في العمق

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
محاولات ترويض وتطبيع الصفر (0) واللانهاية
 في البدء كان العدم 
الصّفرهو قيمة العدم، لكنّه يعطي غيره القيمة من خلال اعتباره النّقطة المرجعيّة للقياس في الرّياضيات وفي الفيزياء، ولا يعرف على وجه الدّقة أوّل من عبّر عن الصّفر، هل هم السّومريّون، أم الهنود. كان يعبر عن الصفر أولا بترك فراغ بين الأرقام، ثم استعاضوا عن الفراغ بوضع خطّين لتمثيل قيمة الصّفر، حتّى جاء «الخوارزمي» واقترح أنّه عندما لا يظهر أيّ عدد في خانة العشرات فيجب استخدام دائرة صغيرة في الحسابات، ودعا هذه الدائرة صفرا، وانتقل الصّفر لفظا ومعنى عن طريق الفتح الإسلامي لإسبانيا إلى أوروبا، وشكّ الأوربيّون بالصّفر العربي، ووصفوه بأنّه «شيطان»، وتمّ حظره ومُنع استخدامه، إلاّ أنّ التّجار استخدموه سراً وبشكل غير قانوني. ومع بداية عصر النّهضة تمّ قبوله في جميع أنحاء أوروبا، وأصبح أساسيّاً في نظام الإحداثيّات الدّيكارتيّة، وحساب التّفاضل والتّكامل الذي مهّد الطّريق لتطوّر علوم الرّياضيات، والفيزياء الحديثة. أمّا المالانهاية فقد صرّح أرسطو «أن فيثاغورس هو الذي وضع اللاّنهاية الممكنة»، ولكن سرعان ما تصادم التّصوّر الفيثاغوري مع وجود الأعداد غير النّسبيّة، فوقع استبداله بمفهوم الاستمراريّة، وهو أنّ كل خطّ مستقيم يمكن تقسيمه إلى ما لا نهاية من الأجزاء، وعدد نقاطه تكون لانهائيّة أيضًا. ثمّ ظهرت مفارقات «زينو» التي تقوم على أنّ الزّمان والمكان قابلان  للتقسيم اللانهائي، والتي تعارضت بنفسها مع المفاهيم التّقليدية حول اللاّنهائيّة في الكبر وفي الصّغر. أما «جون واليس» الرّياضي الإنجليزي، فكان أوّل من أدخل رمزها الغريب ∞ عام 1655 في عمله المعنون «مخروطي الأقسام» ولم  يفسّر «واليس» اختياره لهذا الرّمز، لكن أرجع البعض استخدام هذا الرّمز كبديل للرّقم الروماني 1000 (والذي كان يكتب على الصّورة CIƆ، والذي كان يستخدم للدّلالة على الكثرة الرّهيبة، والبعض أرجعه إلي أنّ الرّمز مأخوذ من الحرف الأخير في الأبجديّة اليونانية أوميجا  ω  وفي ذلك دلالة على أنّ المالانهاية كانت تدلّ أوّل ما تدلّ على الكثرة المرعبة من أيّ شيء يعيش معنا في دنيانا كعدد حبّات الرّمال، أمّا تجريد المعني فشيء آخر.
