باختصار شديد

بقلم
محمد بن نصر
من أوهام الحداثيين
 يطلب الحداثيون من الإسلاميين ما عجزوا عن تحقيقه في الواقع، تحويل الدين الإسلامي إلى مجرد علاقة باهتة مع الله، يراهنون على زوالها بفعل الزمن، دين منقطع الصِّلة بالحياة ولا شأن له بالشأن العام. وبدل أن يبحثوا في الأسباب الحقيقية لعجزهم عن تحقيق ذلك، استهواهم البحث عن المبررات الواهية. في البداية اختزلوا المعوقات في القوى الرجعية الدينية التقليدية ثم اختزلوها فيما يسمى بالإسلام السياسي مع نوع من التغازل من حين لآخر مع التدين التقليدي الذي يمثل العلمانية الدينية بالرغم من تحكمه شبه المطلق في مجال الأحوال الشخصية على أمل أن يكون قنطرة العبور للعلمانية الشاملة بحكم أنه يفصل عمليا بين السلطة الدينية والسلطة السياسية. 
ولما تأكدوا من عجزهم عن تقديم شهادة وفاة للدين أو حتى ما يثبت شيخوخته القاضية بالحكم بالحجر عليه لسفاهته. يعلقون الأمل على الإسلاميين الذين يتجهون إلى التفريق بين الدعوي والسياسي على المضي قدما و القيام بالإعلان التاريخي الذي طالما انتظروه بفارغ الصبر، الإعلان عن دين إسلامي جديد يعتني فقط بالعلاقة بين ما تبقى من المؤمنين وإلههم. 
واهمون لماذا؟ لأن جوهر ما يعتبرونه مشكلا ليس في أشكال الإيمان ولكن في النص المؤسس، في القرآن الكريم الذي نعتبره وحيا من الله والذي يعتبرونه نتاجا تاريخيا، الإنسان هو الذي أنتجه والإنسان هو القادر على تجاوزه. هذا النص المؤسس لا يفرق بين الشأن الخاص والشأن العام ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نمنع المؤمن من التفكير في طبيعة الإنسان، في الحرية، في العدالة، في المصير الإنساني وفي غير ذلك من الموضوعات انطلاقا من القرآن.
لو كنت ملحدا ولا آسف على ألاّ أكون كذلك وأحمد الله على نعمة الإيمان، لكنت معتزا بإلحادي ولا أبحث عن الطرق الملتوية، أذهب للبحث في كتب المؤمنين عمّا يمكن أن يكون سندا لي من أقوال منزوعة عن سياقاتها التاريخية بل أحوّلها إلى أقوال مطلقة وأنا الذي أؤمن بتاريخيتها ولقلت أن المشكل ليس في فهم المؤمنين لقرآنهم ولكن في القرآن نفسه ولتجاوزت هذا الانفصام الذي أعيشه و المتمثل في حديثي المُموه عن القرآن والموجه لعموم الناس وحديثي عنه مع نفسي ومع من أقاسمهم قناعتي. 
سيبقى الدين رسالة شاملة، لها قول في السياسة وفي المجتمع و في الطبيعة، ولن يُختزل في الشأن الخاص لا بأحكام العلمانية الدينية القديم منها والحديث ولا بأحكام العلمانية الدنيوية ما أُعلن منها وما أستبطن. لن يكون الخيار بين الدّين أو اللاّدين ولكن الخيار بين قراءة للقرآن بمنطق القرآن وقراءة للقرآن وفق مستلزمات التقليد للماضي المتحكم في الثقافة السائدة أو وفق التقليد للتقافة الحداثية المتحكمة في آليات التفكير.