وجهة نظر

بقلم
محمد الدرداري
الاندماج بين المفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي
 يعتبر موضوع اندماج الأقلّيات المسلمة في المجتمعات الغربيّة، من أهمّ المواضيع الشّائكة التي فرضت نفسها في العقود الأخيرة على السّاحة الإسلاميّة والغربيّة على حدّ سواء، حتى غدا هذا المصطلح «الاندماج» يجرى على كلّ لسان، رغم كونه حديث الظّهور نسبيّا، ولعلّ السّياق العام الذي طرح فيه هذا المفهوم، هو تحوّل قناعات الكثير من المهاجرين تجاه تواجدهم في الغرب من حالة الاستقرار المؤقّت إلى حالة التوطّن والإقامة الدّائمين، وهذا الوضع طرح إشكالات كثيرة أمام الدّول المضيفة، وهو ما اقتضى البحث عن علاج فوري، وحلّ معقول، يضمن اندماج  هؤلاء المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة.  
ومصطلح الإندماج هو واحد من المصطلحات المطّاطة التي تمّ توظيفها في سياقات عديدة، بناء على رؤى مختلفة، فعلى الرّغم من أنّ الدّلالة اللّغوية لهذا المصطلح واضحة، إلاّ أنّ التّأويلات السّياسية والفكريّة والأيديولوجيّة أخرجته في كثير من الأحوال عن معناه الأصلي، لذا لابدّ من تحديد طبيعة الحمولة الدّلالية لهذا المصطلح وفق الرّؤية الإسلاميّة، حتّى نتبيّن حقيقة سياسة الإندماج التي تبنتها معظم الدّول الغربيّة تجاه الأقليّات المتواجدة على أرضها، بما فيها الأقليّة المسلمة.
الإندماج في اللغة:
إنّ الدّلالة اللّغوية لكلمة الاندماج تنبني على معنيين اثنين:
- الأول: الدّخول. أي دخول الشّيء في غيره، ومخالطته له. 
- والثّاني: الاستحكام، أو التواؤم والتّجانس مع الغير. 
جاء في لسان العرب لإبن منظور: فعل دمج يدمج دُموجا، بمعنى دخل في الشّيء واستحكَم فيه. فيقال مثلا: إندمج الشّيء وادمج أي: دَخل في الشّيء، واستحكَم فيه (1). 
وهو ما أكده الرّازي في مختار الصّحاح، باب الدّال حيث قال: دَمج الشّيء، دخل في غيره واستحكَم فيه(2).  
وقال ابن فارس دَمَجَ: الدّال والميم والجيم أصل واحد..يقال أدمجْتُ الحبل، إذا أدرجْتهُ وأحكمْتُ فتله (3). 
إنّ المعاجم العربيّة القديمة في تحديدها لهذا المصطلح، لا تكاد تخرج عن هذا المعنى.حيث تشرح أغلبها مادة «دَمَجَ» التي تشتق منها مفردة «الاندماج» وأحيانا صيغة «إندَمَجَ» بـ: «دَخَلَ في الشّيء»، ومنها ما يزيد على ذلك الشّرح عبارة : واستحكم فيه، كما جاء في لسان العرب والمحيط، فيكون بذلك التحديد المتكامل لمادة «دمج»، هو دخل في الشّيء واستحكم فيه، وكلمة استحكم كما ورد في قاموسي المحيط والوسيط،، تطلق على الشّيء إذا توثّق وصار محكما ومضبوطا ومتقنا(4). 
الإندماج في الإصطلاح.
يعتبر مصطلح الإندماج من المصطلحات التي كثر استخدامها في عصرنا الرّاهن، ويرجع ذلك إلى تداخل استعمالاته في كثير من العلوم والمجالات، كعلم النّفس، وعلم الاقتصاد، والسّياسة، وعلم الإجتماع، وغيرها من العلوم الأخرى، والذي يهمنا نحن في هذا البحث هو: معرفة دلالة هذا المصطلح عند علماء الإجتماع.
يقول الدكتور إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي في تعريفه لهذا المصطلح بأنّه: « تأليف مختلف العناصر البنائية في المجتمع، والتّنسيق بينها على نحو يقضي على احتمالات التّوتر، وعدم الإختلاف، ونبذ الصّراعات داخل المجتمع، ممّا يجعله محافظا على وحدته وتوافقه» (5). 
ويعرفه الدكتور عبد المجيد النجار قائلا: «هو ذلك التّداخل بين أفراده وفئاته، (أي المجتمع) تداخلا يمتد فيه بعضهم إلى بعض من حيث التّوافق النّفسي، ومن حيث الرّوابط والعلاقات، ومن حيث الآمال والهموم، ومن حيث التّعاون في المصالح المشتركة، بحيث لا تكون فئة منه تعيش انعزالا عنه، وانكماشا دونه، وإنّما تكون جميع المكوّنات الاجتماعيّة من أفراد وجماعات منخرطة في الدّورة الاجتماعيّة، تسهم فيها على نحو أو آخر من الإسهام، فيما يشبه الوحدة المتجانسة في تدبير الحياة الجماعيّة» (6). 