هل هناك حقّا لانهاية في الطّبيعة
لا تعيش اللاّنهاية ولا الصّفر في عالمنا الفيزيائي، وليس معنى ذلك أنّهما ليسا موجودين، فنحن والجنّ والملائكة نعيش في فضاءات متباينة ولا ينفي ذلك وجود أحدنا، لكن وُضِع في العقل سلفا ما يجعل مفهوم اللّانهاية مقبولا كامتداد طبيعي للعالم المحسوس، وكذلك الصّفر كامتداد للتّحلل حتى الفناء. وكرابطين بين وجودنا الجزئي هنا من العدم ووجودنا اللاّنهائي هناك في الآخرة، أو بشكل علمي غير دقيق بعض الشيء: اللاّنهاية الممكنة مفهوم فزيائي يعبّر عن جهل الإنسان المستمر بأكبر عدد، فكلما عرف الإنسان عددا هائلا انتقل إلى عدد أكثر منه هولا، وهذه ليست اللاّنهاية الفعليّة، ولن تنتهي هذه العمليّة طالما كان الإنسان في هذا الوجود، وهي بمثابة تطبيع اللاّنهاية فيزيائيا، كما أنّ الصّفر مفهوم آخر يعبّر عن جهل الإنسان بمقدار أصغر عدد وهو  - أي أصغر عدد ذا قيمة موجبة- لا شكّ هو في جوار العدم والعدم هو المعبّر عن الصّفر، واعتبارالصّفر النّقطة المرجعيّة  للقياس يمثّل تطبيعا للصّفر فيزيائيّا، وقد يستعصي هذان المفهومان عن الفهم، لكن مع فرض الاتصال مع المعلوم هو الذي ملكنا جزءا من فهم هذه المفاهيم المجرّدة. وفي الرّياضيات حاول الرّياضيّون ترويض اللاّنهاية «النّظرية» من خلال نهاية القسمة على كمّية رياضيّة تصغر شيئا فشيئا حتى تصل إلى جوار العدم أو ما نسمّيه «اللاّنهائي في الصّغر» فنحصل على شيء ما في جوار اللاّنهاية وهو ما نسمّيه «اللاّنهائي في الكبر» حتى نصل في النّهاية إلى فهمٍ اللانهاية النّظرية. وفي هذا العالم الغريب من الكائنات اللاّنهائية تقابل العجائب الرّهيبة مثل أن ترى الجزء ليس أصغر من الكلّ بإطلاق، فربّما كان الجزء يساوي الكلّ في بعض سماته، حتّى إنّ رياضيّا مثل «بولزانو» يقول من الممكن التّخلّي عن «مبدأ أنّ الكلّ أكبر من الجزء» عندما يتعلّق الأمر بالمجموعات اللاّنهائية لتوضيح ذلك خذ هذا المثل الرّائع.
مفارقة فندق هلبرت
كان «هلبرت» من أشدّ المعجبين بأعمال «كانتور» المتعلّقة بالمالانهايات، ومن شدّة إعجابه قال عنها: «لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يخرجنا من الجنّة التّي أدخلنا «كانتور» فيها»، يعني بذلك جنّة المالانهايّات. لندخل تلك الجنّة العجيبة متخيّلين أنّ هناك شركة سياحيّة عملاقة بنت فندقا على كامل مساحة الكرة الأرضيّة، وبالرّغم من أنّه فندق عملاق ولا شكّ لكنّنا نستطيع عدّ غرفه وحصرها عددا، لذلك إن امتلأت كلّ غرف الفندق فليس هناك ثمّة مكان لوافد جديد، أمّا في فنادق الرّياضيّات فثمة الغرائب والعجائب. هب أنّ فندقا للرّياضيات غرفه مرقّمة بالأعداد 0، 1، 2، 3، ... إلى مالانهاية وليس فيه غرف شاغرة،  حيث يشغل كلّ نزيل غرفة. ثم جاء نزيل جديد يبحث عن غرفة، فأجابه مسؤول الاستقبال: «لا تشغل بالك بهذه المشكلة، انزل في الغرفة رقم  0 وسوف أطلب إلى نزيل هذه الغرفة الانتقال إلى الغرفة رقم 1، ومن نزيل الغرفة رقم 1 الانتقال إلى الغرفة 2، وهلم جرّا...» أي بشكل رياضي سيطلب من نزيل الغرفة رقم n الانتقال إلى الغرفة رقم n+1. وهكذا سيشغل الضّيف الجديد الغرفة رقم 0. وقد يخطر بالبال السّؤال التّالي: أين يذهب النّزيل الموجود بالغرفة الأخيرة بالفندق؟ والجواب بسيط جدّا، أنّه لا يوجد غرفة أخيرة، وهذا هو جوهر اللاّنهاية. هذا مع نزيل واحد جديد فكيف إذا قدمت حافلة رياضيّة لانهائيّة المقاعد تقلّ على متنها نزلاء جددا لانهائييّ العدد يرغبون بالنّزول في هذا الفندق العجيب، سيكون جواب مسؤول الاستقبال بالفندق للضّيوف الجدد لا تشغلوا بالكم بهذه المشكلة، فعندنا أماكن للجميع، سننقل جميع من في الغرف ذات الرقم n إلى الغرف ذات الرقم 2n حينئذ ستصبح كلّ الغرف ذات الأرقام الفرديّة شاغرة من النّزلاء وهي جاهزة لكم. قد تبدو هذه مفارقة للحسّ العام، لكن دعنا نستمر قليلا في هذا العالم الملغم بما يخالف المألوف.
