همسة

بقلم
محمد بن الظاهر
الإصلاح الديني: إعتناق العقلانية والتحرر من سلطة التهافت .
 فلسفة الدّين نوع من التّفكير يعتمد العقل في البحث وتحليل المقدّسات والمعتقدات والظّواهر الدّينيّة وتفسيرها بعيداً عن التّنظير اللاّهوتي التّبشيري، ولا تتوخّى الرّكون في حدود معيّنة، بل تطلق العنان لتفكيرها دون وضع سقف له، ففيلسوف الدّين باحث يتحرّى الحقيقة بموضوعيّة وحياد تامّين بهدف تحرير الدّين من سجن الماضي وتجنّب الغرق في التّفسيرات التّراثيّة وتأويلات تبرّر أجندة سياسيّة.
لقد درس «فيبر» و«دوركايم» سوسيولوجيّة الدّين بشكل مستفيض، وأكّدا أنّ للدّين دورا وظيفيّا مهمّا في تعزيز التّماسك والتّضامن الإجتماعيّين، وله دور في إحداث تغيير إجتماعي. لن تتحقّق وعود «ماركس» بإختفاء الدّين بفعل تطوّر وسائل الإنتاج، فما زالت المعتقدات الدّينية تؤثّر تأثيراً بالغاً ،حيث خرجت من النّمط التقليدي (في الغرب)، إذ أنّ عدداً من الغربيّين يعتبرون أنفسهم متديّنين وملتزمين لكن يمارسون شعائرهم خارج إطار المؤسّسات الدّينية التّقليديّة. وتختلف الحدّة وتتعمّق الهوّة بين العالمين، ففي الدّول النّامية أو الدّول التي تتبنّى «ديناً»، رغم أنّ الدّولة كيان غير مادّي لا ديني، مازال الدّين يكتسي طابع التّقليد ومازال «الطوطام» متفشّياً، ولقد فهمت الأجهزة القمعيّة في هذه الدّول هذا الشّيء واستعملته في قضاء حوائجها وطمس الأعين عن الظّلم والعنف والطّغيان الذي يظلّ على الدّوام يستغلّ صورالله ويمارس العدوان ويسفك الدّماء بإسمه.
لا يمكننا تحديث التّفكير الدّيني وإصلاحه والتّحرر من شبح الماضي إلاّ بإعلاء سلطة العقل والتّخلّص من الخلط والتّلبيس بين مفهوم الله وتصوّرنا له وبين المقدّس وتصوّر البشر له. فالسّبيل للنّهوض لا يكمن إلاّ بإيجاد منهج عقليّ ومنطقيّ رصين، دون الغرق في تأويلات النّصوص الدّينية التي تبنى على البعد النفسي للمفسّر وبعده المعرفي والحقبة التّاريخيّة التي يعيش فيها، فهذه الأبعاد والمتغيّرات تتداخل لتعطي تأويلاً نأخذه نحن على أنّه مسلّمة. الله لم يعطنا عقولاً لتخالف شرائعه، وعلينا أن نفهم أنّ النزاعات الدّينية داخل الدّين الواحد أو بين الأديان ليست في تنوّع الشّرائع بحدّ ذاتها بل بتناقض الأطماع الإقتصاديّة والسّياسية ولا يمكن إصلاح العلاقات بين الأديان وبين الشّيعة والسّنة بوجه الخصوص إلاّ بتحكيم العقل وتقليص سلطة رجال الدّين وجعل التّدين أمراً شخصيّاً، بمعنى العلمنة.
أوهمتنا المفاهيم الخاطئة أنّ هناك قطيعة بين الفلسفة كتفكير نقدي منطقي والشّريعة، لكن لا يمكن العودة إلى الدّين الصّحيح إلاّ بتكريم الإجتهاد وتحفيزه، واستقلال المؤسّسات الدّينية عن السّلطة السّياسية وصون حقّ الإختلاف في المذاهب والإجتهادات وفي النّصوص الدّينيّة الإسلاميّة. هنالك تناغم منشود بين الدّين والدّنيا، فلا يمكننا أن نستعين بالعقل لهدم العقل.
 إنّنا نحتاج إلى نهضة وثورة كبيرة تهزّ أركان السّلوكات اللاّعقليّة، كما نحتاج إلى عدم قمع الإصلاح ومنعه فهذا لن يأتي إلاّ بتفاقم الويلات، والقمع آخذ بالزوال لا محالة، فهذه حتميّة تاريخيّة لا مناص منها والشّعوب العربيّة لن تتراجع عن مطالبتها بالإصلاح .