تمتمات

بقلم
رفيق الشاهد
فيضان القلم
 الفيضان كلّ ما فاض عن حوض السّيل وتجاوز حدودَه. والفيضان موسميّ ولكنّه ‏عصيّ على كلّ متنبئ حذق ترويض فرسان الغيوم الجامحة على طول جبهة ‏المعركة، تثيرها الكتل والتّكتلات، ومهما باعد بين الأقطاب ونشر من مخبرين ‏يترصّدون ما يفيد في ضبط حدوده وأوانه، ففي غفلة من الجميع ينفلت الفيضان ‏وينطلق يكسّر القيود ويذبّ الحواجز، فيجرف الأخضر واليابس ولا يُبقِي وراءه إلاّ ‏الطّين والوحل الآسن. كم من الأرواح زُهقت غرقى في طيّاته وكم دُفنت في ‏طميه من ضحايا.‏
والكلام مثله يفيض ويسيل سيلان المياه بالمجاري، فتلتقي في أودية وأنهار ثمّ ‏تُلقى في غياهب النّسيان، فيضيع كلّ لغو ولغط ولا يَبقى بالوادي إلاّ القليل ممّا ‏ثقل من صخره وما غار من جراحه. وكذا للّسان سيول جارفة تحمل في طميها ‏ما ركد وتعفّن ولكنّها تحمل كذلك دررا لا يدرك معناها إلاّ من فقه أسرارها وعرف ‏كيف يستخلصها فصوصَ ذهبٍ من نقع الماء والطين.  ‏Profond ‎
 «إقرأ باسم ربك الذي خلق ... إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم» ‏
لقد كرّم الله العلم بالقلم والقلم بالعلم. أيّهما أفضل عنده،  القارئ أم الذي ‏كتب؟. واللهُ فضله فوق كلّ فضل، تفرّد سبحانه بالعلم وبالقلم، ألم يكرمني أن ‏سطّرت بهذا القلم هذه الكلمات لعلّ فيها من البريق ما قد يغري عقول القارئين.‏
-‏ إقرأ.‏
‏-‏ ماذا سأقرأ إن لا شيء كُتِب؟ ماذا سأقرأ دون قلم؟
‏-‏ إقرأ. فكلٌّ كتِب بقلم. وهل عرفتم القلم بعد أن أمسكتم بأقلام الحبر ‏والأقلام الجافة وأقلام الرّصاص وحتّى أدوات الزّينة ... ثمّ لما نقرتم على ‏لوحات مفاتيح؟. افتح عينيك وافتح قلبك ثم انظر وأبصر حولك.‏
الشّجر رسم بقلم والرّيح يعصف فتستشعره بقلم آخر والصّدى يأتيك عبر ‏الأثير على وتيرة قلم ثالث والعلم لا يأتيك إلاّ من القلم فاتبع طرفه ولا ‏تبتئس، فإن فاض يوما خاطرُك فأمسك لسانك وأطلق جِماح قلمك. فإنّ ‏بعض ما تدوّنه سيستقرّ يوما في عقولٍ لبنةً فخميرةً تنشئ خبزا ينفع ‏الآكلين