باختصار شديد

بقلم
محمد بن نصر
كفانا مغالطة
 لا أؤمن بالصدف ولا بخوارق العادات وأكره النفاق السياسي. كثيرة هي الأصوات المنددة بالتحركات الإجتماعية بدعوى مظاهر التخريب التي صاحبتها، نفس هذه الأصوات كانت مستبشرة بالتحركات الإجتماعية في نهايات 2010 وبدايات 2011 ولم تكن تخلو من مظاهر التخريب. تلك التحركات التي تطورت واتسعت إلى أن أصبحت ثورة أطاحت برأس منظومة الفساد. فقط لأنها في ذاك الوقت كانت في المعارضة واليوم أصبحت في السلطة. أما الذي يتحرك اليوم فهو نفسه الذي تحرك بالأمس لم يتغير حاله بل ازداد سوءا وازداد وعيا بأسباب استمرار حالته على ما هي عليه بفضل مناخ الحرية الذي وفرته الثورة.
في مستوى الأسباب العميقة للفساد مازالت الأسباب هي نفسها. تهرب جبائي من طرف كبار المفسدين، تهريب الفخامة، يتم عبر المطارات والموانئ باحترام كل الإجراءات القانونية الشكلية. شبكة مافيوزية، مالية وأمنية وسياسية، كانت تحت إمرة رجل واحد، تعددت اليوم رؤوسها. عجز في المالية لم تجد له السلطة الفاسدة حلا إلا بإثقال كاهل الفئات الفقيرة المثقلة أصلا. كل أسباب الإحتقان متوفرة و مستعدة للإنفجار. إضافة إلى أن الديكتاتورية بأساليبها القمعية المتعددة تؤخر لحظة الإنفجار في حين أن الديمقراطية تسرع بها خاصة عندما تعجز عن حل مشكلات الشعب الحقيقية عبر القنوات الشرعية. ويأتيك بعد ذلك من يقول لك هناك قوى سياسية لها أجندات سياسية. وهل كانت هذه القوى السياسية بإمكانها - على فرض ذلك - أن تستغل هذه التحركات الإجتماعية لو لم تكن الأرضية مناسبة؟ 
الديمقراطي الإجتماعي الحقيقي هو الذي يدافع عن حقوق الفئات الضعيفة حين يشرع وحين يحكم. وعندما تتحرك هذه الفئات مطالبة بحقوقها يقف إلى جانبها ويؤطر تحركاتها ولا يترك الفرصة لمن يريد أن يوظفها ولكن الإنتهازية السياسية وثقافة التبرير والبحث عن الثور الأسود تعمي صاحبها عن معرفة الأسباب الحقيقية، فيظل يحرّك لسانه بترديد اسطوانة مشروخة دفنتها الثورة وإلى الأبد حتى يجرفه التيار.