همسة

بقلم
محمد بن الظاهر
خطبة الجمعة ورقة سياسية أقرب منها للوعظ.
 الإنسان كائن متديّــن، فالهويّة الإنسانيّة هي هويّة دينيّة كما أوضح لنا ذلك المفكّر المغربي «طه عبد الرحمان» والدّين سلطان على النّفوس البشريّة. فمنذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة وانضمام الفرد وانغماسه في قالب المجتمع، اتخذ من الطّبيعة إلهاً يعبده ويستنجد به في الأزمات التي تعترضه، فتأصّلت وتجدّرت في لاوعيه فكرة العبوديّة لقوى الطبيعة ولمكوناتها من حيوان وإنسان ثمّ تطوّرت المسألة إلى أن وصلت إلى مرحلة عدم التّعبد دون وساطة وترجمان.
وجاء الدّين الإسلامي مصحّحا ومرشدا ليؤكد في خطابه على الحرّية الفرديّة في غير ما موضع، فلا واسطة بين الله وعبده ولاسلطة لإنسان على إنسان ولا لقوة اجتماعيّة على الفرد إلاّ في إطار القانون. كما أكّد الإسلام على أنّ الدّين يجب أن يكون عامل إيجاب يدفع بالمجتمع قُدماً إلى الرقيّ والازدهار ويُحيي في نفوس الأفراد بواعث العمل والكدّ لتحقيق الإستخلاف. 
ويعتبر المسجد من أهمّ المؤسّسات التي ارتكز عليها الدّين الإسلامي في دعوته وإرشاده لمعتنقيه، غير أن واقع المساجد اليوم لا يدلّ على أنها مؤسّسة ذات دور حضاري أصيل فقد تحوّل الكثير منها إلى ساحة صراع سياسي، فبعض الدّعاة يحوّلون المنبر إلى أداة من أدوات العمل السّياسي ويتناسون أنّ له دورا تربويا يهدف إلى بناء شخصيّة المسلم.
يبحث النّاس عن منبر متّصل بالحياة الواقعيّة وليس متّصلا بالبرلمان وصناديق الإقتراع ويريدون منبرا يرشد المؤمنين ويزكّي أنفسهم وليس للدّعاء على الكفّار بالويل والتّشرذم والإنقسام والهلاك، فقد أضحت خطبة الجمعة وظيفة أكثر ممّا هي مهمّة أو رسالة تنويريّة، وأصبح الخطيب في كثير من الأحيان موظّفا لدى الدّولة وبوقا من أبواقها.
إننا لا نحتاج إلى دمى وبيادق لأطراف سياسيّــة داخليّة أو خارجيّة ولا لخطباء مهرّجين فوق المنابر، ولا لأشخاص يصلّون بالنّاس فقط لكونهم يحفظـــون القـــرآن، فوظيفة الإمام لا تتمثّل فقط في تلاوة الخطب السّياسيّــــة الرنّانــــة تدعو بالخير على أولياء الأمور أوتخدم  أجندات أطراف سياسيّة بعينها أوالحديث في مواضيــــع متكـــرّرة ضجـــر منها عامّة المسلميـــن وتعب من سماعها، بل يجب على الإمام أو الخطيب أن يكون طبيباً قريبا للناس، يشخّص أمراض المجتمـــع ويقدّم لها الحلـــول، فلا يكون خطابه بعيـــدا عن الواقع متعالياً على الوضـــع، وإنّما عليه أن يضع يديه على مكمن الداء ويحاول من خلال دروسـه وخطبه أن يشفي المجتمع من أمراضه التي فتكت به خاصّـــة على المستوى النفسي والأخلاقي.
فما أحوجنا إلى خطب تبثّ السّلام الدّاخلي في النّفوس وخطباء يتحدّثون عن مشاغل النّاس وهمومهم ويتطرّقون إلى مشكلات العصرالحضارية ويبسّطون لسامعيهم النّظريات العلميّة والمنطق والفلسفة ويتطرّقون إليها في ظلّ القرآن الكريم والسّنة النبويّة الشريفة.