التدوينة

بقلم
البحري العرفاوي
العالم الإسلامي المعاصر الحاجة إلى ثقافة إحيائية إنسانية
 يعرفُ أعداءُ أمتنا أن العقيدة الإسلاميّة عقيدة إنسانيّة ومجاهدة ...يعرفون ما ترسّخهُ في معتنقيها من عزم وعزّة وبسالة واصطبار... يعرفون أنّها ما ترسّخت في مجموعة إلاّ آخت بينهم وجعلت منهم جسدًا منسجمًا ومتعاضدًا، لذلك يخشونها ولذلك لم يتوقفوا عن ابتداع أساليب تجفيف منابعها وتشريد أتباعها ... نعرف ما الذي حدث للعقائديّين أفرادًا أو مجموعات من إيذاء في الأبدان والأرزاق والأعناق على أيدي الأقرباء والبُعداء ... خصوم العقيدة الإسلاميّة لهم من الإمكانات المادّية ومن  العِصيّ وفخاخ القوانين وتقليعات التّأويل ما يكفي لتجريب الأساليب وتمديد الألاعيب وصرف طاقات الأمّة وأوقاتها في نهش نفسها وفي الدّوران حول العمود حتّى الإختناق! 
مُصطلحات الحداثة والعقلانيّة والمدنيّة والتّجديد... يُشهرها «مثقّفون» كما السّواطير يَهوُون بها على مصطلحات القاموس الدّيني، يُحَرّضون على المُتدينين وعلى ينابيع العقيدة . «مثقّفون» يشتغلون كاسحات ثقافيّة يُمهّدون الطّريق لمشاريع الغزو ولأنظمة الإستبداد ـ يقبضون من الدّاخل ومن الخارج ـ ولا يتردّدون في استعمال مصطلحات المواطنة والحرّية وحقوق الإنسان! يَرفعون العنوان ويضربون البنيان!!! ولا غرابة أن تستمع لهؤلاء اليوم يسبقون العقائديّين في «تمجيد» المقاومة ... وفي ذات الوقت يحرصون على تسميم ماءها إذ يَسِمون أبطالها بما لا ينسجم مع مُقتضيات الحداثة والمدنيّة!! لقد ظلّ أولائك عبرَ التّاريخ يُريدون من العقائديين أن يُقاوموا ثمّ... يُسلّموا!! يُسلمون حصادهم إلى القاعدين من أصحاب النّظريات الطّافحة! يودّون أن ينتصر هؤلاء ثم يُعدمون أو ينتحرون! لم يعد العقائديّون اليوم يقبلون بأن يكونوا وقودَ مواقد يتحلّق حولها السّفهاءُ والمساومون ... لن يقبلوا بصبّ دَمهم خارج مسار تاريخ انتصار الأمّة... لن يجلسَ السّفهاءُ في عرين الشّهداء ... يُدركُ الأعداءُ وحلفاؤهم أنّ العقائدييّن تعلّموا من تاريخ الصّراع ما يكفي لتحصين دمائهم وإكرام شهدائهم... لذلك هُم مرتعبون ومستعجلون على خوض معارك متعدّدة السّاحات ومتنوّعة الأدوات ... يضربون في الكتاب وفي الجغرافيا وفي الرّموز التّاريخيّة والدّينية وحتّى في حليب الأطفال ولعبهم. 
هذه الأمّة أعلى من أن تنحني وأعمقُ من أن يغيضَ ماؤها أو تموت سنابلها أو يفنى ناسُها... «كزرْع أخرجَ شطأه فآزره فاستغلظ  فاستوى على سوقه يُعجبُ الزرّاعَ ليغيظ بهمُ الكُفار». يخشى صُناعُ الخراب ماءَ الحياة يدفق من مفاصل التّاريخ... يعرفون أنّهم لم يُحسنوا صُنعا ويخشون تناسل الأولاد المنتقمين... لذلك يستميتون في تحشيد المُخرّبين وفي إرسال دُخان التّضليل وتوريط الشَّعر في العجين يتمنّون أن تضرب الأمّة يمينها بيسارها ورأسَها بركبتيها فلا تقومُ ولا تستجمعُ قوًى ولا تستعيدُ وعْيًا ولا تتأملُ ملامحَ عدوّها ولا تصْحُو من سُبات وأوهام... يتعجّبون أنّها لم تمت! وأنّها كلّما ضُربت اشتدّ عُودُها وكلّما استشهدَ شاهدٌ هاجت من دمه حشودُ الغاضبين... العقائديّون يتناسلون في كلّ أرْض وطأها القاتلون... أنفقَ المتآمرون أموالهم ثمّ كانت وبالاً عليهم ثم يُغلبون بإذن الله ... أنفقوا أموالهم في مشاريع تجريف المشاتل الوطنيّة وفي تجفيف ينابيع العقيدة وشلّ أعصاب الشّباب ودمغ الأدمغة والإيقاع بين الأهل وأهلهم ثمّ يجدُون قاعًا صفصفا أو سرابًا بقيعة!! 
«عقيدة الحرّية» المُسْتجمعة من معاني القرآن الكريم حول الإنسان والحياة هي التي تنتفض اليوم على صُنّاع الموت ومُبدعي الخراب ... الفلسفات البارقة ُ باهتة ومرتبكة، تتوسّل الجلاّدين بصوت رخوٍ وتدعو الضّحايا إلى ضبط النّفس حفاظا على أرْواح المغدورين !! 
«التحرّر» نداء الفطرة الإنسانيّة وليسَ مجرد مطلب أمّة أو ديانة، لذلك تنجذبُ جموعٌ وجماعاتٌ من مختلف مواضع الوجع الإنساني نحو القضايا العادلة ونحو نداءات المظلومين... المظلومون دائمًا هم العربُ والمسلمونَ
اشتدّت الوطأة عليهم كما لمْ تشتدّ من قبلُ وأريدَ بهم كما أريدَ دائمًا سوءًا ولكنّهم الآنَ أبصرُ بخيوط المؤامرة وبوجوه المتربّصين وهم اليوم أغزرُ دمًا وأوسَعُ مدًى وأطوَلُ يدًا... ولهم في الحقّ أنصارٌ كثيرون يسوقهم الله برحمته إلى مواطن الصّراع ينتصرون لنداء الحياة كما لو أنّهمُ الشّموعُ ينسابُ شعاعها في شعاع الشّمس ... تلك روحُ الإسلام تقاوم من أجل الحياة... وسينقشعُ دُخان المعركة على وجه للحياة جميل وعلى قامة للمُقاومين عالية.