الافتتاحية

بقلم
التحرير الإصلاح
الافتتاحية
الحوار والتوافق هما الكلمتان السحريتان اللتان باستطاعتهما إنقاذ البلاد من الدخول في ‏نفق مظلم لا تعرف نهايته، الجميع يتبنّى ‏هاتين الكلمتين على مستوى الخطاب لكنّهما تذوبان بسرعة كالملح  وتغيبان في ‏الممارسة. الجميع ضدّ الإقصاء، لكن الجميع يمارس الإقصاء، كلّ بطريقته والهدف واحد كما ‏يدّعون :”خدمة تونس وتحقيق أهداف الثورة“. الكلّ يتحدث باسم الشعب ويعمل من أجل ‏الشعب لكنّ الشعب لا يشعر بذلك ولا يرى على الأرض عملا ينجز من أجله. الجميع ينقم على الفساد ويرفع شعار مقاومته، لكنّ الفساد باق ويتمدّد... مصطلحات ‏عديدة يستعملها الجميع، لكن لكل واحد مدلول قد يتناقض كلّيا مع الآخر . هل نحن أمام ‏منافقين من النوع الرفيع؟ أم هناك أزمة مصطلحات ومفاهيم ؟ الاحتمال الأول صحيح، لأن ‏جزءا لابأس به من الذين يحتلون المشهد يحذقون النفاق السياسي ويتلوّنون كالحرباء بحثا ‏عن موقع متقدّم، شعارهم عدم الحياء، فلا يجدون حرجا في تبنّي مصطلحات ”الثورة“ ‏و”الكرامة“ و”الديمقراطية“ و”الحوار“ وهم كانوا بالأمس في الصفوف الأولى من دعاة ‏الإقصاء، ممجدين لطغيان بن علي ومعتبرينه رمز الديمقراطية والوطنية والأدلة على ذلك ‏كثيرة. والاحتمال الثاني صحيح أيضا ، فقد أفرغ الدكتاتور البائد وزبانيته من أشباه المفكرين ‏والمثقفين والإعلاميين جميع المصطلحات من مدلولاتها ورمزيتها الحقيقية.  فمصطلحات كـ ‏‏”التغيير“ و”العدالة“ و”الوطنية“ فقدت معناها الحقيقي لدى التّونسي وأصبحت تحمل ‏مدلولا مغايرا يعبّر عنه اشمئزاز المواطن منها. وضاعت المعاني الصحيحة للمصطلحات، ‏ولهذا نلاحظ خلطا كبيرا في استعمالها. واليوم، وبعد ثـماني سنوات على ثورة الكرامة والحرية، ‏تصبح مهمّة المثقفين والمفكرين الوطنيين كبيرة جدّا في شحن المصطلحات بمدلولات ‏عميقة وحقيقية والضغط على مستعمليها بجميع الوسائل المتاحة لتجنب تحريفها وفضح كلّ ‏متلاعب أفّـاك . إنّها مهمّة معقّدة في ساحة متحرّكة يسيطر عليها سياسيّون تحرّكهم ‏مصالحهم الحزبية الضيّقة ومثقّفون وإعلاميّون سقطوا في لعبة الصّراع الإيديولوجي التي أحبكت  خيوطها قوى لم تنتجها الثورة ولم تخرج من رحم ‏معاناة هذا الشعب. إنّها مهمّة ثقافية وفكرية بالأساس، صعبة ... لكنها ليست مستحيلة ... ‏

قراءة ممتعة...