الكلمة للخبراء

بقلم
أيمن الديماسي
الإطار التشريعي والترتيبي الحالي للصفقات العموميّة
 (1) تقديم عام
تعرّضنا خلال المقال السابق إلى تقديم منظومة الصفقات العمومية بعد الثورة من خلال تحليل الأمر عـدد 623 لسنـة 2011 المتعـلق بأحكام خاصة لتنظيم الصفقات العمومية والأمر عدد 515 لسنة 2012 المتعلق بتنقيح الأمر المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية.
ويمكن الجزم بأنّ الإطار الترتيبي للصفقات العمومية بعد الثورة كان يشكو عديد الهنّات التي استوجبت إصدار أمر جديد منظّم للصفقات العموميّة.
وبالرّغم من عديد النقائص التي تشوبه، فانّ الأمر عدد 1039 لسنة 2014 يمثّل الإطار الترتيبي الذي ألغى جميع النصوص السابقة والمخالفة له. وعليه تمّ إعادة صياغة منظومة الصفقات العمومية واختارت السّلطة التنفيذية إصدار أمر حكومي جديد، ونعتبر ذلك إجراءا صائبا نظرا لكثرة تنقيحات الأمر عدد 3158 لسنة 2002 التي أثّرت سلبا على فهمه من طرف المشتري العمومي.
كما يمكن الجزم بأنّ الإطار الترتيبي للصفقات العمومية بعد ثورة الحريّة والكرامة ساهم في تسريع الإجراءات ونجاعة الشراءات العمومية بالرغم من غموض بعض النقاط التي يمكن توضيحها بمنشور تفسيري تفاديا لكل لبس. 
(2) تقديم عام للأمر عدد 1039 لسنة 2014 
المنظم للصفقات العمومية المؤرّخ في 13 مارس 2014
سنحاول خلال هذا المقال وعلى امتداد هذه السلسة تحليل الأمر عدد 1039 لسنة 2014 مع التركيز على الجانب التطبيقي والواقعي. حيث أنّ الإطار الترتيبي للصفقات العمومية يجب أن يلامس الواقع لفض الإشكاليات الحقيقية.
مجال تطبيقه: تجدر الإشارة أن المبدأ هو تطبيق مقتضيات هذا الأمر والاستثناء هو تطبيق مقتضيات اتفاقية مصادق عليها بقانون تضبط قواعد الإبرام والتنفيذ والمراقبة. كما أنه في صورة إصدار قانون يتعارض مع الأمر المنظم للصفقات العمومية فانه مبدئيا يتم اعتماد القانون نظرا لعلويته. 
كما قدّم الفصل الثاني من الأمر عدد 1039 لسنة 2014 تعاريفا لعدّة مصطلحات وذلك تفاديا لسوء الفهم، ومن بين نقائص الأمر عدد 3158 لسنة 2002 أنه تضمّن عدّة مصطلحات غامضة على الرغم من أهميتها، وقد لوحظ وجود تضارب في فهمها بين عدّة مشترين عموميين مما أدى إلى الانحراف ببعض الإجراءات الواجب اتباعها.
ومن الملاحظ أنّه تم التطرق إلى تعريف مصطلح تبليغ الصفقة بالفصل 74 من الأمر عدد 1039 لسنة 2014 عوضا عن التطرّق إليها بالفصل الثاني من الأمر المذكور. وعليه فانه من الناحية المنهجية كان من الأفضل تجميع كل التعاريف لتكون بمثابة الإطار المرجعي لجميع المتدخلين في مجال الصفقات العمومية. «ويتمثل تبليغ الصفقة إلى صاحبها في تسليمه عقد الصفقة ممضى من قبل المشتري العمومي بكل طريقة مادية أو لامادية تعطي تاريخا ثابتا لهذا التسليم.»
وحسب رأينا لم يتعرّض هذا التعريف إلى الإشكاليات الواقعية المتعلقة بمماطلة صاحب الصفقة عند تسلّم وتسليم عقد الصفقة وما ينجر عن ذلك من آجال إضافية دون الصيغ القانونية. كما نلاحظ عدم التعرّض إلى إجراء الإعلام بنتائج طلب العروض ولا إلى مرحلة الإذن ببداية الانجاز. وعليه يبقى السؤال مطروحا هل يمكن اعتبار الإجراء المتعلق بتبليغ عقد صفقة ممضى من قبل المشتري العمومي إذنا ببداية الانجاز ؟ 
وفي غياب إجابة واضحة بالأمر المنظم للصفقات العمومية يتعين توضيح كل هذه الإجراءات بكراسات الشروط. وفي هذا الإطار يتعين على المشتري العمومي التثبت من جميع التعاريف المنصوص عليها بالفصل الثاني من الأمر المنظم للصفقات العمومية خاصة عند إبرام كراسات الشروط وفي مرحلة إعداد تقارير التقييم تفاديا لكل خلط.
