نقاط على الحروف

بقلم
امحمد الخوجة
السؤال القرآني بين الاعتبار والاستثمار
 ممّا تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم، هو موئل كلّ متدبّــر صادق، يرنو إلى استخراج الإشارات والتّوجيهات الرّبانيّة، التي يمكن الاعتماد عليها، ولعلّ الاستفــادة منه على مستوى التّربية والتّعليم، تظلّ قائمة رغم أنوف بعض المنكريـــن، الذين يحصــرون توجيهاته وإرشاداتــه في الجانب الدّيني المتعلق بالآخرة فقط.
إنّ كثيرا من المنصفيــن، أشادوا بدور التّوجيهات الرّبانية، فيما يتعلّق بالتّربية والتّعليم، وخصوصا القصص ودورها في تهذيب سلوكيّات المتعلّمين، إلاّ أنّني سأحاول إبراز دور السّؤال، وأثره في بناء شخصيّة المتعلّم.
إنّ المقصود بالسّـــؤال هنــا هو تساؤل المتعلّم والمعلّـــم على السّـــواء، أي تلك الوسيلة البيداغوجيّـــة التي من خلالها تبنى التّعلّمات، وعبرهـــا تفتح العلاقات التّواصلية الصّفيّة، سواء كانت عموديّة أو أفقيّــــة، ولا شكّ أنّ للسّؤال دورا مهمّــا وفعالا في العمليّة التّلعيمية التعلّمية، فلا يمكن تحقيق أهداف ولا ترسيخ كفايات دون طرح أسئلة مربكـــة ومحرجــة، تستفزّ المعلم أحيانا، فلا مفر له من الإجابة عنها وقبولها واعتبارها على الأقل. 
إن القرآن الكريم فيه من الأمثلة ما يجعلنا نتبنى ضرورة طرح السّؤال، مهما كان، حتّى وإن بدا الجواب عنه مستحيلا.
التساؤل من أجل فهم تركيب البنية.
طرح إبراهيم عليه السّلام على ربه عز وجل سؤالا «خطيرا»، ومع ذلك أجابه الحقّ سبحانه من أجل أن يفهم كيفية إحياء الموتى، وكيف يعيد تركيب بنية الجسد، فقال «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ»(1)،مثل هذا التّساؤل قد يطرح على المعلّم من طرف المتعلّم، بقوله«كيف يحيي الله الموتى من قبورهم؟» وقد يستشاط المعلّم غير الخبير غضبا، بدعوى أنّ ذلك من عالم الغيب، ولا جدوى من طرح السّؤال أصلا، لكن عدم الجواب سيحرج المتعلّم أيّما إحراج، وسيشكّل له عائقا يمنعه من طرح أسئلة أخرى قد تكون أقلّ شأنا من هذا السؤال. 
قد يتمثل الجواب، في أنّ بذور النّبات حينما تسقط عليها الأمطار تنمو وتخضر، وتتشكّل بنيتها، ثم تصير بعد اليبس جافة، لتعطي بذورا أخرى جديدة، يمكن زراعتها، لنحصل على بنية نباتية أخرى جديدة، وكذلك الشّأن بالنّسبة للموتى في القبور، فقد كانوا أقوياء وبصحة جيدة، وبعد مدّة أماتهم من أحياهم أوّل مرّة، وهو قادر على إحيائهم، كما يحيي النّبات بعد جفافه ويبسه.
وجه الإعتبار:
الاعتبار من هذا السّؤال، هو أنّ الله عزّ وجل، هو القادر على إحياء الأموات، ولا يمكن لغيره أن يقوم بذلك الفعل أبدا مهما كان علمه وقوته.
وجه الاستثمار:
واستثمار القصّة، هو إفساح طرح السؤال، مع تقبّله بسعة الصّدر ورحابته، ثم إشراك المتعلّم، من أجل تحقيق الفهم والاستيعاب، قال ربّي عز وجل:«فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا» (2) ،  ياله من موقف تعليمي تعلّمي رائع !!!!!
بمعنى أنّه إذا كان الحقّ عزّ وجلّ أشرك إبراهيم عليه السّلام، في مباشرة الفعل وممارســة «الذبح، والتجزيء» من أجل الفهم والإفهام، فأيّ عذر يبقى للمعلّم، من أجل أن يجيب عن أسئلة المتعلّم، وإشراكه لينخرط في القيام بالتّجارب، والممارسات التي يستطيع من خلالها بناء تعلّماته؟؟؟
ممارسة الفعل على السائل«المتعلم»
إنّ المطالبة بممارسة الفعل، على السّائل أمر محمود ومهمّ لترسيخ التعلّمات والمكتسبات، قال ربي عز وجل: « أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا» (3) سورة البقرة 259، هذا التّساؤل، لا يختلف كثيرا عن سابقه، فكلاهما يتعلّق بإعادة الحياة إلى الأجساد، إلاّ أنّ الأول ترك فيه الله عزّ وجل حرّية القتل «الذبح» لإبراهيم عليه السّلام، والثّاني، إنّما كان موت أهل القرية بتقدير الحقّ عزّ وجلّ.
وتأمل قوله تعالى: « فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ» (4) 259سورة البقرة، إنّه مارس عليه فعل الإماتة والإحياء، ليفهم أنّ قدرة الله على ذلك من خلال جسده بالذّات.
وجه الاعتبار: 
أن الله ذكرنا أنه هو المحيي المميت، ولا أحدَ يمكن أن يقوم بذلك الفعل، مهما كانت سلطته وقوّته.
 وجه الاستثمار: أن المعلّم النّاجح يحقّ له أن يمارس الفعل على المتعلّم السّائل، فالسّائل عن كيفية الصّلاة مثلا، أحرى أن يجاب بأن يقوم بأدائها في الفصل وأمام زملائه، فإذا ما ظهر هناك خلل صوّبه المتعلّمون بتوجيه المعلّم، وبذلك تعمّ الفائدة، ويتحقّق الهدف المنشود.
ليس هناك سؤال لا جواب عنه
إنّ لكلّ سؤال جوابا، إنّما يبقى المجيب هل هو من ذوي الخبرة والاطّلاع، في كيفية التّعامل مع السّؤال المطروح أم لا؟ ولنا في أجوبة الخضر عليه السّلام أسوة ما بعدها أسوة، قال ربي عزّ وجلّ على لسان موسى عليه السّلام:«هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا » (5) ، فرد عليه الخضر عليه السلام:«إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا» (6) ،بمعنى أنه أراد أن يشير له بأن طريق التّعلم والعلم صعب جدّا، ومحفوف بالمعاناة والمشاق، ولذلك أردف قائلا:«وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا» (7).
فالخضر عليه السلام، أجاب موسى عليه السلام، ولكن عن طريق سؤال ، قد يحجم الطالب المتردّد، والذي ليس له رغبة جامحة في الطلب، إذا اعترضه، وما كان هدف الخضر إلا أن يمتحن رغبة موسى.
ومن ثمّ نستطيع أن نقول بأنّ استحضار الصّعوبات، من أجل حفز النّفس، وتشويق الطّالب، وإقحامه في العمليّة التّعليميّة التّعلّمية، أمر يعين على اكتشافه ومعرفته لما لم يكن يتوقّعه.
الهوامش
(1) سورة البقرة - الآية 126
(2) سورة البقرة - الآية 260
(3) سورة البقرة - الآية 259
(4) سورة البقرة - الآية 66
(5) سورة الكهف - الآية 66
(6) سورة الكهف - الآية 67
(7) سورة الكهف - الآية 68