الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
الافتتاحية
 نودّع هذه الأيام سنة هجريّة مليئة بالأحزان والهموم نتيجة الأحداث المؤلمة التي عاشتها أمّتنا الإسلاميّة حيث تواصل فيها تخريب الأوطان وقتل آلاف الأبرياء المدنيين العزّل، خاصّة في سوريا واليمن وليبيا، وها نحن نستقبل عاما جديدا نرجو أن يكون عام خير وبركة، فيه يزرع النّاس الحب وفيه يحصدون سلاما وأمنا. وبهذه المناسبة نتقدّم إلى قرّاء الإصلاح بأحرّ التهاني وأجمل التمنيات راجين من الرحمان أن يرفع عن المسلمين الغمّة ويرشد من بيده زمام أمورهم من سياسيين ونخب إلى الطريق المستقيم، الطريق الذي رسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم من خلال هجرته إلى المدينة حتّى يكونوا في مستوى الآمال المعلّقة عليهم من طرف كل المستضعفين والفقراء والمساكين.
لقد مثّلت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلّم حدثا فريدا من نوعه في تاريخناوهو باستمرار معين لا ينضب يتدفّق بالمعاني والعبر والدّروس، وكلما تأمّلنا فيه وغصنا في جوانبه المتعددة إلاّ واكتشفنا آفاقا جديدة لمفهوم الهجرة واستنتجنا منها محركات تربوية جديدة تساعدناعلى استيعاب سليم لرسالة الإسلام وترشيد التديّن وشحذ الفاعليّة للعطاء والعمل ومن ثمّ صناعة النّخب المتصالحة مع ذاتها وهويتها، القادرة على القيام بالدور المنوط بعهدتها. 
نحن بحاجة إلى هجرتين، هجرة أولى نحو الأوطان وليس خارجها، نحيي فيها قيم العمل والاتقان ونغرس في أبنائها معاني الحبّ والتسامح والتكافل، ونقاوم كلّ أشكال الفتن ما ظهر منها وما بطن، وهجرة ثانية داخل أنفسنا ندرّبها على هجر ما لا يُرضي الله تعالى .
كما يصدر هذا العدد قبل أيام قليلة من افتتاح السّنة الدراسية الجديدة وعودة الآلاف من أبنائنا الأعزّاء إلى مقاعد الدّرس وإلى معلّميهم وأساتذتهم الذين مازالوا يبحثون عن أرضيّة اتفاق مع الوزارة تحقّق لهم مطالبهم وتوفّّر لهم الظّروف الملائمة للقيام بمهامهم كمربّين والمشاركة الفعّالة في إصلاح المنظومة التربويّة التي اهترأت وأصبحت في حاجة إلى إصلاح جذري عميق. هناك إجماع يقرّ بوجود أزمة حادّة في المنظومة التربوية ويدعو إلى ضرورة الإصلاح، لكنّ هذا الإجماع لم يفض إلى مسار مشترك يساهم فيه الجميع، منفتح على كلّ القوى الحيّة في البلاد. فمنذ البداية طفت على السّطح بين مختلف الأطراف تجاذبات حادّة وظهرت للعيان مطبّات كبرى من شأنها أن تساهم في إفشال أيّّة محاولة للإصلاح منها الارتجال والاصطفاف الايديولوجي وغياب السند المادّي. فهل ستكون السنة الدراسية الجديدة منطلقا لحوار جادّ بين مختلف الأطراف يتجاوزون به النقاط الخلافيّة بينهم ليهتمّوا بما هو أعمق وأهمّ؟ أمّ ستكون هذه السنة حلقة جديدة من الصراع بين  النقابات والوزارات المعنيّة، يحاول فيها كلّ طرف ليّ ذراع الطرف الآخر ، ضاربين عرض الحائط بمصالح التلاميذ والطلبة بصفة خاصّة وبمصلحة الوطن بصفة عامّة ؟