رأي للنقاش

بقلم
محمد المعالج
الشباب والسياسة
 كثر الحديث عن عزوف الشّباب العربي عن المشاركة في الشّأن السّياسي لعدّة عوامل أبرزها السّقوط الأخلاقي للسّواد الأعظم من ‏السّياسيين فضلا عن عدم تنفيذهم لوعودهم التي قطعوها على أنفسهم على امتداد الحملات الانتخابيّة قبيل عملية التّصويت. كما أنّ ‏أحلام هؤلاء الشّباب اصطدمت بصخرة اليأس في ظلّ واقع حتّم عليهم البحث عن حلول تقطع مع الماضي السّحيق. 
إضافة إلى ‏كلّ هذا، فإنّ آخر الاحصائيّات تشير إلى أنّ أكثر من 40 في المائة من الشّباب في تونس غير معني بالشّأن العام لا سيما وأنّه ملّ ‏الوعود الزّائفة والشّعارات الرّنانة التي لم تترجم إلى برامج فعليّة بقدر ما اقتصرت على مجرد كسب ودّ شباب ومخاطبة قاعدة ‏انتخابيّة لا تلقي لها بالا بعد الوصول الى سدّة الحكم. فالنّخبة السّياسية نجحت في بيع الوهم وليس الحلم بالنّسبة للشّباب الذي علّق آمالا كبيرة على الثّورة ولكن السّباع والذّئاب المتربّصة به خذلته وقطفت الثّمار بمفردها. نخبتنا أناس يطاردون التّصويت بأيّ ‏وسيلة. ‏
وفقا لدراسة حديثة قامت بها مؤسّسة «فريدريش ايبرت» حول الشّباب في الشّرق الأوسط وشمال افريقيا بعنوان «في مواجهة ‏الإحباط: لمحة عن التّقييم الذّاتي للشّباب التّونسي، أظهرت النّتائج أنّ أكثر من ثلثي المستجوبين غير مهتمّين بالسّياسة في ‏حين أنّ خمسهم لا يظهر سوى القليل من الاهتمام. 
كما استقى المستجوبون لهذه الفئة من الشّباب التّونسي نبرة تشاؤميّة منقطعة ‏النّظير مقارنة بالوضع الذي كان قبل الثّورة. فقد لمسوا خيبة الأمل التي تطبع حديث الشّباب الذي لم يستطع ترجمة أفكاره ورُؤاه ‏على الأرض. ‏
و تعود هذه النّسب والمؤشّرات السّلبيّة أساسا الى عدم ثقة الشّباب في السّياسيين. اذ صرّح تسعة أعشار منهم أنّ أغلب الفاعليــن ‏السّياسييــن الرّسمييــن يتّسمون بالكذب والغرور فضلا عن كونهم غير جديرين بالثّقة. من هنا، نتبين وجــود نوع من القطيعة الجليّــة ‏للعيان بين عيّنة محترمــة من الشّبـاب وبين السّياسييــن بصفة عامّــة. كما تنطوي هذه العلاقة التّصادميّــة عن أزمة ثقة حادّة جسّدتها ‏نسب  التّصويت في الانتخابات البلديّة الأخيرة.‏
هذه النّتائج في ظاهرها تبدو منطقيّة وعاديّة ولكن في باطنها تنطوي على العديد من الحقائق التي ينبغي للعاقل عدم تجاهلها. 
أوّل ‏هذه الحقائق هو أنّ معظم الشّباب يشعر بالغثيان من الطّبقة السّياسية برمّتها. وهذا دليل على وجود خلل عميق بالمشهد السّياسي ‏الذي لم يرتق الى مستوى انتظارات الشّباب وتطلّعاتهم بل بالعكس ساهم في تأزيم الأوضاع العامّــة والرّفــع من حالــة الاحتقان ‏بالبــلاد.ولعــلّ ارتفــاع نسبــة الوقفات الاحتجاجيّة خير دليل على ذلك. 
علاوة على ذلك، فإنّ هذا النّفور المبرّر الى حدّ ما بالنّظر الى ‏ما قدّمته النّخب السّياسية من وعود لم تتحقّق، والأدهى والأمر أنّها كانت خياليّة الى أبعد الحدود قد يفضي الى ضياع معركة ‏الوعي التي تخوضها البلاد منذ الثّورة.  ‏
في نهاية المطاف، ينبغي التّفطن الى العلاقة القائمة بين كل من الشّباب الحالم بمستقبل أفضل وبين السّياسييّن المنشغلين في ‏حساباتهم الحزبيّة وصراعاتهم التي تتنافى مع مصلحة البلاد والعباد. حيث من المرجّح أن تكون لهذه العلاقة ارتدادات من شأنها ‏أن تعطّل مسار البناء الدّيمقراطي من خلال تفاقم العجز الاقتصادي والذي قد يدفع بدوره الشّباب نحو الاحتجاج والمطالبة ‏بتحسين الأوضاع العامّة ممّا يزيد من تعميق الأزمة.  ‏
لذا، لا بدّ أن ندقّ ناقوس الخطر في خضم هذه المؤشّرات التي لا تنذر بخير. فهذا النّفور ستكون له لا محالة تداعيّات سلبيّة على ‏الفرد والجماعات. على الشّباب أن يعي جيدا خطورة تنصّله من السّاحة السّياسية بتعلّة عدم وجود أحزاب تدافع عن حقوقه و‏تتبنّى مواقفه.