خواطر

بقلم
علي عبيد
الأمل... في وحدة المغرب العربيّ
 يعيش الكثير من المفكّرين والمحلّلين والمثقفين العرب، بما فيهم المعروفين عند القاصي والدّاني بنزعتهم التفاؤليّة، حالة من الإحباط والتّشاؤم يعبّرون عنها بشكل جليّ في كتاباتهم ومحاضراتهم ومداخلاتهم التلفزيّة هنا وهناك نتيجة الوضع الكارثي الذي يعيشه المشرق العربي، خاصّة رمز «المجد العربي» المتمثّل في العواصم العربيّة الثلاث: «القاهرة ودمشق وبغداد» التي فقدت موقعها القيادي العربي بحكم ما تعرّضت إليه خلال السّنوات الأخيرة من تدمير ممنهج واحتلال وهيمنة من طرف القوى الدّولية الغربيّة المعادية للعرب فلم تعد قادرة على قيادة الأمّة في بناء نفسها وفي مقاومة الكيان الصهيوني عدو الأمّة التاريخي . 
لم يعد بالنّسبة لهؤلاء أيّ أمل في النّهوض من جديد، ويتساءلون بحسرة وألم كيف يستطيع المواطن العربي أن يشعر بالأمل ويسمح لنفسه أن يحلم بمستقبل مشرق وأن يزرع ثقافة الأمل والتّفاؤل بين النّاس في ظلّ هذا الوضع الكارثي؟
ما يجلب الانتباه في تحليل هؤلاء ربط مصير الأمّة العربيّة بما يحدث في دول المشرق العربي فقط، غير عابئين بالدّور الذي يمكن أن تلعبه دول المغرب العربي وهو ما يجعل هذه الرّؤية قاصرة وعديمة الفائدة حسب رأينا. ولهذا سنحاول النبش من خلال هذا المقال في التّاريخ العربي انطلاقا من الماضي القريب إلى الماضي البعيد لمعرفة الأدوار التي قام بها المغاربة في الدّفاع عن هذه الأمّة وتحقيق مجدها وعزّتها.
تونس مهد ثورات الربيع العربي
قبل ثمان سنوات من الآن، لم يكن العرب يتوقّعون تغييرا، ولو بسيطا، في واقعهم الذي كان يهيمن عليه مستبدّون  ظلمة، يعتمدون على موالاتهم للدّول الغربيّة الاستعماريّة وعلى رأسها أمريكا في تثبيت حكمهم وسيطرتهم على ثروات الشّعوب التي يحكمونها بالحديد والنّار. لكنّ الأمل انبثق من جديد من المغرب العربي وبالتّحديد من تونس، حيث انتفض شعبها ضدّ بن علي وقاد شبابها ثورة عارمة لتعلن سقوطه يوم 14 جانفي 2011 فكانت بداية لربيع عربيّ، بلغ صداه المشرق والمغرب، وبالرغم من تعثّره فقد فتح للشّعوب العربيّة آفاقا جديدة وأعطاها أملا في استرجاع كرامتها.
دورالمغاربة في الدفاع عن بيت المقدس 
نعود بالتّاريخ إلى الوراء لننفض الغبار عن دور المغاربة في الدّفاع عن بيت المقدس في عهد «نورالدّين زنكي» حيث دأب عدد كبير منهم على التطوّع ضمن جيشه لكسر شوكة الفرنجة في بلاد الشّام وكان «نور الدين» يخصّص لهم أوقافاً لاستنقاذ أسراهم من الصّليبيين. واستمرّت مساهمة المغاربة في الجهاد من أجل تحرير بيت المقدس، حيث ساعد عدد كبير من القادة والمجاهدين القادمين من المغرب العربي القائد «صلاح الدّين الأيوبي» في حربه ضدّ الصّليبيين إلى أن اكتمل النّصر وتمّ تحرير القدس بالكامل. 
فقد حطّت رحال المغاربة في المشرق ضمن أسطول ضخم قبل ثمان مائة وثلاثون عاما (1187م)، تلبية لطلب القائد «صلاح الدّين الأيوبي» من سلطان المغرب «يعقوب المنصور» مدّ يد العون له وتزويده بأساطيل بحريّة لتسانده في تحرير مدينة القدس.  
وبعد تحرير القدس كرّم «صلاح الدين» المجاهدين من بلاد المغرب العربي بإسكانهم في المدينة وخصّهم بحيّ مقابل للحرم القدسي الشّريف واقترن ذكر باب المغاربة بذكر حائط البراق الذي يخلّد ذكرى حادثة الإسراء والمعراج، ولقد قال فيهم «صلاح الدّين» حينها: «أسكنت هنا من يثبتون في البرّ ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة». ولقد ذكرت المراجع التاريخية صلابة المجاهدين المغاربة في قتال الصّليبيين وأبرزت حبّهم للقدس الشّريف وتضحياتهم الجسام من أجل تحريره.
