المجتمع الصالح

بقلم
إبراهيم والعيز
استقرار الأسرة: الشروط والمقومات
 الأسرة هي اللّبنة الأولى في بناء المجتمع، والرّكيزة الأساسيّة التي يقوم عليها صرحه المتين، وعلى مدى قوّتها وتماسكها المستمدين من عقيدة الأمّة المستوحاة من هدي الكتاب والسّنة، تتوقّف البنية الاجتماعيّة برمّتها في مناعتها وسلامتها وفعاليتها وقدرتها على الاستقرار والصمود والعطاء. 
فما مفهوم الأسرة؟، وما هي وظائفها في المجتمع؟، وما شروط ومقومات استقرارها؟، وكيف يمكن صونها وحمايتها من التفكّك والانحلال؟.
إجابة على الأسئلة التي طرحتها في التّقديم، أناقش هذا الموضوع من خلال ثلاثة محاور:
المحور الأول: الأسرة الصّالحة أساس صلاح المجتمع:
(1) مفهوم الأسرة 
هناك العديد من التّعاريف الخاصّة بالأسرة، وهي تختلف وتتعدّد تبعا لاختلاف اتجاهات الباحثين والمفكّرين في تناولها، وعلى الرّغم من هذا التّعدد إلاّ أنّها جميعا تنصبّ على بيان وظيفة الأسرة ودورها التّربوي والاجتماعي. ومن هنا يمكن تعريف الأسرة بالقول؛ «الأسرة هي: الوحدة التّأسيسيّة لشبكة العلاقات الاجتماعيّة من نسب وزواج ومصاهرة، والتي تبثّ في أفرادها الرّاحة النّفسية والإحساس بالأمان والاستقرار الاجتماعي، وتساعدهم في حلّ مشاكلهم الخاصّة والعامّة»، ويشهد لهذا قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» [1].
(2) مركزية الأسرة في صلاح المجتمع
إنّ الأسرة في التّصور الإسلامي أساس العيش الطّيب، فيها يصنع الإنسان وبها يبنى العمران، ولذلك أولاها الإسلام عناية خاصّة، فخصّها بالحظّ الأوفر من تشريعاته في القرءان الكريم والسّنة النّبوية المطهّرة صيانة لها وضمانا لسلامتها، لأنّ سلامتها تعني سلامة حاضر ومستقبل الإسلام والمسلمين والبشرية جمعاء، وخرابها خراب لكلّ ذلك.
والأسرة باعتبارها نواة المجتمع واللّبنة الأولى في بنائه، تتلخّص وظيفتها في هذا المستوى في إصلاح المجتمع وضمان استقراره، وتحقيق نمائه وازدهاره، من خلال توفير ظروف الصّلاح وأجواء الاستقامة المسعفين على الفعاليّة والإيجابيّة وأخذ المبادرة. ويمكن تلخيص ذلك في ثلاث نقط:
* الأسرة الصّالحة تحفظ أمن المجتمع وتضمن استقراره، وذلك بتطهيره من مختلف الآفات التي تهدّد أفراده، كانتشار جرائم القتل والاغتصاب، وتفشي ظاهرة العنف، وازدياد ظاهرة تشرّد الأطفال واستغلالهم في الدّعارة والمخدّرات من قبل العصابات الإجراميّة.
* الأسرة الصّالحة تهيئ الجيل الصّالح الذي يصلح الأرض ويعمرها  بالعمل الصّالح وحفظ حقوق الغير وأداء الواجبات كما أمر الله سبحانه وتعالى، ويساهم في القضاء على الفساد بكلّ ألوانه، أو التّخفيف منه على الأقل، عملا بقوله تعالى: «وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا» [2]. 
* الأسرة الصّالحة أصل في إنشاء مجتمع صالح يكثر فيه الإنتاج والفعّالية وأخذ المبادرة في مجال فعل الخير والتّعاون عليه، لبناء مجتمع متماسك قويّ تسود فيه أخلاق التّكافل والتّضامن، استجابة لقوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ» [3]. 
