الإنسان والسماء

بقلم
نبيل غربال
مستقر الشمس (ج1)
 تمثّل الآية الكريمة رقم 38 في سورة يس «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) خبرا إلهيّا عن الشّمس وحركتها وما ستؤول إليه. نهدف من وراء هذا العمل قراءة الآية على ضوء المفاهيم والمعطيات العلميّة الحديثــة مدفوعين برغبة جامحة الى تلبية حاجة معرفيّة لا تشبع الاّ بلغة العلم. ربّما يسأل سائل وما فائدة ذلك؟ استحضر دائما عندما يطرح هذا الســؤال، تجربــة إبراهيــم (ع) حين طلب من الله تعالــى أن يريه كيف يحيي الموتى وذلك لكي يطمئن قلبه. ومع الزّيادة في الايمان التي يولدها ذلك الاطمئنان، فهناك سبب آخر يتمثّل في أنّ الإنســان «مخاطب بالاعتبار بما بلغه علمه» كما قال ابن عاشور في معرض تفسيره لهذه الآية. ويعني ذلك أنّ الإنســان عندما يقرا آيات تشير الى ظواهر طبيعية أدلى العلم الحديث بدلوه في شأنها ويكون له نصيب لا بأس به من المعرفة المتعلّقة بحقائقها فلا يمكن له أن يقرأ تلك الآية بدون أن يتدبّرهــا وأن لا يكون له رأي فيما قيل في شأنها بــل والأفضل من كــلّ ذلك أن يكون التّدبــر العلمي للقرآن دائمَ الحضور سواء كان موضــوع الآية قد وقع تناوله علميا أو لا، إذ لا مانع من ذلك سوى الالتزام الدّقيق بما تقتضيه اللّغة.  
سنبدأ إذا بمدخل لغوي حتّى ينفتح أمامنا الحقل الدّلالي لكلمتي الجري والمستقر من خلال المعاني الأصلية للكلمات التي اشتقت منها. ثم نذكر بأهم ما قيل في الآية على حسب ما اطلعنا عليه ماضيا وحاضرا، لنعرض رأينا في الأمر بعد تقديم موجز لأهمّ ما توصّل اليه العلم الحديث بعلاقة بحركة النّجوم وبالوسط الذي تتحرّك فيه وبمآل تلك الحركة. 
(1) مدخل لغوي
 - المستقر
نقرأ في التّفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للرّازي (ت 606 هـ) عند تفسيره للآية 98 من سورة الأنعام: «وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ» ما يلي: «قال أبو علي الفارسي: قال سيبويه (148 - 180 هـ / 765 - 796م): يقال: قرّ في مكانه واستقرّ فمن كسر القاف كان المستقرّ بمعنى القار... ومن فتح القاف فليس على أنّه مفعول به؛ لأنّ استقر لا يتعدّى فلا يكون له مفعول به، فيكون اسم مكان، فالمستقرّ بمنزلة المقرّ». فالمستقرّ في الآية 38 من سورة يس هو إذا إمّا اسم مكان من مادّة (ق ر) أو اسم زمان أو مصدر ميمي وهو ما يفرضه السّياق، فماذا تقول معاجم اللّغة في دلالة تلك المادة؟
جاء في كتاب العين للخليل ابن أحمد الفراهيدي (100 - 170هـ /  718 - 786م) في مادّة (قرّ) ما يلي: «القُرّ: وليلة قارّة ويوم قَرٌّ. والقرار المستقر من الأرض وأقررته في مقرّه ليقَرَّ، وفلان قارّ أي ساكن. ففي باب الثّنائي من القاف وبالضّبط في باب القاف والرّاء نجد معنى البرد والسّكون.»
وفي مقاييس اللّغة لأحمد ابن فارس (329 - 395 هـ/ 941  - 1004م) «القاف والرّاء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدهما على برد، والآخر على تمكُّن. فالأوَّل القُرُّ، وهو البَرْد، ويومٌ قارٌّ وقَرٌّ. وليلة قَرَّةٌ وقارَّة. وقد قَرَّ يومُنا يَقَرُّ. والأصل الآخَر التمكُّن، يقال قَرَّ وَاستقرَّ. والقَرُّ: مركبٌ من مراكب النِّساء.»