وفي ضوء هذين التّعريفين، نتبين بأنّ معنى الإندماج لا يخرج عن ذلك التّنسيق أو التّعايش المثمر بين الفئات والجماعات المختلفة، داخل النسيج الاجتماعي الواحد، بهدف تشكيل وحدة اجتماعية وثقافية مشتركة، لكن شريطة عدم التّنازل عن ثوابث الإسلام وقيمه أو المساومة عليها.
ومن الجدير بالذّكر أنّ هناك لبسا كبيرا غشي استخدام هذا المصطلح، «فإنّ البعض يستخدم لفظة الاندماج، ولكنّه في واقع الأمر يعني بذلك الذّوبان. مثال ذلك القول بأنّ إرتداء المرأة المسلمة للحجاب الشّرعي يعوق اندماجها في المجتمع، ولمّا كان الحجاب أمرا واجبا وشرعيّا على المرأة المسلمة الملتزمة بدينها، وبما أنّ الدّليل على فرضيته قد قام، فقد انتقل الأمر من منطقة العفو إلى مجال الثّوابت، التي تعتبر المساومة عليها والتّخلي عنها ذوبانا وليس اندماجا» (7) 
كما أنّ المسلم قد يتّهم بالانطواء والانعزال عن المجتمع، لمجرد أنّه لا يغشى الحفلات والمراقص والمهرجانات، ولا يباشر ارتكاب الكبائر من الزّنا والفحش وغيرها من القبائح المنتشرة في المجتمع الغربي، فليست هذه الموبقات من مقتضيات الإندماج ولوازمه.
إنّ الاندماج بمفهومه الغربي، لا يمكن أن نتبين حقيقته من معاجم اللّغة وقواميسها، بل لا بدّ من الرّجوع إلى تصريحات السّياسيين الغربييّن، ففي ضوئها نعرف حقيقة هذا المصطلح ودلالاته في الخطاب السّياسي الغربي. يقول  فرانكو فراتيني  نائب رئيس المفوضيّة الأوروبيّة: « إنّ الاندماج يعني أن يتّفق النّاس على نفس المبادئ الرّئيسة، أي أنّ المهاجرين يجب أن يقبلوا القوانين والأسس والقيم الرّئيسة المتّبعة في أوروبا، مثل حقوق الإنسان، والمساواة بين الرّجل والمرأة وغيرها، ويجب على كلّ من يرغب في الإندماج في دول الإتحاد الأوروبي أن يحترمها» (8).  
كما صرّح الرئيس الفرنسي السّابق ساركوزي لوكالة (أكي) الإيطالية للأنباء قائلاً: « من يريد الإقامة في فرنسا فعليه احترام ثقافتنا وقيمنا وقوانيننا، فلا مكان في فرنسا لتعدّد الزّوجات، ولا للختان، ولا للحجاب، ولا للزّواج بالقوّة» (9). أمّا في ألمانيا فحسب تعبير رئيس الجالية التركية الدكتور «حقي كسكين» يُفهم الاندماج على أنّه « تطبّع الأجانب بالثّقافة الألمانيّة»(10). 
وفي ضوء هذه التّصريحات وغيرها يتبيّن بأنّ مصطلح «الإندماج» عند الغربيّين لا يخرج عن معنى الذّوبان في الحياة الغربيّة العامّة أخلاقيّا واجتماعيّا وثقافيّا...والانصهار في بوتقة المجتمع الغربي فكرا وسلوكا ومشاعرا، بعيداً عن أيّ صراع أو مواجهة مع أخلاق الغربيين وتقاليدهم وأعرافهم.
الهوامش:
[1] لسان العرب، ابن منظور مادة دمج، ج/2 بيروت، دار صادر. د.ط ولا سنة النشر.
[2] مختار الصحاح، الرازي، مكتبة لبنان، طبعة مدققة ، بيروت، لبنان/2004م ص:88
[3] مقاييس اللغة، ابن فارس، تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون، ج/2 مكتب الإعلام الإسلامي، قم، إيران،1402هـ ص:299
[4] واقع الوجود الإسلامي بأوربا، د. محمد الهواري، المجلة العلمية للمجلس الأوربي للإفتاء  والبحوث. ع/11ــ12 رجب 1429هـ ص 229.
[5] مصطلحات عصر العولمة، د.اسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي.الدار الثقافية للنشر،القاهرة.ط.1،1428هـ/2007م.ص:62.
[6] د. عبد المجيد النجار، المسلمون في أوربا، المجلة العلمية للمجلس الأوربي للإفتاء  والبحوث ع/11-12 رجب 1429 هـ.ص/359.
[7] د.جمال بدوري، إندماج المسلمين وآثاره في أمريكا الشمالية، المرجع السابق ص: 427.
[8]،[9]و[10] د. حسب الله النور، مجلة الوعي الإلكترونية ،ع/284ـ 285 السبت  24 رمضان 1431هـ