المحور الثاني: استقرار الأسرة؛ الشّروط والمقومات:
إنّ الأسرة التي تحافظ على الوظيفة المنوطة بها في صناعة الإنسان وبناء العمران وإصلاح المجتمع والسّعي إلى حفظه وصيانته من كلّ الآفات وجميع الأخطار هي الأسرة المستقرّة، واستقرار الأسرة لا بدّ له من شروط ومقومات، أختصرها فيما يلي:
* الاختيار الموفّق للزّوج الصّالح وقبول الزّوجين ببعضهما وتوافقهما في المشاعر والتّصورات والأهداف.
* الحضور المؤثّر للأبوين في الأسرة وفي محيطها؛ بالقدوة الحسنة والنّصح والتّوجيه وزرع المحبّة بين أفرادها.
* اهتمام الأبوين بالوازع الدّيني وتربية الأبناء عليه، صيانة للأسرة من الضّياع والانحراف، لأنّ الدّين صمّام الأمان من جميع الأخطار.
* تحلّي أفراد الأسرة جميعهم بمكارم الأخلاق كالصّبر والعفو والعفّة والمعاشرة بالمعروف، لحفظ تماسك الأسرة وغرس أخلاق التّراحم والتّعاون بين كلّ عناصرها.
* الدخل المناسب الذي يؤمن للأسرة احتياجاتها الأساسية، ضمانا لقسط من الرفاهية والطمأنية والسعادة والاستقرار.
فإذا توفرت هذه الشروط والمقومات، لاشك سيتحقق المقصد الشرعي من دعوة الإسلام إلى تأسيس الأسرة وبنائها: مقصد السكينة والطمأنينة، والمودة والرحمة. وتحقق هذا المقصد هو العامل المؤثر الأول الذي يساعد الأسرة على القيام بوظيفتها الاجتماعية المتمثلة في حفظ الفضيلة في المجتمع، والتغلب على ضدها من مختلف الرذائل التي تهدد سلامة المجتمع وأمنه. 
وحتى تكون الأسرة في مستوى المسؤولية المنوطة بها، لا بد من التفكير في حمايتها من عوامل التفكك والانحلال، خاصة في الزمن الحاضر الذي أصبحت فيه الأسرة مستهدفة بالتخريب من قبل المغرضين الذين يتربصون الدوائر بالإصلاح وبأهله، ويحبون أن تشيع الفاحشة في الأسرة العمود الفقري للمجتمع، وذلك ما يتضمنه المحور الموالي.
المحور الثالث: تحصين الأسرة من الانحلال والتفكك:
هنالك جملة من القواعد يساعد حضورها وتفعيلها على صيانة الأسرة وحمايتها من الضّياع والتّفكك والانحلال، هذه القواعد أصوغها كما يلي:
* التزام كلّ أفراد الأسرة بالمقومات الشّرعية للأسرة النّاجحة، ويتحقق ذلك بتفعيل أحكام الشريعة الإسلامية وآدابها فقها وتطبيقا؛ (الاختيار الحسن للزوج، والمعاشرة بالمعروف بين أفراد الأسرة، واستحضار الوازع الديني في التربية، وبر الوالدين...).
* تنظيم دورات تدريبيّة وندوات علميّة بهدف إطلاع الأزواج والأبناء وجميع أفراد الأسرة على الأدوار الشرعية المنوطة بكل فرد، مع الاجتهاد في ربط ذلك بسيرة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم نموذج الكمال البشري في حسن معاملة أهل بيته.
* قيام كلّ المؤسّسات الموجودة في المجتمع (مساجد، ومدارس، ووسائل الإعلام...)، بواجبها في دفع جميع الأخطار المهدّدة لاستقرار الأسرة، وخاصّة ما يتعلّق بسوء المعاشرة، والعقوق، والعنف، وإهمال حقوق الأسرة، وغيرها من الأخطار التي تفرّغ الأسرة من فحواها وتعرقل وظيفتها في التّربية والإصلاح.
الهوامش
[1]  سورة الروم - الآية 21. 
[2] سورة الأعراف - الآية 55. 
[3] سورة المائدة - الآية 03.