وفي كتابه التّحقيق في كلمات القرآن الكريم يكتب حسن مصطفوي (1336 - 1426 هـ) «إنّ الأصل الواحد في المادّة هو تمكّن مع استمرار وتثبّت وفي الاستقرار جهة الطّلب. وأمّا مفهوم البرودة فهو مأخوذ من اللّغة العبريّة كما نقلناه عن القاموس العبري، مضافا الى ارتباط وتناسب بينه وبين الأصل، فإنّ البرودة تلازم التّجمع والتّمكّن والاستقرار، فاليوم البارد يلازم السّكون ويمنع عن الحركة والعمل في الخارج».
ولمزيد استكشاف الحقل الدّلالي لمادّة (ق ر) يمكن الاستعانة ببعض مرادفاتها وهي كلمات لها معنى قريب لها. ففي التّفاسير للفقرة « فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ» من الآية 143 من سورة الأعراف هناك اجماع لغويّ على أنّ الجبل كان ثابتا وساكنا، فالقرطبي مثلا يقول: «فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ، أي فإن ثبت الجبل وسكن فسوف تراني» والرّازي يقول «كما كان مستقرّاً ثابتاً». فنحن هنا أمام معان تدور كلّها حول دوام الشّيء في مكان أو محلّ أو على حالة معيّنة. إنّنا أمام استدامة شيء أو حالة مقابل زوالها.
- الجري
أمّا معنى الجري فنكتشفه من خلال نفس المراجع التي اعتمدناها في مادة (ق ر) .
نجد في كتاب العين في باب الجيم والرّاء «جرى، الخيل تجري. والرّياح تجري، والشّمس تجري جريا الاّ الماء فإنّه يجري جَرْيَةً».
ونقرا في مقاييس اللّغة « الجيم والرّاء والياء أصلٌ واحدٌ، وهو انسياحُ الشّيء. يقال جَرَى الماء يَجْري جَرْيَةً وجَرْياً وجَرَياناً. فأمّا السّفينة فهي الجارية، وكذلك الشَّمس، وهو القياس».
وفي التّحقيق «إنّ مفهوم هذه المادّة أي الجري أصل واحد، وهو الحركة المنظّمة الدّقيقة في طول مكان ويعبر عنه بالانسياح يقال جرى الماء».
ولا بدّ من الإشارة أنّ أغلب استعمالات كلمة تجري في القرآن الحكيم كانت لوصف الأنهار مثل «وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ» وهي جزء من الآية 25 من سورة البقرة. والأنهار جمع نَهْر وهو مصدر نَهَرَ والعرب تقول نَهَرَ الْمَاءَ أَجْرَاهُ. وبعلاقة بالظّواهر الطّبيعية الأساسيّة التي سنتناولها بالعمق المطلوب فيما سنقترحه من تفسير للمراد الإلهي الممكن للآية 38 في سورة يس نقول أنّ جريان الماء تسبّبه قوّة الجذب الثّقالي التي تمارسها كتلة الأرض على الأجسام التي عليها وحولها.  ففي انعدام أيّ قوّة مسلّطة عليه لا يمكن للماء الاّ أن يتحرّك بانسياح فيما هيئ له من مسار بفعل الثّقالة التي لا يغيب أثرها في أيّ مكان وفي أي زمان في الوجود. 
