شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
عبد الرحمان المنيف الروائي الثائر
 هو خبير اقتصادي وأديب وناقد حداثي سعودي وهو واحد من أبرز وأهمّ الروائيين العرب في القرن العشرين؛ استطاع في رواياته أن يعكس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، ويصف بدقّة متناهية التحولات الثقافية الكبيرة التي حصلت في المجتمعات الخليجيّة النفطيّة. ثوّر الرواية العربيّة وجعل لرواياته صوتا خاصّا لتقول الأشياء دون تلعثم وبشكل جميل من غير أقنعة ومن دون استعارة أصابع الآخرين. مزج في رواياته بين الأدب والسيّاسة وكتب عن المحرمات في السياسة من أجل الحرّية وحقوق الإنسان وكرامته ضدّ القمع وغطرسة الدكتاتوريات العربيّة الجاهلة. فكان من أشد المفكرين المناوئين لمعظم الأنظمة العربية، إنّه الثّائر الروائي «عبدالرحمان المنيف».
ولد عبد الرحمن في الأول من شهر صفر لعام 1352 هـ الموافق 29 ماي 1933م بالعاصمة الأردنية عمان، لأب سعودي وأم عراقية، ينتمي والده إلى قرية قصيبا شمال مدينة بريدة بمنطقة القصيم، وهو من كبار تجار العقيلات الذين اشتهروا برحلات التجارة بين القصيم والشام. توفي والده عام 1355ھ - 1936م وهو لم يتجاوز الثالثة من عمره، فنشأ يتيم الأب ترعاه أمه التي كان لها دور في شحذ همّته وحبّه للعلم، وجدّته لأمّه (من أصل عراقي)، وقد كانت تلك المرحلة «عقد الأربعينيات» من أكثر المراحل أهمّية في تاريخ مدينة عمّان التي وُلد فيها وتنقَّل بين حاراتها وجبالها، وسوقها، وواديها (السيل)، ومسجدها الحسيني فتركت هذه الفترة من عمره آثاراً عظيمة في تكوينه على الصّعيد الشّخصي.
 درس في الأردن حتى حصل على الشّهادة الثانوية عام 1952 م، ثم انتقل إلى بغداد والتحق بكلية الحقوق  لكنه طرد منها سنة 1955 م مع عدد كبير من الطلاب العرب بسبب نشاطه السياسي وانتمائه إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، فانتقل إلى القاهرة لإكمال دراسته بها، ثم ارتحل سنة 1958م إلى يوغسلافيا لإكمال دراسته العليا في جامعة بلغراد الحكوميّة ويتحصّل منها على شهادة الدكتوراه في علم الاقتصاد ‹مجال اقتصاديات النفط، الأسعار والأسواق» سنة 1961م.
انتقل سنة 1962 إلى دمشق ليعمل هناك في الشركة السورية للنفط ثم إلى بيروت عام 1973 ليعمل هناك في مجلة البلاغ ثم عاد إلى العراق مرّة أخرى عام 1975 ليعمل في مجلة النّفط والتّنمية. غادر العراق في عام 1981 متجهاً إلى فرنسا ليعود بعدها إلى دمشق عام 1986 ويقيم فيها حيث كرّس حياته للكتابة الأدبيّة.تزوّج عبد الرحمان المنيف من سيدة سورية وأنجب منها ،عاش في دمشق حتى توفي عام 2004, وبقي إلى آخر أيامه معارضاً للإمبريالية العالميّة.
ورغم معارضته الشّديدة لنظام الرّئيس العراقي الرّاحل صدام حسين فقد وقف في صفّ المناوئين للغزو الأمريكي للعراق عام 2003 لأنه كان يعرف جيّدا ما يريد الأمريكان تحقيقه في المنطقة.
كرس نضجه الفكري والثّقافي العام لممارسة الكتابة الرّوائية التي بدأها بعد أن بلغ الأربعين من عمره، ما جعله يصنع لنفسه خصوصيّة أدبيّة مبكّرة وعالما روائيا سرديّا معقّدا، وضع فيه خلاصة رؤيته للحياة، وقد ركّز اهتماماته على حرّية الإنسان، وما يجب أن تكون عليه هذه الحّرية.واهتمّ بشكل مكثّف بالمسألة الإجتماعيّة التي تبرز في رواياته من خلال تركيزه على ظواهر اجتماعية وأنماط محددة من العلاقات المتشابكة بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتظهر حدّتها في القمع والاستبداد ووضع المرأة واتساع الهوة ما بين الأغنياء والفقراء. 
والمتتبع لأعمال «مُنيف» يجد أنه قد أضاء فضاءً فسيحاً في جوانب هامة من الرواية السياسية العربية وتناول فيها أشكالا وأنماطا جديدة لم تعهدها من قبل. وطوّر في رواياته مقومات التعبير النفسي الباطني العميق، فألتقط الانفعالات الإنسانية  لحظة وصولها إلى سطح الوعي في صورتها الأولى، كذلك استيعابه الألفاظ والتعابير التي أحدثتها الثقافة المعاصرة، سيما وأنه كان على اتصال مستمر مع ما تنتجه من دراسات ومصطلحات علميّة حديثة، مسفيدا منها بما ينسجم مع الثّقافة العربيّة، إلى جانب إعطائه مسافة كافية لخصوصيّة هذه الثقافة ونتاجها في الأدب والنقد.
عرف بغزارة إنتاجه الأدبي إذ منح المكتبة العربيّة ما يزيد عن ثلاثين كتاباً شملت أعماله الرّوائية ومؤلّفاته الفكريّة والنّقدية في فنون الرّواية، والفنون التّشكيلية، والسّيرة الذاتية، وسائر الآداب الإنسانيّة. وأُدرجت أعماله ضمن برامج التّعليم في جامعات أوروبيّة وأمريكيّة، ووافقت منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والعلوم والثقافة «يونسكو» على ترجمة أعماله إلى ما يقارب عشرين لغة حيّة في العالم. 
من أشهر رواياته «مدن الملح» التي تحكي قصّة اكتشاف النّفط في السّعودية وهي مؤلّفة عن 5 أجزاء، وقد جعلت منه معارضا للسّعوديّة ورواية «شرق المتوسّط» التي تحكي قصّة المخابرات العربيّة وتعذيب السّجون والتي أحدثت ضجّة كبيرة في العالم العربي، باعتبارها أوّل رواية عربيّة تصف بجرأة التّعذيب الذي تمارسه الأنظمة الشّمولية العربيّة. كما تعتبر روايتي «الأشجار واغتيال مرزوق»، و«حين تركنا الجسر»  من أفضل الروايات العربية التي اهتمّ بها القرّاء والنقاد في آن. وشارك عبدالرحمان منيف صديقه «جبرا إبراهيم جبرا» في كتابة «عالم بلا خرائط».
كما أصدر كتبا من بينها: لوعة الغياب، والديمقراطية أولاً.. الديمقراطية دائما، والكاتب والمنفى وآفاق الرواية العربية، والعراق هوامش من التاريخ والمقاومة.
على إثر أزمة قلبية غيَّب الموت الروائي عبد الرحمان المنيف عن عمر ناهز السبعين عاما، وذلك بمدينة دمشق يوم السبت غرة ذي الحجة 1424 هـ. الموافق لـ24 جانفي 2004 م بعد ترحال طويل ومناف عديدة..