رأي للنقاش

بقلم
فاطمة المصمودي
القرآن كتاب عقل وعلم
 مقدّمة
إنّنا لا ندّعي تفسيرا للقرآن بل هي خواطر يدعّمها ثراء اللّغة العربيّة، وإنّنا كلّما توصّلنا لخاطرة قلنا في نهايتها اللّه جلّ جلاله أعلم، وما اجتهادنا إلاّ اجتهاد بشري يحتمل الخطأ مثلما يحتمل الصّواب وإنّنا لن نطوّع آيات اللّه لصالح أيّ فرد أو أيّ  قضيّة فإن احتملت الآية من الاجتهاد ما أمكن لها احتماله أو كانت على ما هي عليه خالية من الاجتهاد إلى أن تصير إليه أو يحكم اللّه. يقول اللّه عزّ و جلّ : «الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1).
وقالوا أساطير الأوّلين 
إنّ اللّه سبحانه و تعالى قد جعل في القرآن إجابة لكلّ سؤال وهو يهدي للتي هي أقوم. يقول تعالى : «وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا» (2) 
و لنا أن نردّ عمّن هم يكذّبون بهذا القرآن «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ» (3)
تعريف ومعنى أفك في معجم المعاني الجامع  
أفَكَ فعل الرّجل كذب وافترى، أفَكَه عن الخير صرفه وأصدّه، «قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا» (4) و«إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ» (5) والإفك هو أقبح الكذب وأفحشه، قال تعالى : «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ»(6) أي يصرفون عن الحقّ في الاعتقاد إلى الباطل ومن الصّدق في المقال إلى الكذب. 
تعريف ومعنى أفك في لسان العرب  
وأفِك في لسان العرب كذب وأفِك النّاس كذبهم وحدّثهم بالباطل. 
أكبر ردّ لمن يقولون أنّ القرآن أسطورة هو أنّ القرآن قد ذكرهم وأخبر عنهم وحاججهم. فوجودهم نفسه هو دليل على صدق القرآن وأنّه صالح لكلّ زمان ومكان،  فقد كان فيما مضى من يكذّبون بالقرآن ويعتبرونه أساطير الأوّلين وها نحن اليوم نجد من يكذّب بالقرآن ويعتبره أسطورة. 
وقالوا أساطير الأوّلين 
وفي لسان العرب : قال الزجّاج في قوله تعالى : «وقالوا أساطير الأوّلين»، المعنى وقالوا الّذي جاء به أساطير الأوّلين معناه سطره الأوّلون وواحد الأساطير أسطورة كما قالوا أحدوثة  وأحاديث ... قال الأزهري هو ما حكاه الضّرير عن الأعرابي، أسطر اسمي أي جاوز السّطر الّذي هو فيه. 
الأساطير الأباطيل والأساطير أحاديث لا نظام لها واحدتها إسطار وإسطارة بالكسر، أسطير وأُسطيرة وأسطورة بالضمّ. يقول الله تعالى: « وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا» (7)
لن يخرج شيء في السّماوات والأرض عن طاعة اللّه ولن يعجزه شيء أو أمر مهما كان. وإنّ الإسلام ينصره المسلمون وغير المسلمين من حيث هم أرادوا دحضه ومن حيث هم لا يعلمون. 
إنّ من يقول أنّ الإسلام أسطورة لا ينسف بذلك الإسلام فقط وإنّما أيضا كلّ الدّيانات الأخرى الّتي مصدرها سماوي وهو بالتالي يكذّب كلّ الرّسل لأنّ القرآن يقرّ بهم. هذا القرآن الّذي ادّعوا أنّه أسطورة يجيبهم بقوله: «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين»(8)  ومنذ 14 قرن إلى يومنا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بسورة من مثله وهذا دليل على كذب افترائهم.
والفرق بين الأسطورة والقصص واضح، فالقصص: القصّ فعل القاص إذا قصّ القصص والقصّة معروفة ويقال في رأسه قصّة يعني الجملة من الكلام وقوله تعالى «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ» (9) أي نبيّن لك أحسن البيان ويقال قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئا بعد شيء ومنه قوله تعالى في سورة القصص «وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ»(10) أي اتّبعي أثره والقصّة  الخبر وهو القصص وقصّ عليّ خبره يقصّه قصّا وقصصا. والخبر في لسان العرب النّبأ والخبر بالتّحريك واحد الأخبار والخبر ما أتاك من نبأٍ عمّن تستخبر.  