أنماط غير مألوفة 
لنتصور أنّنا نودّ معرفة عدد مجموعة الأعداد الطّبيعية (الأعداد الصّحيحة الموجبة والصّفر) ثم أردنا معرفة عدد مجموعة الأعداد الطّبيعية الزّوجيّة فقط، هل تساويها، هل أكبر منها، هل أصغر منها. المتبادر إلى الذّهن أنّ عدد  مجموعة الأعداد الطّبيعية كلّها هو اللاّنهاية، لكن ستفاجأ الآن أنّ عدد أفراد جزء منها وهو مجموعة «الأعداد الزّوجية  مثلا» هو أيضا اللاّنهاية، وربّما يتبادر إلى الذّهن أنّ هناك لانهاية ما أكبر من لانهاية أخرى. لندخل أرض الألغام بهذا السّؤال: هل لانهاية الأعداد الطّبيعية أكبر أم تساوي لانهاية الأعداد الزّوجية؟ للإجابة على هذا السّؤال ليس أمامك من طريق سوى المقارنة بين هذه وتلك (علاقة واحد لواحد وتسمى في الرّياضيات «تقابلا») وهو نفس الأسلوب الذي طرحه «كانتور» في مقارنة «مجموعتين» لا نهائيتين، فكلّ عدد طبيعي يقابله عدد زوجي فريد، تحدّده علاقة رياضيّة معروفة، بهذا نستطيع أن نلقي بأوّل قنبلة بأنّ الجزء ليس أصغر دوما من الكلّ في كلّ صفاته. وهو الأمر ذاته إذا ما قارنّا عدد مجموعة الأعداد الفرديّة بعدد مجموعة الأعداد الطبيعيّة وسنجد أيضا علاقة رياضيّة تربط كلّ عدد طبيعي بعدد فردي وحيد. وبنفس الطّريقة من الممكن إثبات أنّ عدد مجموعة الأعداد الطّبيعية يساوي عدد مجموعة الأعداد النسبية (الكسريّة).