تعريف الصفقات العمومية: طبقا للفصل 3 من الأمرعدد 1039 لسنة 2014، الصفقات العمومية هي عقود كتابية تبرم من قبل المشترين العموميين بمقابل قصد إنجاز طلبات عمومية. 
أنواع الصفقات العموميّة: تعتبر طلبات عمومية:
* صفقات إنجاز أشغال: صفقة يكون موضوعها تنفيذ أو تصور وتنفيذ منشأ أو أشغال بناء وهندسة مدنية تستجيب لحاجيات يحددها المشتري العمومي الذي يتولى تسييرها. وعندما تتعلق الصفقة في نفس الوقت بخدمات وأشغال فإنها تعتبر صفقة أشغال عندما يكون موضوعها الأساسي إنجاز أشغال.
* صفقات التزود بمواد: صفقة تبرم مع مزود أو مجموعة من المزودين يكون موضوعها اقتناء مواد أو معدات أو تجهيزات متنوعة وكذلك الخدمات المتصلة بها.
* صفقات إسداء خدمات: صفقة تبرم مع مسديي خدمات يكون موضوعها تقديم خدمات كصفقات الخدمات العادية أو كراء معدات أو تجهيزات مع وجود خيار الشراء أو دون ذلك.
* صفقات إعداد دراسات: صفقة يكون موضوعها أساسا خدمات فكرية. وتشمل بالخصوص البحوث والتكوين وتسيير الأعمال وخدمات الهندسة وقيادة العمليات والاستشارات والمساعدة الفنية والمعلوماتية وتفويض تسيير المشاريع.
خلافا للأمر 3158 لسنة 2002 قدم الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية تعريفا دقيقا لجميع أنواع الصفقات العموميّة، ولأوّل مرّة يتمّ التفريق بين صفقات إسداء الخدمات وصفقات إعداد الدراسات .
تعريف المشتري العمومي: يعتبر مشتريا عموميا:
* الدولة ويقصد بها الوزارات
* الجماعات المحلية والمؤسسات العمومية 
* المؤسسات العمومية التي لا تكتسي صبغة إدارية
* المنشآت العمومية.
وبالإضافة إلى هؤلاء بصفتهم مشتريين عموميين، فانه تخضع للمبادئ العامة المنظّمة للصّفقات العموميّة ولرقابة الهياكل المختصّة كل ذات معنوية (تطبق القانون العام أو القانون الخاص) تتولى إبرام صفقات لفائدة ذوات عمومية أو بواسطة أموال عمومية لتلبية حاجيات ذات مصلحة عامة. 
على سبيل المثال فان الوداديات بصفتها ذوات معنوية (تطبق القانون الخاص ويتم تمويلها من طرف الهياكل العمومية) تلبي مصلحة عامة (لفائدة هيكل عمومي) مطالبة باحترام المبادئ العامة المتمثلة خاصة في المنافسة، حرية المشاركة في الطلب العمومي، المساواة أمام الطلب العمومي، شفافية الإجراءات ونزاهتها. 
الأسقف المالية لإبرام الصفقات العمومية:
بالنسبة إلى الأسقف الماليّة الواجب احترامها فانه يجب إبرام صفقات عمومية في شأن الطلبات التي يساوي أو يفوق مبلغ التقديرات باعتبار جميع الأداءات:
* (200.000 د) بالنسبة إلى الأشغال،
* (100.000 د) بالنسبة إلى الدراسات والتزود بمواد وخدمات في مجال الإعلامية وتكنولوجيات الاتصال،
* (100.000 د) بالنسبة للتزود بمواد وخدمات في القطاعات الأخرى،
* (50.000 د) بالنسبة للدراسات.