أبو الحسن الفرياني الصّفاقسي القدوة الحسنة
كان لانتصار أهل صفاقس وهي مدينة مغاربية على النّرمان وتحرير مدينتهم منهم في عام 1156 م الأثر الكبير على المجاهدين في المشرق العربي في حربهم ضدّ الصّليبيين. ولعلّ القائد «صلاح الدّين» الذي قاد الجهاد لتحرير بيت المقدس قد استفاد من تجربة أهالي صفاقس الذين رفضوا الخضوع للاحتلال الصليبي وثاروا ضدّ النرمان بقيادة زعيمهم «عمر بن الشيخ أبو الحسن الفرياني» وأطردوهم شرّ طردة وأعطوا المثال لبقية العرب والمسلمين في عدم الاعتماد على الغير والانتظار. فقد وصل الخبر إلى المشرقيين وعلموا أن النّصر على الصّليبيين ليس بالأمر المستحيل. لم يقل «صلاح الدّين» سأنتظر حلاّ من حكّام ثالوث القاهرة ودمشق وبغداد بل اقتنع أنه عليه أن يبدأ من الموقع الذي هو فيه فقضى على الخلافة الفاطميّة بمصر وأسس دولة قوّية استغلّت عناصر القوّة في كلّ من مصر والشّام والعراق وعمل على جمع الشّمل وتوحيد صفوف المسلمين، ولم يتغافل عن دور المغاربة وبقيّة الأطراف وتجاوز أخطاء معاصريه فأتمّ ما بدأه معلّمه وقائده نورالدّين زنكي. ولمّا حاول اسماعيل نجل نورالدّين الاستئثار بالأمر لنفسه بعد وفاة والده، أقنعه صلاح الدّين بضرورة التّعاون والوحدة لمواجهة العدوّ الصّليبي وتحرير بيت المقدس وهكذا نجح فيما عجز عنه سابقوه. 
لماذا لا ننطلق من المغرب العربي؟
أثبتت الوقائع التاريخيّة وجود تفاعل بين المشرق والمغرب العربيّين وأنّ المغاربة كانوا طرفا مساهما في أهمّ الأحداث التي غيّرت مجرى التّاريخ وحصلت في المشرق العربي سواء بطريقة مباشرة (تحرير بيت المقدس) أو بطريقة غير مباشرة (اشتعال فتيل الثّورات العربيّة الحديثة من تونس). ولهذا فليس الوهن الذي تعيشه دمشق والقاهرة وبغداد والتّناحر الذي يتضخّم يوما بعد يوم بين عرب المشرق فيما بينهم والحروب الطائفيّة المنتشرة هناك هي إعلان باندثار الأمّة وفقدان الأمل في النّهوض بها من جديد. فمن الممكن جدّا الانطلاق من المغرب العربي لإعادة بناء مجدها. إنّنا ندعو مثقّفينا ونخبنا السّياسيّة والفكريّة إلى النّظر إلى هذه المسألة بتمعّن وواقعيّة، فعوض أن ننقسم إلى فرق موالية لأنظمة المشرق فتكون بعضها موالية للنّظام السّوري بدعوى تمثيله لخطّ الممانعة وأخرى موالية للنّظام السعودي باعتباره ممثّلا للخطّ السنّي والبعض الآخر موالٍ للنّظام التّركي بحكم نجاحه الاقتصادي والعسكري وباعتباره وريثا للخلافة العثمانيّة. عوض أن نتشتت فرقا وجماعات موالية لحكام المشرق علينا أن نفكّر في إيجاد حلّ انطلاقا من محيطنا المغاربي،  فنحن أهل المغرب العربي قدّمنا دروسا عديدة لأهل المشرق وكنّا جزءا من الحلّ في مراحل تاريخيّة متعدّدة ولم نكن في يوم من الأيام جزءا من المشكل. ونحن نرى أن الفرصة مواتية اليوم لتحقّق شعوب المغرب العربي وحدتها وتكون الرّافد الأساسي لدفع قاطرة العالم العربي والإسلامي.فعوض أن نفكّر مثلا في أصدقاء سوريا وجمعهم في مؤتمر ببلادنا ثمّ نكتشف الحقيقة بعد فوات الأوان ونتبيّن أن هؤلاء ليسوا بأصدقاء بل هم يتآمرون علينا ليلا ونهارا ويخطّطون لإخماد نار ثورتنا، علينا أن نفكّر في التفاعل مع واقعنا المغاربي بدون انتظار مبادرة من هؤلاء الأصدقاء المشبوهين ولا نبقى مكتوفي الأيدي بدعوى الحياد والبقاء على نفس المسافة من جميع الأطراف وترك شأن ليبيا لليبيين وشأن الجزائر للجزائريين، في حين يتحرّك الأعداء على كلّ الواجهات وتعتبر تحركاتهم «وساطة خير» ومبادرات سلام واتفاقيات دوليّة. أمّا نحن فنبقى على الرّبوة ننتظر نتيجة تفاعل أشقّائنا في ليبيا والجزائر وبقيّة الأقطار العربيّة مع هذه المبادرات ونصف مواقفنا بالحكمة والرّصانة والدبلوماسيّة المعتدلة. فإذا كانت الحكومات عاجزة عن التدخّل خوفا أو ضعفا، فأين تفاعل المجتمع المدني مع قضايا إخواننا في بقيّة أقطار المغرب العربي؟ وأخصّ بالذكر القطر اللّيبي الشّقيق . فكيف سندرّس هذه الحقبة التّاريخيّة لأبنائنا وأحفادنا؟ ماذا سنقول لهم حين يسألوننا ماذا فعلتم لمساعدة الأشقّاء في ليبيا للخروج من أزمتهم؟ فهل سنقول لهم أنّنا لم نملك زمام المبادرة وأنّنا تركناه لحلف النّاتو ليقرّر مصير شعبنا اللّيبي وكنّا في المقابل نتصارع ونتبادل التّهم على أساس ولائنا لحكّام سوريا وقطر والسّعوديّة وتركيا؟