الكلمة للخبراء

بقلم
أيمن الديماسي
(المقال 5) منظومة الصفقات العموميّة (الجزءالأول)
 نعتبر مبدئيّا أنّ المرحلة الأولى والأهمّ لإبرام الصفقات العموميّة هي تحديد الحاجيّات، بالإضافة إلى أنّه من ايجابيّات الأمر عدد 1039 لسنة 2014 تنصيص الفصل 8 على أنّه يتعيّن على المشتري العمومي في بداية كلّ سنّة إعداد مخطّط تقديري سنوي لإبرام الصّفقات العموميّة وفقا لمشروع الميزانيّة .
وعليه لا يمكن إبرام صفقة عموميّة دون تحديد دقيق للحاجيّات المراد تسديدها ويتعيّن أن يتمّ تحديد الإشكاليّات الحقيقيّة المراد فضّها وذلك بتلبية الحاجيات الحقيقيّة عبر إبرام صفقة عموميّة.
إلاّ أنّ الأمر المنظّم للصّفقات لم يتطرّق إلى مفهوم تحديد الحاجيّات بالشّكل الكافي في حين أنّ الواقع أثبت أنّ تحديد الحاجيّات ينقسم إلى عدّة أنشطة وذلك كما يلي:
h   تحديد الحاجيّات الكمّية 
h ضبط الخاصيّات الفنّية 
h تحديد التّقديرات الماليّة اعتمادا على الميزانيّة المرصودة 
h الحصول على التّراخيص والمصادقات عند الاقتضاء
h التّأكد من توفّر الاعتمادات والحرص على تحيينها عند الاقتضاء
h إشهار مشاريع الصّفقات المنصوص عليها في المخطّط التّقديري
وعليه فان المشتري العمومي مطالب بـ:
P ضبط الحاجيات بدقة قبل الشروع في إعداد كراسات الشروط أو في إجراءات التفاوض المباشر 
P وضع برمجة مسبقــة لمختلف مراحل إعداد وإبرام الصّفقــات تأخذ بعين الاعتبــار المدّة الزّمنيــة الضّرورية التي تقتضيها هذه المراحل وتمكن من تفادي تأخير ابرام وتنفيذ الصفقات.
P التّنسيق مع لجنة التّقييم لترجمة الحاجيّات إلى خاصّيات فنّية. 
مرجعيّات الخاصيّات الفنيّة:
طبقا للفصل 31 من الأمر المنظّم للصّفقات العموميّة تضبط الطّلبات موضوع الصّفقة وفقا لخاصّيات فنّية تعتمد على المرجعيّات التّالية:
hمواصفات وطنية أو وثائق مرجعية أخرى معادلة يمكن للمترشحين الاطّلاع عليها، 
hالأداء أو المتطلّبات الوظيفيّة من حيث النّجاعة. ويجب أن تكون هذه المتطلبات دقيقة لتمكين المترشّحين من معرفة موضوع الصّفقة وتمكين المشتري العمومي من إسناد الصّفقة.  وعليه سيتم التطرّق في هذا المقال إلى الدّليل التّوجيهي والنّظام الوطني للتّقييس: 
الدليل التوجيهي
ينصّ الفصل 10 من القانون عدد 38 لسنة 2009 المؤرّخ في 30 جوان 2009 المتعلّق بالنّظام الوطني للتّقييس على أنّه «يتمّ ضبط محتوى الطّلبات موضوع الصّفقات العموميّة وفقا لخاصّيات فنّية تعتمد على مواصفات وطنيّة إلاّ في صورة عدم توفّر هذه المواصفات أو إذا اقتضت طبيعة الخدمات خلاف ذلك. وفي هذه الحالة يجب على المشتري العمومي أن ينصّ على ذلك صراحة عند عرض كرّاسات الشّروط على الرّأي المسبّق للجنة الصّفقات ذات النّظر. ويمكن في حالة عدم توفّر مواصفات وطنيّة الاعتماد على مواصفات دوليّة تدرج مراجعها بكراسات الشروط».