أما إذا كانت تقديرات الإدارة تقلّ على الأسقف المذكورة أعلاه فانّه يتم إبرام استشارة في الغرض ويمكن إبرام عقد أو اتفاقيّة مع المزوّد أو المقاول أو مسدي الخدمات وذلك قصد ضبط شروط تنفيذ الطلبات. وسيتم التطرق في مقال قادم إلى الإجراءات الواجب إتباعها والمبادئ الواجب احترامها  لحسن اعداد الاستشارات.ويلاحظ أنّه لم يتم تغيير الأسقف الموجبة لإبرام الصفقات العمومية مقارنة مع الأمر عدد 3158 لسنة 2002.
مبادئ الصفقات العمومية:
قبل التطرق إلى مراحل إبرام الصفقات يتعيّن تحليل المبادئ المنظمة لهذا المجال، حيث أكّد المشرّع على مبادئ هامّة يقوم عليها إبرام الصفقات، وقد تم التنصيص بالأمرعدد 1039 لسنة 2014 على مبادئ جديدة يبدو أنها بقيت غامضة بالنسبة للعارضين والمشترين العموميين.
طبقا الفصل السادس من الأمر المذكور تخضع الصفقات العمومية إلى المبادئ التالية :
- المنافسة،
- حرية المشاركة في الطلب العمومي،
- المساواة أمام الطلب العمومي،
- شفافية الإجراءات ونزاهتها.
كما تخضع الصفقات العمومية إلى قواعد الحوكمة الرشيدة وتأخذ بعين الاعتبار مقتضيات التنمية المستدامة. ويتم تجسيم هذه المبادئ والقواعد باتباع إجراءات واضحة تضمن نجاعة الطلب العمومي وحسن التصرف في الأموال العمومية. 
 بالنسبة لمبدأي المنافسة وحريّة المشاركة في الطلب العمومي، كان يجدر ضمّهما في مبدإ واحد، حيث أن تكريس مبدأ المنافسة يتم بضمان حريّة المشاركة. وهو ما أقرّته محكمة التعقيب الفرنسية في قرارها الصادر في 23 ماي 1998 التي بيّنت أنّ «المقصود بحريّة المنافسة هو حقّ الأفراد في التقدّم في طلب عروض أو حرمانه من حقّه في التنافس للوصول إلى الفوز بطلب عروض بأي إجراء سواء كان عاما أو خاصا».
وفي هذا الصدد ينصّ التقرير السنوي الثالث والعشرون لدائرة المحاسبات على أنّه:
لم يقع التقيّد في بعض الحالات بالقوانين والتّراتيب حيث أصدرت خمس وزارات أذون تزود آلية على سبيل التسوية ودون احترام مبدأ التأشيرة المسبقة لمراقب المصاريف العمومية. 
عديد الطلبات لم يصاحبها ما يدل على شفافية إنجازها أو على إخضاعها للمنافسة. وقد فاقت بعض الطلبات لدى نفس المزود  الحد القانوني لإبرام صفقة.
تبيّن أنّ الإدارة تدخل أثناء التنفيذ وأحيانا بعد انقضاء الآجال التعاقدية تغييرات هامة على الكميات الأصلية وفي طبيعة الطّلبات وفي الأثمان وفي آجال التنفيذ وهو ما يمسّ بمبدأ المنافسة. ويذكر في هذا الصّدد الصفقتان المبرمتان سنة 2002 والمتعلّقتان بمشروع حماية مدينة باقليم تونس الكبرى من الفيضانات حيث شهدتا ارتفاعا هاما في الكلفة الجملية بقيمة 6,9 م.د أي بنسبة 46 % وتمديدا في الآجال بسبعة عشر شهرا.
 بالنسبة لقواعد الحوكمة الرشيدة ومقتضيات التنمية المستدامة يمكن تفسيرها باختصار بأنه يتعين إرساء نظام شامل للتسيير والمراقبة بما يحققّ أفضل حماية وتوازن بين مصالح كلّ الأطراف المعنيّة، دون المساس بقدرة الأجيال القادمة. وما يلاحظ أن هذه المفاهيم بقيت غامضة لدى عدة مشترين عموميين.
ويتعيّن التركيز على أن مجال تطبيق هذه المبادئ هو الشراءات بما تشمله من صفقات وصفقات مبسطة واستشارات.
وفي هذا الإطار كان من الأفضل التفريق بين مبادئ الصفقات ومبادئ الاستشارات مع إمكانية أن تكون بعض المبادئ مشتركة بينهما. وتجدر الإشارة إلى أنّ الفصل الثالث من قانون الصفقات العموميّة بالجزائر وتوجيهات البنك العالمي ينصّان على نفس المبادئ تقريبا المضمنة بالأمرعدد 1039 لسنة 2014