هل كلّ اللانهايات متكافئة
هل نصل بذلك إلى أنّ عدد كلّ المجموعات اللاّنهائية هو نفسه؟، هل كلّ اللانهايات تتكافأ في كلّ الخواص الرياضيّة؟. برهن «كانتور» عن طريق البرهان بالتّناقض أنّ عدد الأعداد الحقيقيّة (الأعداد الكسرية وغير الكسرية) يفوق عدد الأعداد الطّبييعة أي أنّ لانهائيتها أكبر من لانهائية الأعداد الطّبيعية، وبالتّالى فلا يمكن أن نرصّ كلّ الأعداد الحقيقيّة فى قائمة لانهائيّة طويلة تبدأ من العدد الحقيقي الأول ثمّ العدد الحقيقي الثّانى حتّى نصل إلى العدد اللاّنهائى الأخير. افترض «كانتور» أنّه قد أمكننا كتابة هذه القائمة الطّويلة اللاّنهائية (بين الصّفر والواحد) والتي لا تترك عددا حقيقيّا إلاّ وقد تضمّنته بداخلها (مجرد افتراض لم يقم عليه الدّليل بعد) بعد الانتهاء من هذه القائمة المزعومة سيظلّ بإمكاننا دوما تكوين أعداد حقيقيّة جديدة ليست محتواة بداخل تلك القائمة. أي أنّه بفرض وجود قائمة تعدّد كلّ الأعداد الحقيقية فإنّها حتما ينقصها على الأقل عدد حقيقي واحد، والفكرة كالتّالي: نفترض أنّ تلك القائمة صورتها كالتالي: ....,0.02153458697..., 0.31248092567...,... 0.10293742506 تقوم الطّريقة على الخطوات التّالية نأخذ أوّلا العدد فى الخانة الأولى بعد الفاصلة العشرية فى الرقم الأول ونغيره وبذلك نحصل على الخانة الأولى لعددنا الجديد. ثم نأخذ العدد فى الخانة الثانية فى الرقم الثاني ونغيره. ثم نفعل ذلك مع الخانة الثالثة فى العدد الثالث ونغيره،  وهكذا حتى نصل إلى الخانة اللاّنهائية فى الرّقم اللاّنهائي ونغير العدد الموجود هناك.  فنحصل في النّهاية على عدد جديد يختلف عن كلّ الأعداد الموجودة فى القائمة. 
الفارق بين الأعداد الحقيقيّة (أو غير النّسبية تحديدا) والأعداد الطّبيعية أو الصّحيحة هي قابليّة أحدها للعدّ وغير قابليّة الأخرى للعدّ. وليس المقصود من أنّ الأعداد القابلة للعدّ هو أنّنا نستطيع أن نعدّها، لكن المقصود هو أنّه يمكننا أن نبدأ ذلك فقط. فلو كان هناك حاسوب عملاق يستطيع كلّ ثانية مثلا أن يعدّ عددا واحدا. وأعطيناه مالانهاية من الثّواني فسوف يستطيع سرد كلّ الأعداد الطّبيعيّة. لكنّ نفس الحاسوب لن يتمكّن من فعل الشيء نفسه بالنّسبة للأعداد الحقيقيّة لأنّه لن يستطيع أن يبدأ مهمّته أساسا. فنحن لن يمكننا أن نصل الى آخر عدد حقيقيّ ولا الى أوّلها ولا نعرف حتّى طريقة لتسمية كلّ الأعداد الحقيقيّة. فما هو مثلا اسم العدد الحقيقى الذي هو جار الصّفر مباشرة؟ 
والسّؤال الآن هل توجد مجموعة أعداد لانهائيّة بحيث يكون حجم لانهايتها أكبر من حجم لانهاية الأعداد الطبيعيّة وأقلّ من لانهائيّة الأعداد الحقيقيّة؟ في حدود علمي كباحث لا يوجد إجابة قاطعة على هذا السّؤال. يمكن إثبات أنّ عدد النّقاط الهندسيّة على خطّ مستقيم طوله ملايين الكيلومترات أو أكثر يساوي عدد النّقاط الهندسيّة على خطّ مستقيم طوله سنتيمتر واحد أوأقل من خلال التّناظر بالإسقاط الهندسي، كما يمكن تعيين تقابل بين مجموعة نقاط سطح مستوٍ (ثنائيّات مرتّبة) ومجموعة النّقاط الهندسيّة على خطّ مستقيم بتكوين عدد من الثّنائيات المرتّبة مكوّنا بالتّبادل بين أرقام مركبتي الثّنائي المرتّب، وبنفس الطّريقة يمكن تعيين تقابل بين نقاط حجم ما (ثلاثيّات مرتّبة) ونقاط مُنحنٍ مفروض، بل إنّ عدد النّونيات المرتّبة لفضاء نونيّ البعد تتطابق مع عدد النّقاط في المستقيم وقد كتب كانتور إلى ديدكند بهذا الخصوص «إنّي أرى هذا، لكنّني لا أصدقه». 
