شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينيّة
 هو شخصية وضعت بصمتها في تاريخ القضية الفلسطينيّة خاصّة والعربيّة عامّة، هو محام فلسطيني لامع وقائد عربي فذ، واكب الحياة العربية والدولية في أخطر المراحل، وكرّس حياته مجاهدا لتحقيق الوحدة العربيّة وتحرير فلسطين. عرف بوطنيته الصادقة ومواقفه الجريئة في الأمم المتحدة والجامعة العربية دفاعا عن الحق والحرية، ويعتبر تأسيسه لمنظمة التحرير الفلسطينية في العـام 1964 إنجازا مشهودا له في سبيل استعادة الحق السليب. إنّه المجاهد المرحوم أحمد الشقيري.
ولد أحمد الشقيري في عام 1908 في قلعة تبنين في جنوبي لبنان، من أسرة عربيّة نزحت من الحجاز إلى مصر ثم فلسطين نتيجة قرار السلطة العثمانية آنذاك بنفي والده الشيخ أسعد الشقيري الذي كان عضوا في البرلمان العثماني ومن الأعضاء البارزين في جمعية الاتحاد والتّرقي وكان من أنصار الوحدة الاسلامية ومن المعارضين للتعامل مع الحلفاء.
فقد أحمد أمّه التي تعلّم عنها اللغة التركية وهو في السابعة من عمره فانتقل من طولكرم إلى عكّا حيث أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية، ثمّ إلى القدس أين أتم دراسته الثانوية سنة 1926، والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، ولكنّه سرعان ما طرد منها نتيجة نشاطه السياسي ضدّ الفرنسيين. فعاد إلى فلسطين، وانتسب إلى معهد الحقوق في القدس يدرس ليلا ويعمل نهارا في صحيفة مرآة الشرق، دون أن يشغله ذلك عن القيام بواجبه تجاه وطنه. وبعد تخرجه من المعهد عمل وتمرن في مكتب المحامي عوني عبد الهادي، أحد مؤسسي حزب الاستقلال في فلسطين. وتعّرف خلال هذه الفترة على عدد من رجالات الثورة السورية الكبرى الذين لجؤوا إلى فلسطين.
حضر الشقيري المؤتمر الفلسطيني السابع في القدس سنة 1928 كصحفي، ولما أنشئت جمعيات الشّبان المسلمين في فلسطين، كان عضوا في وفد القدس إلى المؤتمر الذي انعقد في يافا في مارس 1933 حيث دعا من خلال مداخلته الى قيام جبهة وطنية تضم جميع الزعماء بشرط التخلي عن مناصبهم الحكومية.
عايش الشقيري الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 – 1939)، وشارك فيها مناضلا بلسانه وبقلمه ضدّ الانتداب البريطاني والصهيونية، ومدافعا بصفته محاميا عن المعتقلين والثوار العرب الفلسطينيين أمام المحاكم البريطانية. وحين انتهت تلك الثورة لاحقته سلطات الانتداب البريطاني فغادر فلسطين إلى مصر لكنّه عاد إليها أوائل الحرب العالمية الثانية فافتتح مكتبًا للمحاماة، واختص بالدفاع عن المناضلين الملاحقين وبقضايا الأراضي، فعمل على انقاذ قسم من الأراضي العربية ومنع تسربها الى الصهيونيين. ولما تقرر تأسيس المكاتب العربية في عدد من العواصم الأجنبية برئاسة السيد موسى العلمي، كان الشقيري أول مدير لمكتب الاعلام العربي في واشنطن ثم نقل مديرا لمكتب الاعلام العربي المركزي في القدس وقد ظلّ على رأس عمله هذا، اضافة الى المحاماة، الى أن وقعت نكبة 1948 فاضطر إلى الهجرة إلى لبنان واستقر مع أسرته في بيروت.
عيّن الشقيري عضوا في بعثة سوريا إلى الأمم المتحدة (1949 – 1950) ثمّ شغل منصب سفير دائم للسعوديّة لدى هيئة الأمم المتحدة إلى غاية 1963. وكان الشقيري خلال وجوده في الأمم المتحدة خير محام عن القضية الفلسطينية، وعن قضايا العرب الأخرى، ولا سيما قضايا المغرب والجزائر وتونس.
بعد عودته من الأمم المتحدة، شغل منصب ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية، ثم ترأس المؤتمر الفلسطيني الأول (28 جانفي – 2 جوان 1964) الذي أعلن من خلاله على تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. وانتخاب الشقيري رئيسا للجنتها التنفيذية. ثمّ أسس جيش التحرير الفلسطيني ومركز الأبحاث وإذاعة فلسطين وافتتح مكاتب للمنظمة في الدول العربية والدول الصديقة.
وبعد عدوان 1967 حدث تغيّر كبير على السّاحتين العربيّة والفلسطينية، حيث تباينت وجهات النظر بين أعضاء اللجنة التنفيذية الفلسطينيّة ورئيسها الشقيري، فتقدّم في ديسمبر سنة 1967 باستقالته الى الشعب العربي الفلسطيني وقد قبلت اللجنة التنفيذية تلك الاستقالة.
رفض الشقيري بعد استقالته أي عمل أو منصب رسمي، وانصرف الى الكتابة فكان يقيم في منزله في القاهرة معظم أيام السنة، وينتقل صيفا الى منزله في لبنان. وكان يؤكد دائما في كتاباته وحواراته أن المساومات السّياسية لن تحرر فلسطين، وأنّ الكفاح المسلّح هو وحده الطّريق السّليم للتّحرير. كما كان يؤكّد وجوب محاربة الإمبريالية الأمريكية باعتبارها الجهة التي ترتبط ارتباطا «موضوعيا» مع الصهيونية الكيان الإسرائيلي ومخططاتهما، وهي التي تعمل على فرض سيطرتها على الأمة العربية ونهب ثرواتها. وقد كان من المتحمّسين الدّاعين إلى ضرورة استعمال النفط سلاحا من أسلحة التحرير ومحاربة الامبريالية.
وقد عدّ توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصريّة – الصهيونيّة، وتطبيع العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني خيانة عظمى للقضية الفلسطينية والعربية، فغادر القاهرة الى تونس سنة 1979.
أمضى بضعة شهور في تونس حيث أصيب بمرض عضال نقل على أثره إلى مدينة الحسين الطبية في عمان وقد توفي فيها يوم 26/2/1980 ودفن، بناء على وصيته، في مقبرة الصحابي أبي عبيدة عامر بن الجراح في غور الأردن، تلك المقبرة التي تضم عددا من قادة الفتوحات الاسلامية.
خلف الشقيري وراءه عددا من الدراسات والمؤلفات والخطب، تدور حول القضابا العربية، والقضية الفلسطينية من أهمّها: «قضايا عربية» و«دفاعاً عن فلسطين» و«فلسطين على منبر الأمم المتحدة» و«أربعون عاماً في الحياة السياسية» و«مشروع الدولة العربية المتحدة» و« من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب» و«إلى أين؟» و«حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء العرب» و «علم واحد وعشرون نجمة».