وتجدر الإشارة إلى أنّ الفصل 18 من الأمر عدد 3158 لسنة 2002 المنظّم للصّفقات العموميّة قبل إصدار الأمر عدد 1039 لسنة 2014 ينصّ على نفس الإجراءات المذكورة  أعلاه.
وفي هذا الإطار أصدر المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية، في إطار الورشة التحسيسية التي نظمها يوم 25 فيفري 2014، دليلا توجيهيا لفائدة كل الهياكل العمومية يهدف إلى تسهيل استعمال المواصفات عند اعداد كراسات الشروط الفنيّة الخاصّة. ويمكن الاطلاع على الدليل على الرابط التالي:
www.marchespublics.gov.tn/onmp/upload/documents/INNORPI_guide_Normes_et_Marches_Publics.pdf
ويحدّد هذا الدّليل الأحكام الخاصّة بمتطلّبات الجودة والمواصفات الفنّية، ويقدّم المنهجيّة المقترحة لتحديد المواصفات التي تلبّي طلبات المشتري العمومي واستخراج المعلومات المناسبة فيها وذلك في عدّة خطوات (تحديد المنتوج- البحث عن المواصفة المطلوبة- تحديد هذه المواصفة- تحديد المعلومة المناسبة في المواصفة- تحديد متطلباتها – التّنصيص عليها في كرّاس الشروط)، كما يقدّم قائمة المنتجات مهيكلة حسب القطاعات والتي يمكن للمعهد بصورة فوريّة الإشهاد بمطابقتها للمواصفات التّونسيّة والمنتجات المبرمجة للإشهاد بمطابقتها خلال مدّة وجيزة. ويجب التّذكير أنّ فكرة هذا الدّليل التّوجيهي مستوحاة من التّجربة الفرنسيّة من خلال دليل  STEPPINا(Association pour l’achat dans les services publics) وذلك في إطار برنامج التّوأمة مع الاتّحاد الأوروبي في مجال التّقييس والإشهاد بالمطابقة والسّجل التّجاري.
النّظام الوطني للتّقييس:
قدّم القانون عدد 38 لسنة 2009 مؤرخ في 30 جوان 2009 المتعلّق بالنّظام الوطني للتّقييس عدّة تعاريف. 
التّقييس: هو النّشاط الذي يهدف إلى وضع مرجعيّة للاستخدام العام والمتكرّر بهدف حلّ مشاكل فعليّة أو محتملة قصد تحقيق الدّرجة المثلى من التّنظيم في إطار معين.
المواصفة: هي وثيقة معدّة بالتّوافق ومصادق عليها من قبل هيكل معترف به، تتضمّن قواعد أو خطوطا توجيهيّة أو خاصّيات لاستعمالات عامّة ومتكرّرة ضمن أنشطة أو نتائجها قصد تحقيق الدّرجة المثلى من التّنظيم في إطار معيّن. ويكتسي تطبيقها صبغة غير إجباريّة. ويمكن أن تكتسي المواصفة أو جزء منها صبغة إجباريّة في صورة إدراجها ضمن تراتيب فنّية.
التّراتيب الفنّية: نصوص ترتيبيّة ذات صبغة إجباريّة تضبط اشتراطات فنّية أو إجرائيّة تبيّن خصائص منتج أو طرق أو وسائل الإنتاج المتعلّقة به بما في ذلك المقتضيات الإداريّة التي تنطبق عليه. كما يمكن أن تتطرّق كلّيا أو جزئيّا إلى المصطلحات أو الرّموز أو الاشتراطات في مجال التّعبئة أو التّأشير أو العرض أو النّقل.
ونظرا لعدم اعتبار التّراتيب الفنّية مواصفات على معنى القانون عدد 38 لسنة 2009 فإنّه من الأفضل أن يتضمّن الدّليل التّوجيهي تراتيب فنّية خاصّة بكلّ نوع من الشّراء ضمانا لحسن إعداد الخاصّيات الفنّية وتجنّبا لتزود المشتري العمومي بمواد وخدمات لا تلبّي حاجياته.
