شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الشهيد محمد باقر الصدر
 هو بحر واسع من المعارف يصعب أن تستشرف جميع ‏أبعاده، وجرح نازف لا يقبل الضماد لعمقه.. هو عالم ومفكّر ‏صلب ورجل مقاوم لم يتنازل قيد أنملة عن مبادئه مهما كلف الأمر حتى لو كان الثمن دمه.. هو مرجع شيعي لكنّه يرى أنّ لا معنى للاسلام في حلقات ضيقة تتصارع على تراث قديم وبين طيات كتب لا ‏يزال النزاع يدور حول حلّ طلاسمها اللغوية‎!‎ إنّه الإمام الشهيد محمد باقر الصّدر.
محمد باقر الصدر، هو نتاج حقبة فكرية وسياسية مزدهرة ‏ومتزاحمة بالأعلام من مختلف التوجهات الفكريّة والسياسيّة، حقبة شهدت ذروة الأفكار الليبرالية ‏والاشتراكية والقومية والاسلامية، وقد تحولت هذه الأفكار في معظمها الى مناهج ومؤسسات وأنظمة ‏حكم، مما ترك أثراً كبيراً في الواقع العربي الإسلامي. سطع نجم الشهيد محمد باقر الصّدر في فترة زمنيّة شهدت ظهور أفذاذ كالدكتور علي شريعتي والامام ‏الخميني والعلامة ‏الطباطبائي وسيد قطب ومحمد الغزالي ‏وغيرهم من المفكرين الناشطين في الحقل الإسلامي، الذين تمكنوا من إخراج الفكر الديني من إطاره التقليدي ومساحاته ‏الضيقة الى فضائه الطبيعي ليشمل كل ابناء المجتمع ‏والمنطقة والعالم، وليتحول من ممارسة طقوسية وعبادة فردية الى منظومة ‏اجتماعية ومنهجية تحررية‎.‎
ولد آية الله الشهيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية في الخامس ‏والعشرين من ذي القعدة سنة 1353 هـ،في عائلة رفعت لواء الدّين والعلوم الشرعيّة حيث كان جدّه زعيما للطّائفة الشيعيّة في العراق، ظالعاً بالفقه والأصول ومربياً للفقهاء،كما كان والده العلامة المرحوم السيد حيدر الصدر  من علماء ‏الإسلام البارزين، الذين حملوا لواء التحقيق والتدقيق والفقه والأصول‎. 
تربى الشهيد الصدر في كنف والدته وأخيه الأكبر، وتعلم القراءة والكتابة وهو صغير السّن وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لشدّة ذكائه ونبوغه المبكر، ولهذا ‏درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ‎. 
بدأ بدراسة المنطق وهو في سن الحادية عشرة من عمره، وألّف في ذلك رسالة. وفي سنة 1365 هـ هاجر الشهيد إلى النجف لإكمال ‏دراسته، وأنهى دراسته الفقهية عام 1379 هـ والأصولية عام 1378 هـ وبالرغم من أن مدة دراسة السيد الصدر منذ الصبا وحتى إكمالها لم تتجاوز 17 أو 18 عاماً، إلا أنها كانت كافية لتجعل منه مجددا ومفكّرا في الحقل الإسلامي ليس فقط عند أبناء طائفته بل في العالم الإسلامي كلّه حيث انتشرت أفكاره وكتاباته بين الاسلاميين في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات.
أهم ما في محمد باقر الصدر ‏أنه أخرج الفكر الاسلامي من قوقعته الى رحاب الحياة، وحوّل المفاهيم المجردة ‏الى ممارسة اجتماعية، طبق المبدأ على نفسه قبل أن يدعو الآخرين اليه. ولم يتقيد الشهيد بمناطقية ولا مذهبية ولا حزبية، فهو بالرغم من أنّه من مراجع الشيعة الإثنى عشريّة إلآّ أن  نظريته وأفكاره وآرائه الفقهية والفلسفيّة لم تكن ذات بعد طائفي بل كانت للسنّة والشيعة على حدّ سواء.. 
ألّف الشهيد الصدر العديد من الكتب القيمة في مختلف حقول ‏المعرفة، كان لها دور بارز في انتشار الفكر الإسلامي على الساحة الإسلامية من أهمّها ‎: 
- فلسفتنا: وهو دراسة موضوعية في معترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية، ‏وخاصة الفلسفة الإسلامية والمادية والديالكتيكية الماركسية‎. 
‎ـ اقتصادنا: وهو دراسة موضوعية مقارنة، تتناول بالنقد والبحث المذاهب الاقتصادية للماركسية ‏والرأسمالية والإسلام، في أسسها الفكرية وتفاصيلها‎. 
‎ـ البنك اللاربوي في الإسلام: وهذا الكتاب أطروحة للتعويض عن الربا، ودراسة لنشاطات البنوك ‏على ضوء الفقه الإسلامي‎.
‎ـ الأسس المنطقية للاستقراء: وهي دراسة جديدة للاستقراء، تستهدف اكتشاف الأساس المنطقي ‏المشترك للعلوم الطبيعية وللإيمان بالله تبارك وتعالى‎. 
- المدرسة القرآنية: وهي مجموعة المحاضرات التي ألقاها في التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
‎ـ المدرسة الإسلامية: وهي محاولة لتقديم الفكر الإسلامي في مستوى مدرسي ضمن حلقات ‏متسلسلة صدر منها‎: (الإنسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية، وماذا تعرف عن الاقتصاد الإسلامي؟)‎.‎
 لم يكن الشهيد محمد باقر الصدر يؤمن بأنصاف الحلول ولا بمبدأ الغاية تبرّر الوسيلة خاصّة إذا تعلّق الأمر بحرّية الإنسان مهما كان لونه وانتماؤه فقد كان مدافعا عن الشيعي كما عن السنّي وعن العربي كما عن الكردي. كسر طوق الصمت السياسي الذي كان ‏مفروضاً في الحوزات وتحمل في ذلك ما تحمل، حارب مبدأ الفصل بين الدين ‏والدولة الذي كان بعض «المتدينين» أشد المقاتلين دفاعاً عنه، حتى أشد من ‏فرسان العلمنة واصحاب السلطة.. 
أسّس الشهيد الصدر حزب الدعوة الإسلامي وكان معارضا شرسا لصدّام حسين حيث أصدر فتوى بتحريم الانتماء إلى حزب البعث، فكان أن أمر بوضعه في الإقامة الجبرية لمدّة تجاوزت عشرة أشهر ثمّ أمر باعتقاله وفي مساء الخامس من ‎أفريل‎ 1980 ‎تم إعدامه مع أخته بنت الهدى‎ رميا ‎بالرصاص من دون محاكمة عادلة  وتمّ دفنه سرّا ‏  
استشهد محمد باقر الصّدر ولكنّه لم يمح من ذاكرة أتباعه من مختلف الطوائف الإسلاميّة وبقي مشروعا يحتاج الى أفكار لتطوير ‏ما بدأه وكفاءات تطبقه على الأرض‎. لعلّ حلمه في مجتمع مسلم لا طائفيّة فيه يتحقق