّ على جفاف كما يقول ابن فارس أي أن الصخر يصبح جافا ‏بعد أن يخسر رطوبته مما يسمح باقتراب مكوناته من بعضها البعض وتكثفها لتصبح شديدة الصلابة قادرة على تحمل حركة ‏البشر فوقها. ‏
بعد أن دققنا في المعنى الأصلي لمادة طرق من خلال ربطها بما نعتقد أنها المناسبة التي وضع من أجلها لفظ طرق وهي السير ‏في الأرض، نتساءل: هل نجد تلك المعاني التي حددناها أو بالأحرى تلك التي تفرضها تجربة الضرب في الأرض بالأرجل ‏كالوقوع والوقع والاصطدام والتجميع بشدة واحكام بعد التفتيت وما يؤدي ذلك الى التكثف والاطباق وما يقتضيه من شدة ‏واحكام تجعل جزءا من سطح الأرض طريقا ‏‎;‎وهي معان تحملها المادة (طرق)، هل نجدها في نجم ما من نجوم السماء حتى ‏نسميه طارقا؟  الإجابة تتطلب بداية تذكر مراحل تطور النجوم وهو ما فصلنا الكلام فيه في الجزء الثاني من المقال لذلك ندعو ‏القارء الكريم للعودة اليه وفي الجزء الرابع والاخير سنتناول أحد انواع النجوم والتي سيتبين لنا عند التركيز على الالية التي ‏تحدد مصيرها النهائي أنها مرشحة بارزة وربما الوحيدة لأن تكون هي المعنية بالطارق في الآيات الثلاثة الأولى من سورة ‏الطارق.