فهل التزمت التّفاسير القديمة والحديثة بالمعاني التي وضعت من أجلها كلمتيّ الجري والمستقرّ وهي معان لا يمكن أن نفهم القرآن الكريم بدونها لأنّه نزل بلسان عربيّ مبين؟
(2) التفاسير : حديث السجود تحت العرش
يستشهد المفسّرون بالمأثور عند تناولهم موضوع «مستقرّ الشّمس» بحديث معروف بـ «حديث سجود الشّمس» والذي ورد بروايات مختلفة سنعتمد على اثنتين منها لإبداء رأينا فيه من خلال بعض الملاحظات. في «تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت 774 هـ)» نقرأ «قال البخاري: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا الأعمش عن إبراهيم التّيمي عن أبيه عن أبي ذرّ رضي الله عنه، قال كنت مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجد عند غروب الشّمس، فقال صلّى الله عليه وسلم « يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشّمس؟»  قلت: « الله ورسوله أعلم»، قال صلى الله عليه وسلم « فإنّها تذهب حتّى تسجد تحت العرش، فذلك قوله تعالى {وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز ٱلْعَلِيمِ}». حدّثنا عبد الله بن الزّبير الحميدي، حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش عن إبراهيم التّيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تبارك وتعالى {وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا} قال صلّى الله عليه وسلّم « مستقرّها تحت العرش» هكذا أورده ههنا». سنكتفي بإبداء بعض الملاحظات حول هذا الحديث وليس في التّفاسير المتعلّقة به. الملاحظة الأولى التي تفرض نفسها عند محاولة فهم معنى الحديث هي وجود روايات عديدة أخرى له ولقد سقنا منها صيغتين فقط وهما المذكورتان في تفسير ابن كثير وهي كما نرى غير متّفقة على الجهة المبادرة بطرح السّؤال المتعلّق بمآل الشّمس حين الغروب وهو السّياق الفلكي الذي يتنزّل فيه الحديث. ففي بعضها يكون طارح السّؤال النّبي عليه السّلام وفي البعض الآخر يطرح السّؤال أبا ذر. وهذا في حدّ ذاته مشكل، باعتبار أنّ طرح السّؤال والجهة الطّارحة مسائل تحمل نسبة لا بأس بها من عناصر فهم الحوار وما جاء فيه. والملاحظة الثّانية فهي استعمال كلمتي تغرب وتذهب لنفس الظّاهرة وهو أمر مربك الاّ أن يكون للكلمتين معنى واحد وهذا مستبعد في لسان العرب المعروف بالبيان اذ لكلّ كلمة معنى محدّد يميّزها عن أيّ كلمة أخرى مهما كانت مساحة الالتقاء في المجال الدّلالي. أمّا الملاحظة الثّالثة فهي أنّه لا بدّ من الإقرار بأنّ المقاربة العلميّة لهذا الحديث صعبة وربّما غير ممكنة أصلا باعتبار وجود كلمات غير مستعملة في المجال العلمي على الأقل في وقتنا الحاضر مثل السّجود والعرش. فاذا كان السّجود لغة يدلّ على تطامُن وذلّ كما جاء في مقاييس اللّغة، ونحن نعلم أنّ كلّ الكائنات تسجد لله، فيمكن القول أنّ الأمر قد يكون توضّح نسبيّا إذا اعتبرنا حركة الشّمس المنتظمة خضوعا لا إراديّا طبعا لقوانين وقع اكتشافها حديثا.  أمّا عن العرش والذي يدلُّ لغة على ارتفاعٍ في شيء مبنيّ كما جاء في مقاييس اللّغة، فإنّ الموضوع يتطلّب تحديد هذا البناء حتّى نفهم معنى تحته أو خلفه كما في بعض الرّوايات. لذلك سنعرض عن هذا الحديث المنسوب إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم لا لموقف رافض له بل لصعوبة مقاربته بالمفردات والمفاهيم العلميّة، فنحن نجهل حقيقة العرش الذي لا يعلم حقيقة كيفيّته وهيئته وحجمه وصفته إلاّ الله وحده. 
