الإنسان والسماء

بقلم
نبيل غربال
مستقر الشمس «الجزء 4/5»
 «المستقر»/ «اسم زمكان» القرار
رأينا في الجزء الثالث (1) كيف أنّ الفضاء الفارغ من كلّ جسيم مادّي ومن كلّ فوتون (النّسيج الزّمكاني) يتمدّد. وهذا التّمدد لم يكن ممكنا قيسه الاّ على مستوى المسافات الضّخمة. لكن وبفضل التّقدم التّقني، فقد توصّل الإنسان، ومن على الأرض تحديدا، الى قيس سلسلة من التّمدّدات والتّقلّصات تعتري الفضاء محلّيا (بضعة كيلومترات) بفعل مرور أمواج ثقالة كان وجودها متوقّعا نظريّا منذ بداية القرن العشرين. 
يسمّي العلماء الطّاقة التي تمدّد الكون «طاقة الفراغ»، وهي طاقة لا تعرف ماهيتها وهو ما جعلهم يسمّونها أيضا «الطّاقة السّوداء» وتمثّل ثلاثة أرباع وزن الكون. ففي النّسبيّة العامّة الطّاقة والكتلة شيء واحد، لذلك يمكن تحويل مقدار من الطّاقة الى ما يكافئه من المادّة وهو ما يبرّر استعمال كلمة وزن للتّعبير عن كمّية الطّاقة. كما أنّ العكس ممكن وهو ما تشهد عليه وبكلّ أسف القنابل الذّريّة التي أسقطت على البشر في حروب لا ناقة ولا جمل للمقتولين فيها.
وقبل أن نتناول حركة الشّمس وعلاقة حركتها تلك بالوسط الذي تتحرّك فيه أي الفراغ (انعدام أيّ جزيء مادّي وأيّ أشعة وهو اللاّشيء بعينه بالمفهوم الفيزيائي)، نرى من الضّرورة الإشارة الى خاصّية أخرى من خاصّيات النّسيج الزّمكاني (الفضاء) حتى يتعمّق إدراكنا له رغم صعوبة تصوّر ذلك. 
فمن مبادئ العلم الحديث (2) في الحركة أنّه لا يوجد أيّ جسم ولا معلومة (فوتون ضوئي) قادرة على التّنقل في النّسيج الزّمكاني بسرعة أكبر من سرعة الضّوء حتّى أمواج الثّقالة ذاتها. لكن ليس هناك ما يفيد في نظرياتنا العلميّة ذاتها أنّ سرعة تمدّد النّسيج الزّمكاني لا يمكن أن تتجاوز حاجز سرعة الضّوء، ما يعني أنّ الكون بمقدوره أن يتوسّع بسرعات تتجاوز سرعة الضّوء. 
بل من الأكيد حسب النّظرية التي تعطي للكون وصفا متكاملا ومتّسقا مع الأرصاد وهي نظريّة «الانفجار العظيم» أنّ الكون المبكر تمدّد بسرعة أكبر بكثير من سرعة الضّوء خلال برهة زمنيّة غاية في القصر وقد سمّي ذلك الحدث الذي أنتج في الأساس كلّ الفضاء والمادّة في الكون المرئي «التّضخم». 
وبيّنت الأرصاد منذ أواخر القرن العشرين أنّ التّمدد يتسارع وأنّ المجرّات سوف تصل الى حالة تبتعد فيها عنّا بسرعة تزيد عن سرعة الضّوء، مما يجعل الاتصال بها مستحيلا. 
إنّ ما هو ممنوع في النّسيج الزّمكاني أي تجاوز حاجز سرعة الضّوء ليس ممنوعا عليه. هذا ما تعلّمنا النّظريات والأرصاد، وهذا ما علينا التّعوّد عليه من غرائب كوننا المرئي.
لقد خصّصنا ما نراه ضروريّا من تفصيل يتعلّق بالوسط الذي تتحرّك فيه الشّمس باعتبارها كتلة ضخمة وهو النّسيج الزّمكاني. فلا يمكن الكلام عن حركة الشّمس في إطار خارج النّسبية العامّة ومفاهيمها وتصوّراتها عن الفضاء. وكلّ من يتناول حركة الشّمس في إطار غير ذلك فهو مجانب للحقيقة الفيزيائيّة. 
رأينا في الجزء الثّاني(3) أنّ الشّمس تتحرّك بالنّسبة للنّجوم القريبة منها بسرعة 20 كلم في الثّانية كما تتحرّك بالنّسبة لمركز المجرة بسرعة 220 كلم في الثّانية. فلا غرابة أن تتغيّر السّرعة بالنّسبة للمرجع المعتمد، إذ ليس هناك سرعة مطلقة الاّ سرعة الضّوء طبعا كما رأينا من قبل. لكن، ما هو مرجع الحركة الذي يعود اليه تحديد المستقر حسب اجتهادنا لفهم ما يمكن أن يكون المـراد الالهـي من الآيـة رقـم 38 في سـورة يس؟ هذا هو لب الموضوع. 
