شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
صالح بن يوسف
 هو من أبرز قادة الحركة الوطنية التّونسية، امتّدت إليه يد الغدر واغتيل في مثل هذا الشهر من سنة 1961 بيد أصدقاء الأمس . تواصل وجوده بعد وفاته من خلال خطّ مناضل تمّ قمعه ومحاولة استئصاله من دون جدوى، فبقي خالدا في ذهن التونسيين وملهما للمعارضين الذين اكتووا بنار القمع والاستبداد. عارض فكرة الاستقلال على مراحل بالرغم من تولّيه حقيبة وزارية في حكومة محمد شنيق التفاوضية ودخل مع الحبيب بورقيبة في صراع شرس انتهى باغتياله. إنّه الشهيد المناضل صالح بن يوسف.
ينحدر صالح بن سليمان بن يوسف من أسرة ثريّة عريقة يعود أصلها إلى  بلدة قرماسة القريبة من تطاوين، نزحت في القرن السابع عشر إلى جزيرة جربة. ولد صالح في حومة «مغراوة» التابعة لمعتمديّة ميدون في 11 أكتوبر 1907. والتحق صغيرا بالكتّاب حيث تلقّى مبادئ القراءة والكتابة وحفظ نصيبا من القرآن الكريم. وقد ظهرت عليه علامات النجابة منذ الصغر، فأوفده جدّه وهو في الثامنة من عمره إلى مدينة تونس ليواصل بها دراسته. فانضمّ أوّلا إلى مدرسة خير الدين التي نال منها بامتياز الشهادة الابتدائية، في سنة 1922. وهو ما أهّله إلى الالتحاق بمعهد كارنو لمزاولة دراسته الثانوية. وانتقل من قسم إلى قسم بنجاح إلى أن أحرز الجزء الأول من الباكالوريا في جوان 1929 ثم الجزء الثاني (شعبة الفلسفة) في جوان 1930.
ولاكتساب زاد وافر من الثقافة الأساسيّة العربيّة الاسلاميّة، إلى جانب ثقافته الفرنسيّة، التحق صالح بن يوسف بسلك طلبة المدرسة العليا للغة والآداب العربية، المعروفة باسم «مدرسة العطّارين»، حيث تابع دروس اللغة العربية والترجمة والتاريخ  إلى أن أحرز دبلوم اللغة والاداب العربيّة. ولما حصل على الثانوية العامة من معهد كارنو سافر إلى باريس وحصل على شهادة البكالوريوس في الحقوق والعلوم السياسية من جامعة السوربون عام 1933. لما عاد إلى تونس صيف 1934 اشتغل بالمحاماة، وتولى حقيبة وزارة العدل في حكومة محمد شنيق التفاوضية (1950-1952).
اهتم بالسياسة والنضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي مبكرا وهذا عائد لنمو وعيه الوطني، وبدأ مشوار نضاله السياسي في تونس قبل الحرب العالمية الثانية، وهو يعدّ من الأعضاء البارزين في الحزب الدستوري الجديد،حيث انضمّ لأوّل مرّة للدّيوان السياسي للحزب في أواخر 1935 ثمّ أصبح أمينه العام في سنة 1946م.
كان لابن يوسف دور ريادي في قيادة الحركة الوطنية التونسية وتطويرها وتجذيرها، وأثبت حنكته السياسيّة والنضاليّة بتنظيمه للفئات الجماهيريّة على شكل نقابات وطنيّة وجمعيات شبابيّة ونسائيّة هدف من خلالها تعزيز العمل الجماهيري وتوحيده لمواجهة فرنسا، وذلك لإدراكه بأهمية تلك التنظيمات في الضغط على المستعمر وتوحيد الصف الوطني، فكان المهندس الرئيسي في فترة حاسمة شهدتها تونس ما بين سنتي (1946 – 1949) فأثبت جدارته لقيادة الحزب الدستوري الجديد. 
