للنقاش

بقلم
عبدالمجيد بن ابراهيم
القرآن بين التفكيك والتاويل
 لايزال القرآن ظاهرة(1) يستأثر بالاهتمام الكبير ولايزال يشكّل مرجعيّة كبرى للفكرالعربي والإسلامي. إنّ التّغيرات التي أصابت الحياة العربيّة جعلت إعادة التّفكير في القرآن من حيث دلالاته ومفاهيمه ولغته وشكله أمرا حيويّا، وهي إعادة تقتضي ضرورة الانتباه الى أفق العصر الحديث والثّورات العاصفة التي حفّت به. لكنّ التّفاعل مع القرآن مثلما كان  كثيفا كان أيضا متعدّدا ومختلفا يتراوح بين التّفكيك والتّأويل. وسنعمل في هذه السّطور على تقديم أهمّ تلك القراءات ومحاولة بلوغ رؤية تعيد المسلم التّائه الى عتبة العصر.
هناك اتفاق واسع بأنّ مشروعيّة ما يسمى بـ«الفكر الإسلامي التقليدي» قد بدأت تهتزّ إن لم نقل أنّه صار جزءًا من الأزمة. فلم يعد ممكنا قراءة النّص الدّيني بذلك التّقسيم التّقليدي «المكّي» و«المدني» و«النّاسخ والمنسوخ» لأنّها لم تعد تجيب على أسئلة الفرد المسلم الواقع بين كماشتي الإستعمار والاستبداد ومعاناة الفقر والحاجة. لم يعد ممكنا قراءة النّص وفق منهج «الاشباه والنّظائر» كما يقول الإمام السّيوطي(2) أو بطريقة «ابن كثير» وعنعناته الطّويلة، فلم تعد تلك الطّريقة الفقهيّة في التّعامل مع النّص مقبولة ...لذا لابدّ من الإقرار عند هذا المستوى أنّ هناك أزمة فارقة تتطلّب مجهودا علميّا «يزحزح» الموجود كما يقول المفكر محمد أركون وذلك لبلوغ فكر إسلامي جديد معاصر.
سوف نتناول في البدء منهجيّة التّفكيك وهي منهجيّة تستفيد كلّيا من العلوم الحديثة(3) وتهدف في النهاية إحلال مشروعيّات جديدة كـ «العقل» و«الانسان»
(1) قراءة في مشروع التفكيك العربي
يقوم هذا المشروع التفكيكي على تجاوز«الرّؤية السّلفية»  والقطع مع التّراث وإحلال مرجعيّات جديدة لفهم النّص. إنّ هذا المشروع يراهن في النّهاية على إثبات «تاريخيّة النّص القرآني» وأنّه نصّ «عادي» وليس «مقدّسا» كما يقول الفيلسوف «مارسيا الياد».
يُعدّ المفكر الفرنسي «محمد أركون» (4) الأكثر دفاعا عن هذه الرّؤية بل الأكثر راديكاليّة حيث يغطّي اهتمامه بالنّص جزءا من مشروعه «الاسلاميّات التّطبيقية» وهو منهج يقوم على تعدّديّة العلوم. فهو يعتمد مثلا على منهجية النّقد التّاريخي لإثبات أنّ القرآن مرتبط بعصره الصّحراوي والبدوي والفقهاء هم من ساقوا تلك الرّؤية الى عصرنا واعتبروها القراءة الوحيدة، حيث أطلق عليها «السّياج الدّوغمائي المغلق».