إنّ المرجع الذي يهمّ الحركة المؤدّية الى استقرار الشّمــس هــو حســب رأينا النّسيج الزّمكاني ذاته. ذلك الوسط الغريب الذي رغم خوائه فهو يتمــدّد ويتقلّص وينحني ويتمـوّج. إنّــه يتأثّر بحركة الأجرام السّماوية ويؤثّر في حركتها. إنّه وسط ديناميكي رغم خوائه أي رغم عدم احتوائه على أيّ شكل من أشكال المادّة والطّاقة المعروفة. لم نعثر على هذه الفكرة في كلّ مــا جــاء تحـت أنظارنا من مقالات ونصوص ومراجع ونزعم أنّها ربّما تُقال لأوّل مــرّة. فماذا نعني بالضّبط من استقرار للشّمس في النّسيج الزّمكاني وهل هذا ممكن؟
ذكرنا سابقا بأنّ النّسبية العامّة توقّعت انبعاث موجات جاذبيّة في النّسيج الزّمكاني تتشكّل بفعل حركة الأشياء الثّقيلة وقد رصدت فعلا (2015 م).  وللتّعامل معها بصريّا يمثّل العلماء موجات الجاذبيّة بالأمواج التي تنشأ عند سقوط جسم على سطح ماء راكد. وكما أنّ الجسم السّاقط على سطح الماء يهتز لأعلى وأسفل بقدر كبير في البداية ثمّ ما يلبث أن يقلّ في مقدار حركته العمودية الى أن يثبت ويسكن، اذ تحمل التموّجات طاقته الحركيّة بعيدا، كذلك يحدث للشّمس وكلّ الأشياء الثّقيلة المتحرّكة في الفضاء. 
تنتج حركة الشمس في فلكها حول مركز المجرّة أمواجا جاذبيّة أي سلسلة متتابعة ودوريّة من تمدّد الفضاء نفسه وتقلّصه محلّيا. فلو كان بإمكاننا إحساس ذلك الأثر لشعرنا عند مرور الموجة بسلسلة متتالية من الانضغاط والتّمدّد. إنّها جزء من الطّاقة الحركيّة للشّمس حملتها تلك الأمواج بعيدا عنها وهي تجري في النّسيج الزّمكاني. ومع مرور الزّمن طال أم قصر فإنّ طاقة حركة الشّمس تتحول كلّها الى أمواج ثقالة حتى يؤول بها الأمر الى حالة ثابتة ثباتا تامّا في النّسيج الزّمكاني وهو أقصى ما يمكن أن يتصوّره الإنسان من ثبات في كوننا المرئي.  فلا ننسى أنّ الكون يتمدّد وأنّ التّمدّد هو الذي يبعد المجرّات ما يعني أنّ هاته الأخيرة ثابتة في النّسيج الزّمكاني. نعم سيكون إذا للشّمس موضع قرار في النّسيج الزّمكاني تفقد عنده الحركة بالنّسبة لأخر وأعمق مرجع للحركة يمكن تصوّره ألا وهو النّسيج الزّمكاني. 
وفي إطار هذا التفسير العلمي يحقّ لنا أن ندّعي أنّ المراد المحتمل من مستقرّ الشّمس هو ذلك المنخفض الثّقالي الذي ستحدثه الكثافة العالية للشّمس في النّسيج الزّمكاني وتثبت فيه. إنّه تمدّد محلّي في النّسيج الزّمكاني. 
ولتقريب ذلك الحدث الضّخم بكلّ المقاييس الى الذّهن، علينا استرجاع ما قلناه في مقدّمة الجزء الثالث حيث يتمدّد حجم البيت ملايين أضعاف حجم المنزل دون أن يتغيّر حجم هذا الأخير ولا حتّى حجم البيوت والمساحات التي يتشكّل منها. إنّه زمكان ستستقر عنده الشّمس وهي تجري الآن طالبة له. 
في المقال الخامس والأخير سنواصل الاستدلال على ما افترضنا أنّه مستقرّ الشّمس من خلال تحليل الصّياغة اللّغوية التي جاءت بها الآية موضوع البحث.
«الهوامش
[1] مجلّة الإصلاح - السنة السابعة - العدد 130 - أفريل 2018 - ص.ص 58 إلى 60 
[2]  بداية من عام 1905م
[3] مجلّة الإصلاح - السنة السابعة - العدد 129 - مارس 2018 - ص.ص 68 إلى 73