اللانهاية الفعلية والممكنة
من الصّعب جدّا تصوّر وجود اللاّنهاية على خطّ الأعداد وجودا فعليّا، فأرسطو كان يرفض أيّ وجود مادّي للّانهاية الفعليّة، وفي الوقت نفسه كان يعترف بوجود رياضي معيّن للانهاية ممكنة، لكن على العكس دافع «ليبنيتز» عن فكرة اللاّنهاية الفعليّة بشكل فلسفي قائلا: «إنّني أقبل فكرة اللاّنهاية الفعليّة إلى درجة أنّني بدلا من تقبّل الفكرة السّائدة القائلة بأنّ الطّبيعة تنفر منها، أقول بأنّ الطّبيعة تضعها في كلّ مكان كي تسجّل عظمة خالقها». وبالرّغم من أنّ «جاوس» كان لا يقبل استخدام كائن لانهائي ككلّ كامل؛ قائلا إنّ هذه العملية ممنوعة في الرّياضيات، فاللاّنهاية ليست سوى تعبير مجازي، لكن هذا ليس بعيدا عن قبول «ليبنيتز» لها فلسفيّا. بذلك فعلت اللاّنهاية بعلماء الرّياضيات الشيء وضدّه، فالملحدون أثبتوا وجودها لإثبات الوجود اللاّنهائي للعالم ومن ثمّ قِدَم ذلك العالم وسرمديته في الاتجاهين وبالتّالي فليس هناك حاجة لخالق، ونهاية وبعث، تعالي الله عما يقولون علوّا كبيرا، والمؤمنون منهم أثبتوا وجودها غير المادّي كي يربطوا بين المادّي والغيبي، وصلا لعالم الشّهادة بعالم الغيب. يرجع السّبب الأساسي للتّخوف من اللاّنهاية الفعليّة إلى مفارقة الانعكاسيّة التي تضاد مبدأ أنّ «الكلّ أكبر من الجزء» وهي أنّه يمكننا أن نقيم تقابلا،  بين مجموعة لانهائيّة قابلة للعدّ وبين أي مجموعة جزئيّة فعليّة منها. والأمثلة السّابقة مثال على ذلك. 
حاول الرّياضي التّشيكي «بولزانو» في كتابه مفارقات اللاّنهاية إيجاد تقابلات بين مجموعة ومجموعاتها الجزئيّة الفعليّة واقترح أن نرى في هذه العلاقات ما يميّز المجموعات اللاّنهائية، وهذا يعني التّخلي عن «مبدأ الكلّ والجزء» عندما يتعلّق الأمر بالمجموعات اللاّنهائيّة. وفيما بعد عرّف الرّياضي الألماني «ديدكند» المجموعة اللاّنهائية بأنّها المجموعة التي تسمح بإيجاد تقابل بينها وبين مجموعة جزئيّة فعليّة منها. وحاليا، غالبا ما نتبنى هذا التّعريف في نظريّة المجموعات لتعريف المجموعة اللاّنهائية [1]. 