يذهب في نفس السّياق الدّكتور «حامد أبو زيد»(5) الذي برهن في مقدّماته لكتابه المعروف «مفهوم النّص»على أنّ القرآن نصّا تاريخيّا ويجب أن نتعامل معه بكونه «نصّا لغويّا» على غرار النّصوص الأدبية والشّعرية وقد نحا بذلك منحى الأستاذين «أمين الخولي» و«طه حسين» (6). ويمكن أن نضيف رأي الأستاذ المغربي «عبد الجواد ياسين» الذي اعتبر أنّ كلّ النّصوص التّشريعية تاريخيّة وهي أعراف أقرّها القرآن. ولمزيد توضيح هذا المشروع التّفكيكي العربي، يمكن الإشارة أيضا إلى مشروع الأستاذ السّوري «محمد شحرور» (7) الذي يقوم على قراءة لغويّة تقطع مع التّفاسير التّراثية والشّرعيّة. وقد فسّر القرآن تفسيرات تخالف السّائد لم يسبقه إليها أحد. كما نذكر في هذا المجال أفكار الأستاذ الايراني «شروس» والأستاذين التونسيين «عبد المجيد الشّرفي» و«يوسف الصديق» . كلّ هذه الرّؤى تعمل على مجابهة الفكر السّلفي ومحاولة ربط النّص بالحداثة بطرق لا صلة لها بالتّراث وهو ما يعبّرعنه بـ «الفهم الحداثي للقرآن».
(2) القراءة التاويلية
ربما من الضّروري التّأكيد على أنّ هذه القراءة ترفض القراءة السّلفية لكنها لا تقطع مع التّراث بل هي قراءة تعمل على نقده من جهة والانفتاح على الحداثة من جهة أخرى.
يقف مشروع «أسلمة المعرفة» كأحد أهم المشاريع الهامّة لهذه القراءة ويعدّ الأستاذ «طه جابر العلواني» أحد رموزه الذي عمل على نقد ما أسماه «سلطة السّلف»(7) ودعا في نفس الإطار الى مشروع «قراءة الوحييّن» وأهمّ ما ركّز عليه في تناول النّص «القراءة البنائيّة» ضدّا للقراءة الجزئيّة.
غير بعيد عن هذه المجموعة نجد المفكّر السوداني الأستاذ حاج حمد ومشروعه «العالميّة الإسلامية الثّانية» الذي يقوم على القرآن وهو تكريس لروح العصر في فهم القرآن مقابل العالميّة الإسلاميّة الأولى التي كرّست البدويّة والسّلفية في التّفسير.
يمكن أن نشير أيضا الى الفيلسوف الهندي محمد إقبال الذي عمل على فهم القرآن منفتحا على الرّوح الفلسفيّة، حيث تشي تفسيراته بذلك مثل تفسير «خروج آدم من الجنّة»  على أنّه رحلة نحو الحرّية. وقد حاول إقبال أن يكون مشروعه احتفاءً بالإنسان ووضعه مركزا في التّصور الإسلامي.
(3) خاتمة
هذه جولة بسيطة في رؤى التّفكيك ثمّ التّأويل وهما قراءتان تختلفان من حيث النظر إلى القرآن بوصفه نصّا عاديّا عند الأولى ومقدّسا عند الثانية ونحن ننتصر للثّانية باعتبارها رؤية لا تقطع مع التّراث، فلا يجب وفق معقوليتنا تطبيق المناهج العلميّة على القرآن كما على الإنجيل وبقية النصوص لأنّنا نكون قد سرنا بهذه وفق منهج الغرب أوالاستشراق الغربي. إنّ تفكيك الوحي كما يصرّ «أركون» دعوة غير مضمونة العواقب بينما قراءة «إقبال» التي ظلّت دون دراسة حتّى الآن يمكن البناء عليها لإيجاد رؤية تأويليّة للقرآن تعيد المسلم الى عصره.
الهوامش
(1) الظاهرة القرآنيّة كتاب للاستاذ مالك بن نبي
(2) الاشباه والنظائر للامام السّيوطي
(3) العلوم الحديثة السيمائية والفللوجيا وعلم التاريخ والالسنية
(4) محمد أركون المفكر الفرنسي ذو الأصول الجزائرية
(5) حامد أبو زيد المفكر المصري عرف محنة إثر نشر كتابه «مفهوم النّص» وهو كتاب ضمّن فيه نظرته الجديدة للقرآن.
(6) محمد شحرور مفكر سوري من أهم كتبه «القرآن والكتاب» قدّم تفيسرات جديدة تخالف السائد للحدود والرّبا والحجاب
(7) سلطة السلف ولاسيّما رأي علماء السّلف الكبار