كما نرى أنّه من الصّعب أن نقول أنّ هذا الحديث مفسّر للآية باعتبار أنّ التّفسير يعني بيان الشّيء وايضاحه في حين أنّ متن الحديث يزيد العقل العلمي إرباكا باستعماله كلمات يصعب القبض على مدلول لها يمكن التّعرف عليه علميّا على الأقل حتّى يوم النّاس هذا في حين أنّ الآية التي يفترض أنّ الحديث مفسّر لها يمكن التّعاطي معها من خلال آخر المكتسبات العلميّة في مجال علم الكون بالالتزام الكامل بمقتضيات اللّسان العربي كما سنسعى الى بيانه. ولا غرابة في الأمر إذ تأتي الآية 38 من سورة يس في سياق يعدّد فيه الله تعالى الآيات أي الأدلّة والعلامات التي لا بدّ أن تدفع الى الشّكر لا الى الإنكار ولا يمكن أن يحصل ذلك الاّ من خلال التّفكّر والتّدبّر في موضوع قابل للدّرس بما يقتضيه المنهج العقلي من مشاهدة ورصد وصياغة نظريّات قادرة على القيام بتوقّعات يمكن التّحقق منها تجريبيّا ووضع القانون وهو ما يتوفّر في موضوع حركة الشّمس ومآلات تلك الحركة والذي يمثّل محور اهتمامنا في هذا المبحث. ولا بأس أن نذكّر في الأخير بالتّفسير المعتمد على الحديث المنسوب للنّبي صلى الله عليه وسلّم والذي نجد معناه عند الطّبري كالتّالي «وقوله: {والشَّمْسُ تَـجْرِي لِـمُسْتَقَرّ لَهَا} يقول تعالـى ذكره: والشّمس تـجري لـموضع قرارها، بـمعنى: إلـى موضع قرارها وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم» ويعني موضع سجودها تحت العرش كما رأينا في الحديث. ونظيف أخيرا ما قاله ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسير التّحرير والتّنوير في حديث السّجود «وكلام النّبي صلّى الله عليه وسلّم هذا تمثيل لحال الغروب والشّروق اليوميين. وجعل سجود الشّمس تمثيلاً لتسخرها لتسخير الله إيّاها كما جعل القول تمثيلاً له في آية {فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين} (فصلت 11)».
التّفاسير القديمة
أن تتبع التّفاسير من خلال ما كتب بداية من القرن الأول الهجري الى يوم النّاس هذا يبيّن أنّ هناك من المفسّرين من ذهب الى أنّ المستقر هو حدّ معين تنتهي اليه الشّمس ولا تتجاوزه فيكون المستقرّ عندئذ اسم مكان قرارها وآخرون ذهبوا الى أنّ المراد بالمستقر هو الوقت والأجل الذي تجري اليه الشّمس ولا تتعدّاه فيصبح المستقرّ مستقرّا زمانيّا أي منتهى سيرها. ومنهم من قال بالإثنين معا. ففي حالة أنّ ذلك المستقرّ هو بالنسبة للمكان حاول المفسرون استكشاف المراد الإلهي منه وذلك من خلال ما ينتج عن حركة الشّمس من مواضع في «القبّة السّماوية» سواء في حركتها اليوميّة أو السّنوية. فالشّمس تشرق كلّ يوم من نقطة في الأفق تختلف عن اليوم الذي يليه والذي قبله وكذلك عند الغروب فتتغيّر في الأفق مواضع شروقها وغروبها بين نقطتين قصويين خلال سنة كاملة لا تتجاوزهما وهي ما اعتبروها مستقرّاتها مثل الكلبي كما ورد في «تفسير النّكت والعيون للماوردي (ت 450 هـ)». كما أنّ الشّمس عندما ترتفع خلال النّهار فإنّ غاية ارتفاعها صيفا ويسمّى الأوج يختلف عن غاية انخفاضها شتاء وهو الحضيض. وبما أنّها تتحرّك بين ذينك الموضعين الأقصيين خلال السّنة، اذ كلّما بلغت حدّا ترجع فتعود الى أن تبلغ الحدّ الثّاني بدون أن تتجاوزهما فقد اعتبر كلّ حدّ أقصى مستقرّا لها وهو حدّ معيّن ينتهي إليه دورها، «فشبّه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره» كما يرى البيضاوي (ت 685 هـ) في تفسير أنوار التّنزيل وأسرار التّأويل وقد قال أيضا في نفس الظّاهرة أنّ «المستقرّ هو كبد السّماء» لأنّ «حركتها فيه يوجد فيها بطء بحيث يظنّ أنّ لها هناك وقفة».