ويقول عباس محمود العقّاد: «التّفكير يوجب الإسلام والإسلام يوجب التّفكير» 
قالوا أساطير الأوّلين  
كلّ آيات الإعجاز ردّ على القول أنّ القرآن أسطورة لأنّ الأسطورة متعلّقة بالماضي وفي القرآن آيات متعلّقة بالحاضر وبكلّ مانراه اليوم من تقدّم علمي وفيه أيضا من الآيات ما يكفي لتقدّم علمي في المستقبل قد يصل إليه الإنسان يوما ما وقد يبقى في علم الغيب. 
لقد جاء  القرآن بلسان عربيّ مبين في عهد  بلغ فيه الأدب والشّعر أوجه فكان الإعجاز اللّغوي، واليوم  يتجلّى الإعجاز العلمي في القرآن في زمن بلغ فيه العلم أوجه.   
إنّ من يقول أنّ القرآن أسطورة يدّعي أنه حكّم العقل في هذا القول واستشهد بالعقل لمثل هذا القول. وردّا على هذا القول يمكننا أن نستشهد بالعقل أيضا ونقول إذا ما أعملنا العقل فإنّنا نلاحظ أنّ الأسطورة هي في لسان العرب سطر السّطر والسّطر الصفّ من الكتاب والشّجر والنّخل ونحوها. 
لا يمكن أن يكون القرآن أسطورة البتّة لأنّه لا يوجد أسطورة تحمل من داخلها مقوّمات نسفها وهي التّفكير.إنّ القرآن الّذي يدّعون أنّه أسطورة يطالبنا بالتّفكير والتدبّر ونظام الأسطورة يقوم أساسا على الخيال والمتقبّل مُطالب بالتّصديق وتتبّع مراحلها لكنّه مطالب خاصّة بعدم التّفكير، لأنّ ذلك يقوده إلى الحقيقة والحقيقة مضادّة للخيال وهي تنسفه. 
كان من اليسير على محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يدّعي الألوهيّة خاصّة وقد مهّد المسيحيّون المبدلّون لكلام اللّه الطّريق باعتبارالمسيح ابن اللّه، لكنّه لم يفعل ذلك.لأن الميزة التي اشتهر بها هي الصدق والأمانة. 
وقالوا أساطير الأوّلين 
وفي لسان العرب : قال الزجّاج في قوله تعالى وقالوا أساطير الأوّلين، خبر الابتداء محذوف المعنى وقالوا الّذي جاء به أساطير الأوّلين معناه سطّره الأوّلون وواحد الأساطير أسطورة كما قالوا أحدوثة وأحاديث. سطّر يسطّر إذا كتب والأسطورة تحتمل الحقيقة مثلما تحتمل الخيال.   
هل للأسطورة أن تكون حاملة لقوانين و تشاريع؟ هل يمكن للأسطورة أن تحثّنا على أعمال العقل فتنسف ذاتها من داخلها وبآليّات عملها وبمقوّماتها؟ 
فلننظر إلى الآية الكريمة:«إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر» وإلى حديث رسول الله «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فاقدروا له أي بحساب». واليوم يكتشف العلم الحديث أنّ كلّ شيء في هذا الكون محسوب ويمكن أن نحوّله رياضيّا. 
لقد اكتشف اينشتاين أمواج الثّقالة رياضيّا وبعد مائة سنة ثبتت صحّة النّظريّة وقد كتب عنها كلّ العالم واعترف بها وسيتناقض هذا العالم مع نفسه إن هو أنكر كتابا جاء بهذه النّظريّة قبل اينشتاين، كتابا يحمل بين طيّاته جلّ العلوم إن لم نقل كلّها، كتابا يعبّر عن النّظريّة العلميّة بكلمات دقيقة جدّا إنّه كتاب اللّه عزّو جلّ، إنّه القرآن الكريم. 
الهوامش 
(1) سورة الزمر - الآية 18
(2) سورة الكهف - الآية 53
(3) سورة الأحقاف - الآية 10
(4) سورة الأحقاف - الآية 22
(5) سورة النور - الآية 11
(6) سورة التوبة - الآية 30
(7) سورة الفرقان - الآيتان 4 و5
(8) سورة البقرة - الآيتان 23 و24
(9) سورة الكهف - الآية 3 
(10) سورة القصص - الآية