وحسب رأينا، فإنّ هذا الدّليل التّوجيهي الذي تمّ إعداده من طرف المعهد الوطني للمواصفات والملكيّة الصّناعية لم يحقّق الغاية المنشودة وبقي حبرا على ورق، وعلى الرّغم من أهمّيته في تحديد الأحكام الخاصّة بمتطلّبات الجودة والمواصفات الفنّية، وتقديم المنهجيّة المقترحة لتحديد المواصفات التي تلبّي طلبات المشتري العمومي، فإنّه يحتاج إلى مراجعة جوهريّة يتمّ خلالها تشريك المشتريين العمومييّن والعارضين وهياكل الرقابة وإصدار الدّليل بمقتضى قرار.
ويجب العمل على إعطاء أهمّية أكبر للتّقييس والمواصفة والتّراتيب الفنّية في مجال الصّفقات العموميّة خاصّة في ظلّ توفّر القانون عدد 38 لسنة 2009 مؤرّخ المتعلّق بالنّظام الوطني للتّقييس المذكور أعلاه.
الهيكل المكلّف بتحديد الحاجيات: 
مبدئيا يعتبر المشتري العمومي الهيكل الإداري المكلّف بتحديد حاجيّاته، إلاّ أنّه يتعيّن في كلّ الحالات التّنسيق مع لجنة التّقييم المكلّفة بترجمة حاجيّات المشتري العمومي إلى خاصّيات فنّية نظرا لدرايتها بواقع السّوق وبالخاصّيات الفنّية المتوفرة بالسّوق.
وفي كلّ الحالات يتعيّن التّمييز بين الخاصّيات الفنّية المطلوبة والخاصّيات الفنّية الدّنيا المطلوبة:
hالخاصيات الفنيّة المطلوبة: وهي عبارة عن مجموعة من المواصفات الفنّية المطلوبة لتلبية حاجيّات المشتري العمومي. وكلّ عرض غير مطابق لما هو مطلوب يتمّ إقصاؤه في مرحلة تقييم العروض. 
hالخاصيات الفنيّة الدّنيا المطلوبة: في هذه الحالة يتمّ التّنصيص على مواصفات دنيا، وعليه يتعيّن على كلّ عارض أنّ يقدّم عرضا يفوق هذه الخاصّيات الدّنيا.
ومن الملاحظ أنّه يتمّ تعيين نفس الأعضاء تقريبا بأغلب لجان تقييم العروض، فكيف يمكن تحديد الخاصّيات الفنّية لملفات طلبات العروض المتعلّقة بالـتّأثيث والمعدّات والمكيّفات والسيّارات والمعدات الإعلاميّة و لباس الشّغل والمواد الحديديّة والكهربائيّة والصّيانة لمختلف التّجهيزات والدّراسات في نفس الوقت؟.
وعليه لا يمكن للجنة التّقييم التّابعة إلى المشتري العمومي تحديد الخاصّيات الفنّية بالنّسبة إلى مختلف هذه الصّفقات نظرا لعدم كفاءتها في جميع مجالات الشّراءات.وحتى إذا افترضنا جدلا كفاءة الأعضاء، فإنّ هذا التّمشي سيؤدّي إلى تأخير في آجال إعداد تقارير التّقييم وهو ما يمكن أن يترتّب عنه النّتائج السّلبية التّالية:
P تمديد في آجال صلوحية العروض.
P عزوف المزودين عن المشاركة. 
P تحيين العروض المالية والترفيع في مبلغ العرض المالي. 
P إبرام ملاحق نظرا لتغيّر المواصفات الفنيّة المتوفّرة بالسّوق.
P تغيّر سعر الصرف ومخاطر انخفاض الدينار مقارنة مع العملات الأجنبيّة.