إنّ الشّمس تغيّر مواضعها الظّاهرية باستمرار فيما يبدو «قبّة سماويّة» وذلك بشكل دوريّ دورته سنة، وقد اعتبر كلّ موضع تبلغه ولا تتجاوزه سواء في رحلتها اليوميّة أو السّنوية بل ترجع منه مستقرّا للشّمس ظنّا من المفسّرين بأنّ للشّمس وقفة في كلّ موضع وتشبيها بمستقرّ المسافر إذا قطع مسيره، فالإنسان المسافر حين يبلغ مقصوده بعد أن يقطع مسافة ما فإنّه يقضي حاجته ثمّ يرجع الى المكان الذي ابتدأ منه سفره (القرطبي ت 671 هـ). 
أمّا أولئك الذين رأوا أنّ المستقر هو بالنسبة للزّمان أي أنّ المستقرّ هو اسم زمان القرار فيقولون أنّه يعني «لوقت لها إلى يوم القيامة» مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) أو «انقطاع جريها عند خراب العالم» (البيضاوي، ت 685 هـ) وهي أقوال لا تضيف شيئا باعتبار أنّ كلّ شيء هالك الاّ وجهه تعالى أو «لحدّ لها مؤقّت مقدّر تنتهي إليه من فلكها في آخر السّنة، شبّه بمستقرّ المسافر إذا قطع مسيره» كما كتب الزمخشري (ت 538 هـ) في تفسير الكشّاف. 
ان اعتبار المواضع القصوى في حركة الشّمس مستقرّات لها في التّفاسير القديمة سواء للرّجوع منها عند بلوغها أو لبطء في حركتها عندها لا يمكن الاّ أن يعكس مستوى المعارف الفلكيّة في زمن التّفسير وربّما حتّى تطويعا للّغة باعتبار أنّ المسافر ليس له حركة دوريّة حتّى تشبه المواضع الدّورية للشّمس سواء تلك التي تبلغها ولا تتعدّاها أو تلك التي تبطئ حركتها عندها بمستقرّه. نحن نعلم الآن علم اليقين أنّ حركة الشّمس التي بنيت عليها تلك التّفاسير ظاهريّة وليست حقيقيّة وأنّ الحركة الحقيقيّة لم تكتشف الاّ بداية من عام 1783م من طرف فريدريك ويليام هيرشل (1738 –1822م). إضافة لذلك فإنّ اعتبار تلك المواضع مستقرّات كان من جهة التّشبيه بحركة المسافر الذي يقطع مسيره وليس تقيّدا بما يقتضيه معنيّا الأصلان الصّحيحان للجذر الذي اشتق منه لفظ المستقرّ أي (ق ر) فيكون عندها المستقرّ هو موضع التّمكن مع استمرار وتثبّت مع ما يلازم ذلك من برودة كما رأينا في المدخل اللّغوي. كما يجب الإشارة الى أنّه ليس ثمّة ما يوحي بالتّحرك من جديد وبشكل دوري في معاني مادّة (ق ر) كما يريد أصحاب التّفسير. وإن كان لهؤلاء ما يبرّر تفسيرهم بحكم انعدام الوسائل النّظرية والتّقنية في زمنهم للتّعرف على حقيقة الشّمس وحقيقة حركتها والوسط الذي تتحرّك فيه والقوانين النّاظمة لكلّ ذلك فإنّ ما لا يمكن قبوله هو أن يواصل المحدثون اعتبار الظّاهر من حركة الشّمس حقيقة وإنتاج تفاسير تسقط عند أول فحص علمي دقيق.
في الجزء الثّاني من هذا المقال سنتطرق إن شاء الله  للتّفاسير الحديثة ثم نطرح ما نراه مرادا الهيّا ممكنا من الآية «والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم».