متابعات

بقلم
فيصل العش
محاضرة الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي

افتتح منتدى الفرابي للدراسات والبدائل مشروعه الدراسـي الأول ” أسباب العطالة الثقافية وشروط الإبداع “ بمحاضرة للفيلسوف أبي يعرب المرزوقي بعنوان ” الإصلاح الثقافي والتربوي“ وذلك يوم الأحد 29 افريل 2012 بفضاء المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بصفاقس . وبقاعة ملآنة بالحاضرين انطلقت الندوة بكلمة الأخ سالم العيادي رئيس المنتدى الذي قدّم فكرة وجيزة عن المنتدى ومشروع بحثه موضوع الندوة ثمّ تحدّث الدكتور الأستاذ علي الزيدي عن أسباب العطالة في العالم العربي مستدلا ببعض الإحصائيات حول إنتاج العرب للكتاب ومطالعته ودعا إلى ضرورة التفكير العميق في أساليب التخلّص من هذه العطالة ثمّ مهّد لمحاضرة الفيلسوف أبي يعرب بتقديم نبذة عن حياته وكتاباته .

في بداية محاضرته ،عبّر الفيلسوف أبو يعرب عن عميق تأثره لكونه يحاضر في صفاقس تحت اسم الفرابي للمرّة الأولى من جهة ولكون محاضرته تتعلق أساسا بمهامه الحكوميّة حول الإصلاح الثقافي والتربوي من جهة أخرى ثم طرح مجموعة من الأسئلة لينطلق منها للحديث عن مشروعه الإصلاحي وتحليل أبعاده. 

تحدّث أبو يعرب عن الاختيار الصعب للشعب التونسي لمسار ثورته حيث لم يختر الهدم الكامل وإعادة البناء من جديد بل اختار المحافظة على الدولة  مع إزالة رموز الفساد والاستبداد ومحاولة الإصلاح التدريجي وأكّد أن هذا المنطق هو الأصعب لكنّه الأسلم وأن التدرج هامّ لأنه لا فائدة في سرعة تنتهي في الأخير إلى بطئ وتعطّل . 

لقد أحدثت الثورة ، بالنسبة لأبي يعرب، قطيعة مع نظام قديم وأصبح الشعب التونسي يعيش مرحلة انتقال من ثقافة استسلامية إلى احتجاجية مطلقة ومن ثقافة السكون المطلق إلى ثقافة الفوضى المطلقة من دون حصول أي تغيّر في الذهنيّات التي بقيت محكومة بعقلية الاستبداد والفساد بالإضافة إلى  ثقافة التواكل والكسل التي الموروثة منذ عصور الانحطاط. هذه المفارقة العجيبة تجعل الشعب التونسي في حاجة إلى إصلاح ثقافيّ لا يمكن أن يتحقق إلا بنفس طويل أداته الإصلاح التربوي.

وبالاعتماد على مقولات لابن خلدون، فسّر الرابط بين الإصلاح الثقافي والتربوي فأعطى مفهوما للدولة كتركيبة تتألف من مؤسسات عينيّة و أخرى معنويّة ،وبيّن أن جهاز الدولة يتكوّن من عنصرين اثنين لا يمكن الفصل بينهما وهما المادّة والصورة . فأمّا المادّة فهي اقتصاد (إنتاج مادّي ) وثقافة (إنتاج رمزي ) يحكمهما منطق طبيعي يرتكز على الصراع والتنافس . وأمّا الصورة فهي التي تنظّم الإنتاج المادي والرمزي وتتكون من صورة مادّية (الحكم وأداته القانون) وصورة رمزية (التربية وأداتها القيم والأخلاق).

 فلكي  ننظم المجال الاقتصادي ليصبح منتجا ويحقق مطلب الكرامة لابدّ من ثقافة تبنى على الكرامة ( ثقافة العمل)  ولكي ننظم الحكم ليصبح عادلا ويحقق مطلب الحرية لابدّ من تربية تعدّ المواطن ليعيش حرّا لا يقبل الاستبداد والفساد  فلا إصلاح للاقتصاد والسياسة إلاّ بإصلاح الثقافة والتربية  لذلك كان الترابط بين الإصلاح الثقافي والتربوي.

ثم تحدّث أبو يعرب عن النظام التربوي المطلوب الذي يراه نظاما تربويا يجمع بين تربية الحرية وثقافة العمل وظيفته تكوين إنسان :

سليم البدن واللسان أي اللغة (حيوان ناطق).

ذو مكسب حضاري حيث يحصّل خلال مدة تكوينه على ما يسميه ”هيجل“ بالروح الموضوعي أي القيم الأساسية لحضارته ( العربية الإسلامية).

منتسب سياسي متشبّع بروح المواطنة ومتعلّم كيف يكون راعيا ومرعيا وحاكما ومحكوما.

 منتسب في الآلة الاقتصادية ، ذو اختصاص يوفر له الكفاءة ليكون له موقع في الجهاز الاقتصادي وليكون في مستوى سوق العمل الكونية .

قادر على الإبداع الرمزي.

وفي خاتمة محاضرته تطرّق أبو يعرب إلى كيفية رسم هذا النظام التربوي ، فأكّد أن ذلك لا يتمّ  من طرف مختصّين في غرف مغلقة وإنما يتمّ من خلال استشارة عميقة وحوار واسع يشمل الفاعلين الخمس في مراحل التربية ( قبل الابتدائي ، الابتدائي ، الثانوي، الجامعي وما بعد الجامعي) وهم :

الأسرة ( الأولياء) خاصّة في مرحلة ما قبل الابتدائي.

التلميذ  بصفته المستفيد من النظام التربوي.

مكونات المؤسسة التربوية ( المعلمين / الأساتذة / الإدارة..)

الجهاز الاقتصادي  المستفيد من نتاج المدرسة (أصحاب الأفكار والمشروعات و الممولون والفنّيون المنفذون للفكرة  والمستهلك).

نواب وممثلي الشعب الذين ينسقون بين العناصر الأربعة الأولى.

وواصلت الندوة نشاطها بعد محاضرة أبي يعرب بفتح باب النقاش للعديد من الحاضرين وانتهت بمداخلة أخيرة لأبي يعرب أجاب فيها على بعض الأسئلة المطروحة  مؤكّدا أنه استفاد من مختلف المداخلات وسيأخذ بعين الاعتبار ما جاء فيها من أفكار وتساؤلات