كان لابن يوسف احتكاك كبير مع الوطنيين المغاربة خاصة الجزائريين والمغربيين، من خلال انضمامه «لجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين» بباريس، وحضوره للمؤتمر الأول للجمعية عام 1931م بتونس إلى جانب «علال الفاسي» من المغرب الأقصى و«فرحات عباس» من الجزائر...، وغيرها من المؤتمرات.
لم يكتف بن يوسف بالعمل السياسي الدّاخلي، فقد عمل جاهدا على عرض القضية التونسيّة على المنظمة الدوليّة، متنقّلا بين القاهرة ونيويورك وعواصم الدول العربيّة والأوروبيّة، كما حرص على تركيز مكاتب للحزب في كلّ من بغداد (علي البلهوان) وكراتشي (الرشيد إدريس) ونيودلهي (الطيب سليم) وجاكرتا (الطاهر عميرة) ونيويورك (الباهي الأدغم). وبفضل ذلك تمكّن الحزب من تعزيز مواقعه في الخارج والحصول على مساندة أغلبيّة الدول الأعضاء في منظمّة الأمم المتّحدة. وكان الوفد التونسي في نيويورك يتركّب، أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، من صالح بن يوسف ومحمد بدرة والباهي الأدغم. 
كان صالح بن يوسف صديقا لبورقيبة ورفيق دربٍ في النضال،لكنه اختلف معه وعارض -من سويسرا- اتفاقيات الاستقلال الداخلي التونسية الفرنسية التي وقعها بورقيبة عام 1955 معتبر إيّها خطوة إلى الوراء باعتبار أنّ ذلك الاستقلال منقوص وهو بمثابة الخيانة للشعب الطامح إلى الإستقلال التّام، وشدد على ضرورة مواصلة الكفاح المسلح على مستوى المغرب العربي في الوقت الذي كان فيه بورقيبة يطالب المقاومين بالنزول من الجبال وتسليم أسلحتهم.
سعى صالح بن بوسف لتحقيق الاستقلال الوطني التام ودعم مشروع مغربة الكفاح التحرري، خاصّة من خلال الالتفاف حول أهداف لجنة تحرير المغرب العربي، وتجسيدها ميدانيا بتأسيس جيش تحرير المغرب العربي سنة 1955م، وذلك من أجل تحقيق الاستقلال التّام للأقطار المغاربية الثلاث (الجزائر وتونس والمغرب الأقصى)، بدل الاستقلال الذاتي والقطري، وتجسيد مشروع وحدة المغرب العربي. 
اشتدّ الخلاف بين الزعيمين، فاتهم بن يوسف بورقيبة بالعمالة للغرب والعداوة للعروبة والإسلام،ونتيجة لفشل محاولات الصلح بينهما، انعقد مؤتمر للحزب الحر الدستوري الجديد بصفاقس في 15 نوفمبر1955 لينتهي بغلبة كفة بورقيبة بدعم من قيادة اتحاد الشغل واتخاذ قرار بطرد صالح بن يوسف من الحزب، وبدأت إثر ذلك عمليّات مضايقة أتباع التيار اليوسفي وملاحقتهم واعتقال بعضهم.
غادر بن يوسف تونس إلى طرابلس ومنها إلى القاهرة، والتحق به عدد من قادة الحركة الوطنية المسلحة التونسية بعد أن تعرّضوا لمحاكمات وحملات قمع وتعذيب وصفت بالوحشيّة، خاصة بعد منح تونس استقلالها.
اغتيل صالح بن يوسف يوم 11 أوت 1961 في فرانكفورت بألمانيا. وترك خلفه سؤال عن الجهة التي قامت بتصفيته. أعيد الاعتبار للمناضل صالح بن يوسف رسميّا بعد نجاح ثورة الشباب وفُتحت صفحة من التاريخ التونسي اكتنفها تعتيم وغموض لمدّة فاقت نصف قرن.