من الأعداد إلى المجموعات
تعتبر الفيثاغوريّة  أنّ العدد هو جوهر الوجود وحقيقته، باعتبار أنّ كل شيء عندهم في النّهاية هو عددٌ، فما مِن جسم في هذا الكون أو غير جسم إلاّ وله صفة العدديّة، ولا يتحقَّق التّمييز عند الفيثاغوريين بين  الأشياء إلاّ بالعدد. أمّا الكانتوريّون فقد رفعوا شعارًا آخر، وهو أنّ كلّ شيء هو مجموعة، إذ يمكن تمثيل سائر الأشياء عندهم بمجموعة. أثار ذلك جدلًا وصراعًا فلسفيًّا كبيرًا، حتّى اعتبره البعض انقلابًا على أسس الرّياضيات الكلاسيكيّة، وعبر «جاوس» عن مخاوفه حول اللاّنهاية الحقيقيّة قائلًا: «إنّني أقف بشدّة إزاء الكمّية اللاّنهائية كشيءٍ متكامل أو تامّ، والذي يعتبر شيئًا غير مقبول أو مسموح به في الرّياضيات». وهو منطلق من جانب فلسفي أنّ الكلّي والنّهائي لا يعيش معنا في دنيانا. فردّ «كانتور» على هذه المخاوف، قائلًا: «رغم الاختلاف الجوهري بين اللاّنهائيّة الممكنة، واللاّنهائية الفعليّة، فإنّ الأُولى تعني ذلك التّغير الذي يكون في تزايد دائم، ويتجاوز جميع حدود النّهايات، أمّا اللاّنهائية الفعليّة، فهي كمّية ثابتة محدّدة تكمن وراء جميع الكميات المحدّدة، تمّ الاعتراض وبشدّة على نظرّيات «كانتور» وتصوّراته الجديدة حول اللاّنهاية، من معظم الفلاسفة واللاّهوتييّن ومعظم الرّياضيين، مثل «بوانكاريه» الذي رفض نظريّة الأعداد اللاّنهائية بعنف، واعتبر ما جاء به «كانتور» مرضًا خطيرًا يجب التّخلص منه، في حين اعتبر «كرونيكر» كانتور مشعوذًا، وأنّ أعماله الرّياضية مجرَّد فلسفة فارغة جوفاء. لم يمنع ذلك كله «كانتور» من استكمال عمله حول اللاّنهايات.
فرضية المتصل لعالم المالانهايات
إنّ كل مجموعة منتهية مؤلفة من n عنصرا، فإنّ لها 2n مجموعة جزئيّة مختلفة منها، وبالتّالي فإذا كانت المجموعة غير منتهية فإنّ عدد مجموعاتها الجزئية يكون (2 أس مالانهاية) أي أكبر من عدد عناصرالمجموعة الأمّ. لقد أطلق كانتور اسم «Aleph Null» على مالانهاية الأعداد الطّبيعية، وتيسيرا في النّطق سنسميها  المالانهاية رقم 1 التي تقابلنا في طريق المالانهايات وبالتّالي فإنّ عدد مجموعاتها الجزئيّة سيكون هو المالانهاية رقم 2 وهي أكبر من مالانهاية المجموعة الأم وهكذا، حاول «كانتور» البرهنة على تسلسل هذه العمليّة لكنّه لم يستطع، وافترض فرضيّة أسماها فرضيّة المتّصل «لا يوجد بين قوّة الأعداد القابلة للعدّ وقوّة الأعداد غير القابلة للعدّ قوة أخرى، بحيث لا يمكن أن توجد فئة عددية أخرى تقتحم الترتيب» وهو ما لايمكن برهنته ولا برهنة خطئه. فالرّياضيّات ليست مكتملة كما برهن «جودل»، لكن بناء على مسلّمة الاختيار ونظريّة «زارمولو-فرانكل» ينبغي أن ننتبه إلى أنّه حتّى ولو كانت هذه الفرضيّة خاطئة فليس معنى ذلك أنّ متتابعة المالانهايات التي اقترحها غير موجودة. ولقد رأينا من قبل أنّ ضخامة الأعداد الحقيقيّة أكبر بكثير من ضخامة الأعداد الطّبيعية وأنّها ربّما لا تليها مباشرة فى تراتيب الأعداد اللاّنهائية، بل ربّما توجد بينهما مالانهايات أخرى ذات سعات مختلفة، بل وربّما مالانهاية من اللاّنهايات[1] .  
المراجع
 [1] جين ب. دولاهي «هل اللاّنهاية في الرّياضيات مفارقة»، مجلة العلوم الأمريكيّة، عدد يوليو - أغسطس 2002 / مجلد 18.