همسة

بقلم
الخامس غفير
مأسسة الفشل
 من العجب العجاب الذي يتعجّب منه كلّ متعجّب، هو أن نرى بعض الفاشلين بدل الإعتراف بفشلهم يسعون بكلّ الطّرق والسّبل الى تعليق فشلهم على الآخرين، فحسبي أن أقول لهم ليس العيب أن نخطئ في التّدبير والتّسيير أو في التقدير، و لكن العيب كلّ العيب هو أن نتمادى في الخطأ .
إنّ هذه العقليّة التّبريرية لن تدفع بنا إلى التّغيير والفعل والإنجاز، بقدر ما ستدفعنا الى إعادة إنتاج أخطاء الماضي وخلق صراعات هامشيّة، المستفيد الوحيد منها هم منظّرو الفشل بأوطاننا ومهندسوه.
فشل و فاشل
ذهب بعض المفكّرين إلى التّمييز بين نوعين من الفاشلين، هناك فاشل ذكيّ وفاشل غبيّ، فالفاشل الذّكي هو الذي يستفيد من تجربته ومن علاقته مع الفشل،حيث يجعلها وسيلة لتطوير ذاته وإمكاناته دون أن يتباكى أو يلقي باللّوم على الآخرين وعلى الظروف وأشياء أخرى غير قابلة للتّعريف والتّشخيص والتّجسيد.
أمّا الفاشل الغبيّ فهو ذلك الذي يعتبر فشله وكأنّه مقصود من خصومه، وممنهج من طرف من يعتقد بأنّهم يعملون بمشروع دقيق، ومحكم  لتصفيته وإنهاء رصيده السّياسي وماضيه الحزبي والنقابي والثقافي وتاريخه النّضالي أو ما شاء وشئنا من أسماء ومسمّيات، حيث نجده يبكي، ويبحث بلا هوادة عن خصوم مفترضين، وحتّى اذا تعتذّر عليه ايجادهم سعى الى صنعهم أو افتراضهم، ومن ثمّ توجّه إليهم بصورايخ لفظيّة وتصريحات معنّفة، وبكلمات هزليّة ساخرة .
هناك من يعتقد بأنّه ليس هناك فشل بقدر ما هناك تجارب وخبرات من الفشل، ورغم ذلك أجدني أميل للقول: نقبل بهذا الطّرح والزّعم، فقط إذا كان الأمر يتعلّق بذاتيّة الفرد، وبعلاقته بذاته ومشاريعه الشّخصيّة، وبمدى سعيه المتواصل نحو تطوير إمكاناته وقدراته، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالأغيار ومهاجمتهم دون سبب يذكر، أو بسبب رفض النّقد، وتنزيه النّفس عن الخطأ، والغلط، فهذا موضوع آخر يحتاج إلى بيان وتوضيح أكثر .
مأسسة الفشل :
لعل أخطر ما نعيشه الآن، هو سعي الجهات الرّسميّة الى مأسسة الفشل، وترويجه بين فئات شبابنا وشِيبنا ومجتمعنا، حيث نرى أنّ جلّ تصريحات المسؤولين والذين يتصدّون إلى الشّأن العام، ومن ينصّبون أنفسهم صنّاع القرار، كلّها تصريحات تشي بالفشل وتبرّره، من قبيل الإرث الثقيل، السّعي الى إفشال التّجربة، والتّماسيح والعفاريت، أو من قبيل كنّا نعول على هطول المطر، مشكل الجفاف، تهريب العملة، قطاع التّعليم غير منتج، ....
إنّ خطابا كهذا ليذكّرني بما يَذهب اليه الكثير عندما يعجز عن تحمّل مسؤوليته في الفعل والسّلوك، و كمثال على ذلك قولهم «ذهب عنّي القطار»، «صدمتني حجرة على مستوى رجلي»، «ضربني البرد»، «رفاقي سبب إدماني»... عقلية تبريرية بامتياز تستمدّ قوّتها من مؤسّساتنا الحاكمة .
برامج فاشلة لصناعة الفشل
المتأمّل في طبيعة البرامج التي يقدّمها لنا إعلامنا «إعدامنا»، يلحظ بوضوح وبدون مواربة ما يسعى إليه هذا الإعلام، فهو يقدّم لنا النّماذج الفاشلة في المجتمع، ويصوّرها كأبطال للاقتداء والاقتدار، ويكفي أن نلقي نظرة على عناوين البرامج الإذاعيّة والتلفزيّة التي تبثها المؤسسات الإعلاميّة في أقطار مغربنا العربي أو نشاهد بعضا من البرامج المدبلجة حتّى تتّضح الصورة في أذهاننا. فأغلب تلك البرامج تشدّد على الفشل العاطفي وتُروّج للفشل الأسري، وتستبيح الفساد القيمي والمنكرات الأخلاقيّة، وتٌقوّض ما بناه أسلافنا من مبادئ إنسانيّة وأسس تربويّة بشّرت بقيم المحبّة ودعت إلى بناء مجتمع العمران البشري الأخويّ......أليست هذه، مرّة أخرى، مأسسة إعلاميّة للفشل؟
 مواطن متواطئ و مواطن «عضوي»
لله ثمّ للتّاريخ أقول أنّه للأسف الشّديد، أنّ المواطن مسؤول عمّا يجري، وعمّا يُمارس عليه من جرائم الفشل، ومن جرائم سياسيّة وأخلاقيّة، بحيث لم يتحرّك ولم ينتفض ضدّ هذه المهازل التي تمارس عليه،ولم يمارس هو الآخر ضغطا على المؤسّسات الإعلاميّة «العرجاء»، ولم ينتفض ضدّ محتكري الإعلام ومسؤوليه، بل أكثر من ذلك لم يتحمّل مسؤوليته في رفض هذا الفشل الإعلامي، وهذه السّياسة الإعلاميّة المعاقة والمدمّرة والمخرِّبة.
لازلت أتذكّر إحدى المُسنّات الفرنسيّات، ممّن رفعن دعوة قضائيّة ضد إحدى القنوات الفرنسيّة، وعلّلت ذلك بأنّ التّلفزيون الفرنسي قدّم لها الرّئيس الفرنسي «جاك شيراك» في نشراتها الإخباريّة أكثر من مرّة في ظرف أسبوع  واحد، فذهبت إلى القول بأنّها تعرف «شيراك» جيّدا وهي من انتخبته، ثم قالت :أنا أسدّد نقود الضّرائب ليس من أجل مشاهدة الرّئيس الفرنسي، بل أنا أقوم بكلّ هذا وأكثر من أجل مشاهدة برامج هادفة. فأين نحن من هذه المرأة؟.